الاثنين، 23 نوفمبر 2009

الصمّان و ( أم الصمّان) القرية المندثرة



1- التعريف بها وبموقعها :
تسمى هذه القرية ( الصمّان ) أو ( أم الصمّان ) بفتح الصاد وتشديد الميم ، وتقع في جنوب جبل الدخان من جزيرة البحرين ، بالقرب من أم جدر ، وهي إحدى قرى البحرين البائدة ولا ذكر لها في هذه الأيام ، ومما يدلل على قرويتها لتكون مدرجة ضمن قرى البحرين البائدة هو نسبة بعض العوائل لهذه القرية كما سيأتي .

2- المنطقة الجنوبية وبعثات التنقيب :
تعتبر الصحراء المحيطة بجبل الدخان والمنطقة الممتدة من جنوب شجرة الحياة إلى رأس البر ، منطقة اكتشفت فيها البعثات التي كانت تنقب آثاراً تعود إلى عصور ماقبل التاريخ ، أي 50,000 إلى 6,000 ق.م ([1]) ، أي أن آثار الحياة كانت موجودة في هذا القسم من جزيرة البحرين ماقبل 7000 آلاف عام تقريباً حيث كانت هناك حياة وكانت آثار وجود الإنسان كأي جزء من أجزاء الجزيرة المأهولة بالسكان . طبعاً كانت الآثار تؤكد وجود الإنسان بمرحلته البدائية على هذه الأرض .
وقد رأيت بنفسي أن في المنطقة الجنوبية وبالخصوص بالقرب من حلبة البحرين الدولية ( الفورملا ) آثاراً لقبور تشبه مايعرف بقبور عالي على إحدى التلال ، ولا يخفى على من بحث في التاريخ أن هذه القبور تعود لفترة زمنية موغلة في القدم وعلى ما لاحظه أحد الباحثين بقوله : [ مدينة دارسة لا يعرف لها تاريخ ، كأن سكانها خلقوا وماتوا قبل أن يكتشف الإنسان القراءة ]([2]) وهذه ملاحظة مهمة في فهم الحقبة التاريخية لقبور عالي التي تملأ أرجاء البحرين وإلى الآن لم يحدد التاريخيون شيئاً دقيقاً حول هذه القبور وما هي إلا تخمينات .

من ناحية أخرى ينقل التاجر في كتابه ( عقد اللآل ) وجود آثار في هذه المنطقة ووجود حياة ومدن قديمة وأطلال ومنازل([3]) _ الآن لا أثر لها بعد تنقيبات النفط وتملك الأراضي للمتنفذين _ وإهمال هذا الجانب من تاريخ البحرين هي مسؤولية إدارة المتاحف والآثار التي أخفقت كثيراً في حماية آثار هذه الأرض أمام طمع حب التملك .

3- البعثة الدانمركية [ العام 1953م ] .
وأوضح التصوير الجوي في منطقة الممطلة([4]) وحولها ، بأنه حيث ماوجدت عيون الماء وجدت مستوطنات العصور الحجرية ، وبالفعل تمكنت البعثة من التعرف على بقايا عدة مستوطنات من هذا النوع كما تعرفت على مواقع كثيرة لأحجار الصوّان في صحراء جزيرة البحرين ، من بينها مواضع تشبه إلى حد بعيد ورشات عمل الإنسان الأول ، توجد بين عيون ماء قد جفت منذ زمن بعيد ، عثرت فيها على عدد غير محدود من قطع حجر الصوّان المشذبة ورقائق ، منها ماهو مربع الشكل ومنها ماهو مقطوع من أحد أطرافه وأخرى طويلة محززة ([5])
بيد أن الأمر بحاجة لدراسة جديّة عن أسباب انعدام الحياة في هذا الجزء من الجزيرة وماهي أسبابه وهل تعود لتغيرات طبيعية في البيئة أو جيولوجيا المنطقة كان منها إنعدام الماء من الجزء الجنوبي حيث كانت البحرين أشبه ببركة ماء ينبع منها الماء الحلو من كل مكان حتى في البحر فكانت خضراء على مدى آلاف السنين حتى كانت كالجنة الخضراء واستحقت أن تكون الأرض المفقودة أو الجنة كما تصورها كتب الحضارات الأخرى أو مايعرف بأرض الخلود ، وكان السبب الرئيس في هذا الأمر هو وجود الماء يقول الله جل وعلا ( وجعلنا من الماء كل شئٍ حي ) ، أم أن هناك أسباباً أخرى أدت لانعدام الحياة في هذا الجزء كالأسباب التي بحثناها في اندثار القرى فالمجال مازال مفتوحاً حتى يتم الوصول للحقيقة العلمية الغير متيقنة .
فيتخلّص مما سبق أن الحياة كانت موجودة في الجزء الجنوبي من جزيرة البحرين لآلاف السنوات قبل الميلاد وليست هي أرض لم تسبق بها الحياة وعليه فهناك سند تاريخي يثبت وجود أمثال هذه القرى في تلك النواحي من البحرين .


4- المصادر التي وثقت وجود هذه القرية :

تطرقت بعض المصادر التي سنذكرها لوجود هذه القرية والتي هي مرددة بين ( الصمّان ) و ( أم الصمّان ) وفيما يلي نذكر من هذه المصادر التي توفرت لدي وهي :
1- حاضر البحرين وماضيها للشيخ إبراهيم المبارك المتوفى في العام (1399هـ ) يقول عنها : [ صمّان ، كحسّان وهي اليوم خراب ]([6])
2- قصيدة الغريفي : وهو العلامة السيد شبر السيد عدنان المتوفى في العام ( 1288هـ _ 1871م ) . يقول في تعداده لقرى البحرين :
بالفارسـية فالسهلان فالسند فسبسبٍ فنقا الصمّان فالصددِ([7]) وكلمة ( نقا ) على مافي مختار الصحاح : مقصورٌ كثيب الرمل([8]) . ولا علاقة لها بالمكان فإن الشعراء يستخدمونها حين يصفون الأماكن كعادتهم سيما في البيئة العربية التي لا تنفك عن ذكر الصحراء والبراري وما يتعلق بشؤونها كالكثبان الرملية .
والجدير بالذكر أنني وجدت تعليقاً على نفس المخطوط على كلمتي ( نقا الصمّان ) جاء فيه : [ نقا الصمّان قرية في جنوب أوال ،آخر جبل الدخان جنوباً بها عين ماء تعرف بها ] . ولا أعلم من الذي كتب التعليقة وغالب الظن أنها مستحدثة على القصيدة بشكل تعليقات وتوضيحات من الناسخ والله تعالى العالم .
3- الخارطة الرسمية للبحرين والمطبوعة ضمن الأطلس العربي ( جيوبر وجكتس ) وحددت موقعها في الجزء السفلي ( الجنوبي ) للجزيرة بإحداثيتين هما : الصمّان ، وعين أم الصمّان .
4- كتاب ( من تراث شعب البحرين ) للمرحوم الشيخ محمد علي الناصري رحمه الله حيث عد هذه القرية ضمن قرى البحرين البائدة([9]) ، على أن الطريق لموسوعته حول قرى البحرين غير مفتوح وإلا لكانت لدينا معلومات أكثر حول هذه القرى .
5- وثائق تتضمن أسماء تنتمي لهذه القرية ضمن مكتبة الوثائق الخاصة بكاتب المقالة .

ملاحظة : لم يذكر هذه القرية المؤرخان محمد خليفة النبهاني ، في ( التحفة النبهانية ) ولا ناصر بن جوهر الخيري في ( قلائد النحرين ) حيث يظهر أن لهما منهجاً آخر في تقسيمات القرى والمناطق ، ولم يذكرها العصفوري في ( تاريخ البحرين ) ولا الشيخ التاجر في ( عقد اللآل ) وهو من غريب أمر الأخير الذي استقصى أخبار قرى البحرين .



5- بحث في أصل التسمية :
بحسب المصادر اللغوية والجغرافية معاً استطعت أن أحصر هذا البحث وهذه التسمية في ثلاث نقاط ، وقبل الخوض فيها أؤكد على أن أصل التسمية ( الصمّان ) هو عربي وليس فارسي المنشأ لأن أصله في اللغة الفارسية يكاد يكون منعدماً ، وبعد استثناء الأصل اللاتيني أيضاً ينحصر أصل الإسم في الأصل العربي كما بينا سابقاً حول أصول مسميات القرى ، ويمكن أن نحصر ونلخص ما ذكر في المعاجم وكتب التاريخ واللغة عن هذه التسمية في ثلاثة اتجاهات :

الإتجاه الأول : إن كلمة الصمّان مأخوذة من ( الصم ) وهو من به الصمم ، وهو غير عزيز في لهجة أهل البحرين فإنه لمناسبة ما أطلقت صفة الصمان على هذه القرية ويؤيده كلمة ( أم ) المضافة ولكن لغياب المناسبة وعدم معرفة السبب لا يمكن معرفة أصل التسمية . أهل كان بها جماعة من الصم مثلاً فلزمهم اللقب ؟! ولا يمكن الجزم بها . ويؤيده مانقله ابن منظور من قول الشاعر: يدعو بها القوم دعاء الصمان([10]) .

الإتجاه الثاني : إسم علم لمكان هو الآن في المملكة العربية السعودية ، وقال في نزهة المشتاق : [ ومن أراد المسير من اليمامة إلى البصرة .... ثم يسير ثلاث مراحل أخرى إلى الصمّان وهي قرية عامرة يسكنها قوم من العرب جياع عراة قد كتب الفقر لهم بأمان .. ]([11]) فيظهر أنها في بر الجزيرة العربية . وجاء في أشعار العرب كما عن النابغة الجعدي قوله :
أيا دار سلمى بالحرورية اسلمي * إلى جانب الصمّان فالمتثلمِ ([12])
وكقول عباس ابن مرداس في قصيدة له أيضاً :
يابعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمّان والحفرُ([13]) فالصمّان والحفر اسمان لموضعين معروفين ، وفي لسان العرب لإبن منظور قال : قال أبو منصور وأنشدني أعرابي بالصمّان :
ترعى من الصمّان روضاً آرجا * ورغلاً باتت بـه لواهجا([14])
، ومازالت الصمّان موجودة في المملكة العربية السعودية ولها ينسب جماعات منهم في مناطق متفرقة من أنحاء المملكة العربية السعودية كمكة وغيرها . وينسبون لها الصُمّاني _ بضم الصاد _ ويستفاد من المصادر أنه كان يسكنها من العرب بنو تميم . ويكاد هذا الإتجاه أن يكون عقيماً في البحث لولا أن نقول أن جماعة من أهل الصمان من ناحية الجزيرة العربية قد استوطنوا هذه المنطقة فنقلوا الإسم معهم وأيضاً لا دليل عليه ولا شواهد .

الإتجاه الثالث : أن هذا الإسم يطلق على الأرض الوعرة ذات الخشونة ، قال ابن منظور : ( وصلب الصمّان مكان خشب أخشب غليظ )([15]) ، وقال أيضاً : ( والصمان والصمانة أرض صلبة ذات حجارة إلى جنب رمل )([16]) ، وهذا الإتجاه غير بعيد عن أصل اشتقاق التسمية سيما لو رأيت وعورة ناحية هذه القرية من موقعها الحالي المندثر

6- عوائل تنتمي لهذه القرية المهجورة :

يذكر الشيخ إبراهيم في حاضر البحرين مانصّه : [ ومن البلدان التي تفرق أهلها .... ومنها الصمّان ، ففي بلادنا عالي منهم وهم الحاج علي بن أحمد الصمّاني ، وقرابته . ]([17]) ، ومازالت هذه العائلة في قرية عالي تعرف بنفس التسمية واللقب إلا أنه في الأوراق الرسمية قد اختفى هذا اللقب من العائلة . ومن ناحية ثانية فإن كبار السن في هذه العائلة ينقلون أن أجدادهم ولدوا في قرية عالي مما يفيد أن الهجرة من القرية الأم كانت لسنوات بعيدة لم يدركها جيل الأجداد منهم .
ووجدت ضمن مكتبة العالم الجليل الشيخ جعفر الخال الدرازي رحمة الله عليه ، كتاباً مخطوطاً للشيخ مفلح الصيمري (قده) وهو المعروف بـ( جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات ) نسخة مصورة عنه كان المرحوم ولده الشيخ محمد بن شيخ جعفر الخال ينوي تحقيقها وبالفعل أكمل نقلها كاملة من المخطوط وقام بضبطها إلا أنه لم يكملها وعاجله أمر الله عن إكمال مجهوده ، وكانت النسخة المخطوطة والمصورة مذيلة وعليها تاريخ ، جاء فيها بتذييل الخطاط : [ الفقير إلى الله الغني ابن علي ابن محمود بن الحاجي الصمّاني محمد المطّلق مشهوراً _ هكذا _ في انتصاف ليلة الثلثاء غرة شهر جمادى الثاني من شهور سنة خمس وستين وتسعمائة من الهجرة النبوية المصطفوية ] . والشيخ مفلح هذا كان حيّاً في العام 873 هـ وهو عام كتابة إجازة لتلميذه ناصر بن إبراهيم البويهي ، كما عن الأعيان ([18]) ، وعلى أي حال فهذا الإسم وجدته ولا علم لي هل كانت الصمّان موجودة في القرن العاشر الهجري أم لا ، لأن أي رقم سوف نضعه لا يتعدى حدود التكهنات والله تعالى العالم بحقيقة الحال .
وأخبرني جماعة من الثقات أن هناك أكثر من عائلة من قرية دار كليب تنتمي لهذه القرية المندثرة منها عائلة الحاج علي المعروفة بعائلة آل عريش هم ايضاً من قرية الصمّان وكانوا يتلقبون بهذا اللقب ولهم ذرية إلى يومنا هذا ، ولا يخفى على الباحث أن جماعة من سكنة دار كليب وشهركان والمالكية وصدد ينتمون لهذه القرية ولو بحثنا بحثاً ميدانياً لطال بنا المقام ، فلعل المهتمين والمتصدين يقومون به لضرورة ما يوماً من الأيام .

الخلاصة من هذا البحث :

أنه توجد قرية في البحرين باسم ( الصمّان ) أو أم الصمان في جنوب الجزيرة وكان بها حياة وعين ماء أيضاً ، وكانت مأهولة ثم انعدمت الحياة فيها لأسباب مجهولة وغير معروفة وهي من قرى البحرين المندثرة .

وهذا ما استطعت جمعه حول قرية الصمّان المندثرة وليعذرني الإخوة في عدم نشر الوثائق الآن لأنني أولاً في طور جمع المادة ، وثانياً سأجمعها في كتابي المعد للطبع وهو ( النسائم العطرة من قرى البحرين المندثرة ) الذي سيصدر قريباً إن شاء الله تعالى .
وكتبه بيمينه
بشار عبد الهادي عيسى العالي البحراني .
في 5 ذي الحجة 1430 هـ

8- مصادر البحث :
1- حاضر البحرين وماضيها / الشيخ المبارك طبعة تجريبية عن النسخة المخطوطة .
2- عقد اللآل في تاريخ أوال / الشيخ محمد علي التاجر.
3- قلائد النحرين / ناصر بن جوهر الخيري
4- التحفة النبهانية للشيخ محمد النبهاني
5- الذخائر أو تاريخ البحرين للشيخ محمد علي العصفور
6- التسلسل الحضاري لمملكة البحرين على ضوء نتائج التنقيبات الأثرية / د . عبد العزيز علي صويلح
7- أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين
8- لسان العرب /لإبن منظور
9- سبل الهدى والرشاد / للصالحي الشامي
10- معجم البلدان / لياقوت الحموي
11- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/ للشريف الإدريسي
12- من تراث شعب البحرين / محمد علي الناصري
13- مختار الصحاح /الرازي
14- وثائق خاصة لدى كاتب المقالة
15- وثائق مخطوطة عند السيد صادق الغريفي
16- مقابلات خاصة واستطلاعات
([1]) التسلسل الحضاري لمملكة البحرين : 438
([2]) عقد اللآل في تاريخ أوال : 40 بالهامش ، نقلاً عن الريحاني
([3]) عقد اللآل في تاريخ أوال : 41
([4]) الممطلة منطقة مهجورة في جنوب جزيرة البحرين بينها وبين الصمان مسافة بسيطة
([5]) جلوب . ب . ف 2003 ، ص 350 ، عنه التسلسل الحضاري لمملكة البحرين : 62
([6]) إبراهيم المبارك : حاضر البحرين وماضيها : 46 طبعة تجريبية عن المخطوطة
([7]) قصيدة مخطوطة لدى مجموعة السيد صادق الغريفي ( حفظه الله )
([8]) مختار الصحاح : مادة ن_ ق _ا : 390
([9]) من تراث شعب البحرين : 159
([10]) ابن منظور / لسان العرب ج12 : 343
([11]) الشريف الإدريسي / نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ج1 : 160
([12]) ياقوت الحموي / معجم البلدان كلمة حروراء
([13]) الصالحي الشامي / سبل الهدى والرشاد ج5 : 344
([14]) ابن منظور / لسان العرب ج2 : 352
([15]) ابن منظور / لسان العرب ج1 : 354
([16]) ابن منظور / لسان العرب ج12 : 346
([17]) حاضر البحرين وماضيها : 50 طبعة تجريبية عن المخطوطة
([18]) السيد محسن الأمين /أعيان الشيعة ج5 : 70