الاثنين، 23 نوفمبر 2009

الصمّان و ( أم الصمّان) القرية المندثرة



1- التعريف بها وبموقعها :
تسمى هذه القرية ( الصمّان ) أو ( أم الصمّان ) بفتح الصاد وتشديد الميم ، وتقع في جنوب جبل الدخان من جزيرة البحرين ، بالقرب من أم جدر ، وهي إحدى قرى البحرين البائدة ولا ذكر لها في هذه الأيام ، ومما يدلل على قرويتها لتكون مدرجة ضمن قرى البحرين البائدة هو نسبة بعض العوائل لهذه القرية كما سيأتي .

2- المنطقة الجنوبية وبعثات التنقيب :
تعتبر الصحراء المحيطة بجبل الدخان والمنطقة الممتدة من جنوب شجرة الحياة إلى رأس البر ، منطقة اكتشفت فيها البعثات التي كانت تنقب آثاراً تعود إلى عصور ماقبل التاريخ ، أي 50,000 إلى 6,000 ق.م ([1]) ، أي أن آثار الحياة كانت موجودة في هذا القسم من جزيرة البحرين ماقبل 7000 آلاف عام تقريباً حيث كانت هناك حياة وكانت آثار وجود الإنسان كأي جزء من أجزاء الجزيرة المأهولة بالسكان . طبعاً كانت الآثار تؤكد وجود الإنسان بمرحلته البدائية على هذه الأرض .
وقد رأيت بنفسي أن في المنطقة الجنوبية وبالخصوص بالقرب من حلبة البحرين الدولية ( الفورملا ) آثاراً لقبور تشبه مايعرف بقبور عالي على إحدى التلال ، ولا يخفى على من بحث في التاريخ أن هذه القبور تعود لفترة زمنية موغلة في القدم وعلى ما لاحظه أحد الباحثين بقوله : [ مدينة دارسة لا يعرف لها تاريخ ، كأن سكانها خلقوا وماتوا قبل أن يكتشف الإنسان القراءة ]([2]) وهذه ملاحظة مهمة في فهم الحقبة التاريخية لقبور عالي التي تملأ أرجاء البحرين وإلى الآن لم يحدد التاريخيون شيئاً دقيقاً حول هذه القبور وما هي إلا تخمينات .

من ناحية أخرى ينقل التاجر في كتابه ( عقد اللآل ) وجود آثار في هذه المنطقة ووجود حياة ومدن قديمة وأطلال ومنازل([3]) _ الآن لا أثر لها بعد تنقيبات النفط وتملك الأراضي للمتنفذين _ وإهمال هذا الجانب من تاريخ البحرين هي مسؤولية إدارة المتاحف والآثار التي أخفقت كثيراً في حماية آثار هذه الأرض أمام طمع حب التملك .

3- البعثة الدانمركية [ العام 1953م ] .
وأوضح التصوير الجوي في منطقة الممطلة([4]) وحولها ، بأنه حيث ماوجدت عيون الماء وجدت مستوطنات العصور الحجرية ، وبالفعل تمكنت البعثة من التعرف على بقايا عدة مستوطنات من هذا النوع كما تعرفت على مواقع كثيرة لأحجار الصوّان في صحراء جزيرة البحرين ، من بينها مواضع تشبه إلى حد بعيد ورشات عمل الإنسان الأول ، توجد بين عيون ماء قد جفت منذ زمن بعيد ، عثرت فيها على عدد غير محدود من قطع حجر الصوّان المشذبة ورقائق ، منها ماهو مربع الشكل ومنها ماهو مقطوع من أحد أطرافه وأخرى طويلة محززة ([5])
بيد أن الأمر بحاجة لدراسة جديّة عن أسباب انعدام الحياة في هذا الجزء من الجزيرة وماهي أسبابه وهل تعود لتغيرات طبيعية في البيئة أو جيولوجيا المنطقة كان منها إنعدام الماء من الجزء الجنوبي حيث كانت البحرين أشبه ببركة ماء ينبع منها الماء الحلو من كل مكان حتى في البحر فكانت خضراء على مدى آلاف السنين حتى كانت كالجنة الخضراء واستحقت أن تكون الأرض المفقودة أو الجنة كما تصورها كتب الحضارات الأخرى أو مايعرف بأرض الخلود ، وكان السبب الرئيس في هذا الأمر هو وجود الماء يقول الله جل وعلا ( وجعلنا من الماء كل شئٍ حي ) ، أم أن هناك أسباباً أخرى أدت لانعدام الحياة في هذا الجزء كالأسباب التي بحثناها في اندثار القرى فالمجال مازال مفتوحاً حتى يتم الوصول للحقيقة العلمية الغير متيقنة .
فيتخلّص مما سبق أن الحياة كانت موجودة في الجزء الجنوبي من جزيرة البحرين لآلاف السنوات قبل الميلاد وليست هي أرض لم تسبق بها الحياة وعليه فهناك سند تاريخي يثبت وجود أمثال هذه القرى في تلك النواحي من البحرين .


4- المصادر التي وثقت وجود هذه القرية :

تطرقت بعض المصادر التي سنذكرها لوجود هذه القرية والتي هي مرددة بين ( الصمّان ) و ( أم الصمّان ) وفيما يلي نذكر من هذه المصادر التي توفرت لدي وهي :
1- حاضر البحرين وماضيها للشيخ إبراهيم المبارك المتوفى في العام (1399هـ ) يقول عنها : [ صمّان ، كحسّان وهي اليوم خراب ]([6])
2- قصيدة الغريفي : وهو العلامة السيد شبر السيد عدنان المتوفى في العام ( 1288هـ _ 1871م ) . يقول في تعداده لقرى البحرين :
بالفارسـية فالسهلان فالسند فسبسبٍ فنقا الصمّان فالصددِ([7]) وكلمة ( نقا ) على مافي مختار الصحاح : مقصورٌ كثيب الرمل([8]) . ولا علاقة لها بالمكان فإن الشعراء يستخدمونها حين يصفون الأماكن كعادتهم سيما في البيئة العربية التي لا تنفك عن ذكر الصحراء والبراري وما يتعلق بشؤونها كالكثبان الرملية .
والجدير بالذكر أنني وجدت تعليقاً على نفس المخطوط على كلمتي ( نقا الصمّان ) جاء فيه : [ نقا الصمّان قرية في جنوب أوال ،آخر جبل الدخان جنوباً بها عين ماء تعرف بها ] . ولا أعلم من الذي كتب التعليقة وغالب الظن أنها مستحدثة على القصيدة بشكل تعليقات وتوضيحات من الناسخ والله تعالى العالم .
3- الخارطة الرسمية للبحرين والمطبوعة ضمن الأطلس العربي ( جيوبر وجكتس ) وحددت موقعها في الجزء السفلي ( الجنوبي ) للجزيرة بإحداثيتين هما : الصمّان ، وعين أم الصمّان .
4- كتاب ( من تراث شعب البحرين ) للمرحوم الشيخ محمد علي الناصري رحمه الله حيث عد هذه القرية ضمن قرى البحرين البائدة([9]) ، على أن الطريق لموسوعته حول قرى البحرين غير مفتوح وإلا لكانت لدينا معلومات أكثر حول هذه القرى .
5- وثائق تتضمن أسماء تنتمي لهذه القرية ضمن مكتبة الوثائق الخاصة بكاتب المقالة .

ملاحظة : لم يذكر هذه القرية المؤرخان محمد خليفة النبهاني ، في ( التحفة النبهانية ) ولا ناصر بن جوهر الخيري في ( قلائد النحرين ) حيث يظهر أن لهما منهجاً آخر في تقسيمات القرى والمناطق ، ولم يذكرها العصفوري في ( تاريخ البحرين ) ولا الشيخ التاجر في ( عقد اللآل ) وهو من غريب أمر الأخير الذي استقصى أخبار قرى البحرين .



5- بحث في أصل التسمية :
بحسب المصادر اللغوية والجغرافية معاً استطعت أن أحصر هذا البحث وهذه التسمية في ثلاث نقاط ، وقبل الخوض فيها أؤكد على أن أصل التسمية ( الصمّان ) هو عربي وليس فارسي المنشأ لأن أصله في اللغة الفارسية يكاد يكون منعدماً ، وبعد استثناء الأصل اللاتيني أيضاً ينحصر أصل الإسم في الأصل العربي كما بينا سابقاً حول أصول مسميات القرى ، ويمكن أن نحصر ونلخص ما ذكر في المعاجم وكتب التاريخ واللغة عن هذه التسمية في ثلاثة اتجاهات :

الإتجاه الأول : إن كلمة الصمّان مأخوذة من ( الصم ) وهو من به الصمم ، وهو غير عزيز في لهجة أهل البحرين فإنه لمناسبة ما أطلقت صفة الصمان على هذه القرية ويؤيده كلمة ( أم ) المضافة ولكن لغياب المناسبة وعدم معرفة السبب لا يمكن معرفة أصل التسمية . أهل كان بها جماعة من الصم مثلاً فلزمهم اللقب ؟! ولا يمكن الجزم بها . ويؤيده مانقله ابن منظور من قول الشاعر: يدعو بها القوم دعاء الصمان([10]) .

الإتجاه الثاني : إسم علم لمكان هو الآن في المملكة العربية السعودية ، وقال في نزهة المشتاق : [ ومن أراد المسير من اليمامة إلى البصرة .... ثم يسير ثلاث مراحل أخرى إلى الصمّان وهي قرية عامرة يسكنها قوم من العرب جياع عراة قد كتب الفقر لهم بأمان .. ]([11]) فيظهر أنها في بر الجزيرة العربية . وجاء في أشعار العرب كما عن النابغة الجعدي قوله :
أيا دار سلمى بالحرورية اسلمي * إلى جانب الصمّان فالمتثلمِ ([12])
وكقول عباس ابن مرداس في قصيدة له أيضاً :
يابعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمّان والحفرُ([13]) فالصمّان والحفر اسمان لموضعين معروفين ، وفي لسان العرب لإبن منظور قال : قال أبو منصور وأنشدني أعرابي بالصمّان :
ترعى من الصمّان روضاً آرجا * ورغلاً باتت بـه لواهجا([14])
، ومازالت الصمّان موجودة في المملكة العربية السعودية ولها ينسب جماعات منهم في مناطق متفرقة من أنحاء المملكة العربية السعودية كمكة وغيرها . وينسبون لها الصُمّاني _ بضم الصاد _ ويستفاد من المصادر أنه كان يسكنها من العرب بنو تميم . ويكاد هذا الإتجاه أن يكون عقيماً في البحث لولا أن نقول أن جماعة من أهل الصمان من ناحية الجزيرة العربية قد استوطنوا هذه المنطقة فنقلوا الإسم معهم وأيضاً لا دليل عليه ولا شواهد .

الإتجاه الثالث : أن هذا الإسم يطلق على الأرض الوعرة ذات الخشونة ، قال ابن منظور : ( وصلب الصمّان مكان خشب أخشب غليظ )([15]) ، وقال أيضاً : ( والصمان والصمانة أرض صلبة ذات حجارة إلى جنب رمل )([16]) ، وهذا الإتجاه غير بعيد عن أصل اشتقاق التسمية سيما لو رأيت وعورة ناحية هذه القرية من موقعها الحالي المندثر

6- عوائل تنتمي لهذه القرية المهجورة :

يذكر الشيخ إبراهيم في حاضر البحرين مانصّه : [ ومن البلدان التي تفرق أهلها .... ومنها الصمّان ، ففي بلادنا عالي منهم وهم الحاج علي بن أحمد الصمّاني ، وقرابته . ]([17]) ، ومازالت هذه العائلة في قرية عالي تعرف بنفس التسمية واللقب إلا أنه في الأوراق الرسمية قد اختفى هذا اللقب من العائلة . ومن ناحية ثانية فإن كبار السن في هذه العائلة ينقلون أن أجدادهم ولدوا في قرية عالي مما يفيد أن الهجرة من القرية الأم كانت لسنوات بعيدة لم يدركها جيل الأجداد منهم .
ووجدت ضمن مكتبة العالم الجليل الشيخ جعفر الخال الدرازي رحمة الله عليه ، كتاباً مخطوطاً للشيخ مفلح الصيمري (قده) وهو المعروف بـ( جواهر الكلمات في العقود والإيقاعات ) نسخة مصورة عنه كان المرحوم ولده الشيخ محمد بن شيخ جعفر الخال ينوي تحقيقها وبالفعل أكمل نقلها كاملة من المخطوط وقام بضبطها إلا أنه لم يكملها وعاجله أمر الله عن إكمال مجهوده ، وكانت النسخة المخطوطة والمصورة مذيلة وعليها تاريخ ، جاء فيها بتذييل الخطاط : [ الفقير إلى الله الغني ابن علي ابن محمود بن الحاجي الصمّاني محمد المطّلق مشهوراً _ هكذا _ في انتصاف ليلة الثلثاء غرة شهر جمادى الثاني من شهور سنة خمس وستين وتسعمائة من الهجرة النبوية المصطفوية ] . والشيخ مفلح هذا كان حيّاً في العام 873 هـ وهو عام كتابة إجازة لتلميذه ناصر بن إبراهيم البويهي ، كما عن الأعيان ([18]) ، وعلى أي حال فهذا الإسم وجدته ولا علم لي هل كانت الصمّان موجودة في القرن العاشر الهجري أم لا ، لأن أي رقم سوف نضعه لا يتعدى حدود التكهنات والله تعالى العالم بحقيقة الحال .
وأخبرني جماعة من الثقات أن هناك أكثر من عائلة من قرية دار كليب تنتمي لهذه القرية المندثرة منها عائلة الحاج علي المعروفة بعائلة آل عريش هم ايضاً من قرية الصمّان وكانوا يتلقبون بهذا اللقب ولهم ذرية إلى يومنا هذا ، ولا يخفى على الباحث أن جماعة من سكنة دار كليب وشهركان والمالكية وصدد ينتمون لهذه القرية ولو بحثنا بحثاً ميدانياً لطال بنا المقام ، فلعل المهتمين والمتصدين يقومون به لضرورة ما يوماً من الأيام .

الخلاصة من هذا البحث :

أنه توجد قرية في البحرين باسم ( الصمّان ) أو أم الصمان في جنوب الجزيرة وكان بها حياة وعين ماء أيضاً ، وكانت مأهولة ثم انعدمت الحياة فيها لأسباب مجهولة وغير معروفة وهي من قرى البحرين المندثرة .

وهذا ما استطعت جمعه حول قرية الصمّان المندثرة وليعذرني الإخوة في عدم نشر الوثائق الآن لأنني أولاً في طور جمع المادة ، وثانياً سأجمعها في كتابي المعد للطبع وهو ( النسائم العطرة من قرى البحرين المندثرة ) الذي سيصدر قريباً إن شاء الله تعالى .
وكتبه بيمينه
بشار عبد الهادي عيسى العالي البحراني .
في 5 ذي الحجة 1430 هـ

8- مصادر البحث :
1- حاضر البحرين وماضيها / الشيخ المبارك طبعة تجريبية عن النسخة المخطوطة .
2- عقد اللآل في تاريخ أوال / الشيخ محمد علي التاجر.
3- قلائد النحرين / ناصر بن جوهر الخيري
4- التحفة النبهانية للشيخ محمد النبهاني
5- الذخائر أو تاريخ البحرين للشيخ محمد علي العصفور
6- التسلسل الحضاري لمملكة البحرين على ضوء نتائج التنقيبات الأثرية / د . عبد العزيز علي صويلح
7- أعيان الشيعة / السيد محسن الأمين
8- لسان العرب /لإبن منظور
9- سبل الهدى والرشاد / للصالحي الشامي
10- معجم البلدان / لياقوت الحموي
11- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/ للشريف الإدريسي
12- من تراث شعب البحرين / محمد علي الناصري
13- مختار الصحاح /الرازي
14- وثائق خاصة لدى كاتب المقالة
15- وثائق مخطوطة عند السيد صادق الغريفي
16- مقابلات خاصة واستطلاعات
([1]) التسلسل الحضاري لمملكة البحرين : 438
([2]) عقد اللآل في تاريخ أوال : 40 بالهامش ، نقلاً عن الريحاني
([3]) عقد اللآل في تاريخ أوال : 41
([4]) الممطلة منطقة مهجورة في جنوب جزيرة البحرين بينها وبين الصمان مسافة بسيطة
([5]) جلوب . ب . ف 2003 ، ص 350 ، عنه التسلسل الحضاري لمملكة البحرين : 62
([6]) إبراهيم المبارك : حاضر البحرين وماضيها : 46 طبعة تجريبية عن المخطوطة
([7]) قصيدة مخطوطة لدى مجموعة السيد صادق الغريفي ( حفظه الله )
([8]) مختار الصحاح : مادة ن_ ق _ا : 390
([9]) من تراث شعب البحرين : 159
([10]) ابن منظور / لسان العرب ج12 : 343
([11]) الشريف الإدريسي / نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ج1 : 160
([12]) ياقوت الحموي / معجم البلدان كلمة حروراء
([13]) الصالحي الشامي / سبل الهدى والرشاد ج5 : 344
([14]) ابن منظور / لسان العرب ج2 : 352
([15]) ابن منظور / لسان العرب ج1 : 354
([16]) ابن منظور / لسان العرب ج12 : 346
([17]) حاضر البحرين وماضيها : 50 طبعة تجريبية عن المخطوطة
([18]) السيد محسن الأمين /أعيان الشيعة ج5 : 70

الأحد، 15 نوفمبر 2009

البحرين كما وصفها العاملي الجزيني

البحرين كما وصفها العاملي الجزيني

كان أحد العلماء الذين جابوا بلاد الله الواسعة في طلب العلم ، هاجر من جبل عامل ، وطاف في الحواضر الشيعية المكتظة بالعلم والعلماء ، ولولا أنه عالم لما كان لتقييمه للعلم والعلماء أهمية تذكر . عاش في القرن الثاني عشر الهجري ومن حسن الحظ أنه ألقى عصاه في جزيرة أوال حيث تشرفت البحرين بأن يعفر هذا العابد جبهته الشريفة على ترابها في صلواته ، كما كان له أن ينال من ينابيع البحرين الدافقة فشرب من زلال علمائها الأتقياء ونهل من علومهم ومن حسن الحظ ثانية أنه دون جزءاً كبيراً من رحلته المباركة في كتاب ألّفه حول البحرين وأسماه ( مرآة البحرين ) وهذه وقفة مع العالم وأثره الخالد .

1- نسبه وموطنه
أما نسبه فقد ذكره الشيخ يوسف العصفور كاملاً وكان من معاصريه نقله في الكشكول عنه شخصياً فقال: [ الشيخ مكي بن محمد بن شمس الدين بن الحسن بن زين الدين بن محمد بن علي بن شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن شمس الدين بن محمد بن بهاء الدين بن علي بن ضياء الدين محمد بن شمس الدين محمد الشهيد بن شرف الدين مكي والد السعيد الشهيد هكذا نسب نفسه أطال الله عمره ]([1]) .وقد نقل السيد الأمين في الأعيان نسبه هكذا [ الشيخ شرف الدين محمد مكي أو محمد علي _ التردد منه _ ابن ضياء الدين محمد ابن شمس الدين بن الحسن بن زين الدين الشهيد العاملي الجزيني ]([2]) ، وقال عنه وهو في طبقة الشيخ يوسف صاحب الحدائق ، مما يفيد أن الشخصية واحدة ولكن وقع اختلاف في تعدد سلسلة نسبه واتصاله بالشهيد والله العالم بحقيقة الحال.
أما موطنه فقد عرف عن هذه الأسرة أنها من جزين وهكذا ينسب نفسه هو كما في مخطوطة كتابه ( مرآة البحرين ) العاملي الجزيني ، فأما كلمة العاملي نسبة لجبل عامل وهو المعروف الآن بالبنان وهي من الحواضر الشيعية العريقة خرج منها فطاحل العلماء الذين رفدوا التشيّع وأمدوه بدمائهم وعلومهم كالشهيدين الأول والثاني ، والشيخ البهائي ووالده الذي دفن في البحرين ( أوال ) في مقبرة (أبي عنبرة ) ، والحر العاملي صاحب الوسائل ، والسيد شرف الدين صاحب المراجعات ومازالوا يرفدون التشيع بمدهم الخلاق وجهادهم يتقدمهم في زماننا السيد حسن نصر الله نصره الله وأيده . أما لقب ( الجزيني ) فهي قرية من جبل عامل وهي تقع الآن في جنوب لبنان ، وهي مسقط رأس الشهيد الأول المولود في 734هـ والمستشهد في العام 786هـ وهو جد الشيخ صاحب الترجمة .
ترجمته في الأعيان :
وذكره الأمين في الأعيان ج 14 : 378 وقال عنه : [ عالم فاضل محدث لغوي شاعر من مشايخ الإجازة طرقه كثيرة نقية جيدة يظهر من بعض إجازته أنه تجول في البلاد وتحمل من علماء البحرين والعراق واليمن وإيران والقدس والخليل ومكة المشرفة ، له مصنفات منها سفينة نوح ذات الأعاجيب ، جمع فيها من كل شئ أحسنه ، والروضة العلية ، والدرة المضية في الدعوات ، كان حياً سنة 1178هـ ]

2- الزمن الذي وصل فيه البحرين :

ومن خلال الأرقام التي ذكرها في المخطوطة لا نستطيع بالضبط حصر السنوات التي قضاها في البحرين على وجه الدقة إلا أنها تقريباً بين الأعوام 1160 إلى 1162 والله تعالى العالم ، وهذا يعني أن هذه الفترة التي قضاها كانت في فترة العصر الذهبي للعلم في جزيرة أوال والذي بدأ ماقبل الشيخ سليمان الماحوزي وامتد لما بعد وفاته حيث كان تلامذته وناهلو مدرسته المباركة يخوضون معترك العلم في شتى أصنافه كاللغة والأدب والفقه والكلام وغيره من المعارف الإسلامية المنتشرة في ذلك العصر . ويظهر أن لقاؤه مع الشيخ يوسف الذي سنتعرض له كان سابقاً على مجيئه للبحرين ولما كان بها كان الشيخ يوسف غائباً والله العالم .


3- حضوره عند علماء البحرين :
وقد نال هذا العالم قسطاً من فيوضات أعلام هذه الأرض ووصفهم بما هم أهله من الوصف وذكر من هؤلاء :
1- آية الله الشيخ حسين الماحوزي :
وقد حضر بحث الشيخ حسين الماحوزي وهو أستاذ صاحب الحدائق مدة عامين من الزمان ووصف الشيخ الماحوزي بقوله :
[ وأقل من اجتمعت به من لـه الفضل الفاضل، الذي لـه على أهل عصره الفضل، البحر الزاخر، حاوي الفضائل والمفاخر، شيخنا المحقق وأستاذنا المدقق، المبرّء من كلّ عيب وشين، بن محمّد جعفر الشيخ حسين الماحوزي. وهذا الشيخ لا أقدر على حصر فضله وفواضله، ولا يبلغ كنه غزارة علمه ودقة فهمه، قد مَنَّ الله تعالى به على أهل زمانه، فراج به الدين والعلم، وانتفع بجاهه المساكين، وقرَّت به عيون العلماء والمستفيدين. ولقد أقمت عنده سنتين فكان بمجالسته بلوغ المُنى وقرَّة العين، وقرأتُ عنده التهذيب والإستبصار، وسمعتُ عنده بقراءة غيري لديه من الأبرار الشرائع والكافي والغنية وتفسير الصافي. وهذا الشيخ ثقة ، ثقة ، ثقة محتاط في أقواله، متأملاً في أفعاله، ولقد أجازني إجازة عامة في كلّما يجوز روايته مما للرواية فيه مدخل، وذَكَرَنِي فيها بكلمات شريفة لطيفة جميلة جليلة ] ([3]).
2- آية الله الشيخ ياسين البلادي :
وحضر كذلك بحث الشيخ ياسين البلادي في قرية البلاد فقال فيه : [وفي أيام إقامتي بهذه البلدة قد ترددت إلى شيخ المشايخ، وهو فيها العمدة، أعني الشيخ الجليل الشيخ ياسين بن الشيخ صلاح الدين، وكنتُ كلما ترددت إلى ذاته الشريفة فاحت عليَّ روائح كلماته اللطيفة، وأتحفني بمصنفاته النفيسة التي تغني الناظر اللبيب عن منادمة الحبيب ] ويذكر أنه قد استجاز منه أيضاً فقال : [ولقد أجازني في أيام ترددي إليه فيما يصح روايته عن الائمة المعصومين وجميع مصنفاته وسائر منثوره ومنظومه، ولقد كتبت منها شطراً في هذا الكتاب في فصل يُذكر فيه كلّ مستطرف عن أولي الالباب ] .
4- وصفه للشيخ يوسف ولقاؤه معه :
وقد ذكر الشيخ يوسف صاحب الحدائق في كتابه وذكر لقاءه معه خارج البحرين فقال : [ ومنهم : العالم العلامة شيخنا الشيخ يوسف ، فهو وحيد دهره وفريد عصره عديم النظر في كلّ علم لـه القدح المعلّى والرقيب، قد أحاط بما لم يحط به غيره من غرائب العلوم والكتب، قد احتوت خزانة كتبه على قرب من عشرة آلاف كتاب، ونقل لي بعض الطلبة قال ربما كان عنده في شيراز قرب عشرين ألف كتاب وقد أصيب بهذه الكتب مع ما أصاب أهل شيراز من النوازل والمصائب التي يطول ذكرها، وقد سكن شيراز مدة من الزمان فراج به الدين وانتفعت به عامة المسلمين، ليله في العبادة ونهاره في التدريس والتأليف والإفادة، ولقد اجتمعت به في النجف سنة 1154 تقريباً وقد أمرني بالتماس لطيف شريف بان أقابل معه الكفاية فقابل نسخته على نسخة مصححة، وقد كتب جزء كراس بخط يده تصحيحاً لبعض الكلمات التي صدرت عن مصنف الكفاية، فقلت لـه كيف هذه الكلمات أفردتها فقال لعلننا نتأملها ونصححها بالعربية الفصيحة الصحيحة، ولقد أطلعت لـه على أشعار وقصائد كثيرة ومسائل وأجوبه لا تحصى، وعندي من أجوبة مسائله قرب ثمانين مسألة تقريباً ، ولما سافر أخوه الشيخ الفاضل الشيخ عبد علي إلى الهند قد كتب إليه مكاتيب شريفة وأشعاراً لطيفة وكتب لـه أخوه كذلك، وقد جمعت من مكاتبيهما وأشعارهما قرب جزء ذكرته في الفصل المشار إليه سابقاً، ولما سافرتُ إلى بلاد العجم لزيارة الرضا عليه السلام أقمتُ قرب ستة عشر سنة، ثمّ أني رجعت إلى النجف الأشرف فرأيت الشيخ المذكور أيده الله وزيد في عمره مجاوراً في كربلاء وترك الدنيا وشيراز وبلاد فارس وأقام في كربلاء للعبادة والإفادة والتدريس والتأليف وله مؤلفات جليلة وتحقيقات شريفة جميلة، منها: حاشية على المدارك لم ينسج على منوالها فله فيها التحقيق والتدقيق التام الذي لم يسبقه إليه سابق، وله رسائل مفيدة عديدة لا يحضرني أسماؤها، وله كشكول عظيم يفوق على كشكول الشيخ بهاء الدين، ولو شرحت جميع فضائله ومناقبه ومحاسنه وزهده وورعه وحسن أخلاقه لجف المداد والله رؤوف بالعباد .
5- وتجد وصفه لعلماء أوال :
يقول في بدايات كتابه عن أعلام البحرين ممن عاصرهم أو سمع بذكرهم : [ ثمّ إني في خلال إقامتي في جزيرة أوال قد تتبعت علمائها من أولي الفضل والأفضال، مما كان في زماني مما رأيتهم أو في غابر الأزمان، فكانوا بحمد الله جمّاً غفيراً ] وفي خاتمة كتابه يذكر مكانة علماء البحرين بحسب تقديره فيقول : [ واعلم ان علماء كثيرة قد خرجت من قرى البحرين فمنهم من لم أطلع على حالهم وأسمائهم ولا على شيء من آثارهم قدّس الله أرواحهم أجمعين. وبالجملة ان جزيرة أوال معدن الجود والإيمان والأفضال لم أر قط أحسن من معرفتهم في العلوم الدينية، وهم أحسن قوم في الفرقة الامامية، ولهم إخلاص زائد، واعتقاد في أهل جبل عامل كثيراً كثيراً، ورفعوا لي عندهم مقاماً خطيراً فجزاهم الله خير الجزاء انه أجود الأجودين ] .

6- ووصف بعض القرى أيضاً :
قال في وصف قرية البلاد : [ ثمّ ارتحلنا وعلى الله توكلنا إلى البلد القديم، وذلك بتقدير العزيز القدير العليم، أعني المشهورة بالبلاد، التي هي معدن العلم ومسكن الامجاد، فسرنا في تلك الأرض قليلاً، وكان مع العلماء سيراً جميلاً، فلما دخلتها فإذا هي بلدة عظيمة، طِيبها يحي النفوس، ومياهها جارية تذهب عن القلب الصدا والبوس، فعيونها تجري بين قصورها الشاهقة، وفيها أهلها الشموس والبدور الفائقة، وهي بلدة بالعلم مغمورة، ومساجدها بذكر الله معمورة، تسر الناظر وتشرح الخاطر ] .
7- مصير هذا الكتاب :
وأما هذا الكتاب الذي استعرضناه معكم فقد وجده الأخ الفاضل الشيخ إسماعيل الكلداري البحراني حفظه الله في إحدى زوايا مكتبات قم العامرة بالمخطوطات وهو كتاب يحتوي على تراجم كثيرة لعلماء البحرين والأحساء والقطيف والغالبية للبحرين ، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ البحرين ، وللأسف الشديد فإن النسخة ناقصة من بدايتها وأتمنى من الإخوة المهتمين بالمخطوطات في لبنان أن يزودونا بالنسخة الثانية إن وجدت حتى يتم طبع الكتاب كاملاً ، وقد قام الأخ الشيخ إسماعيل ضمن إهتمامه بتاريخ البحرين ومخطوطاتها بتحقيق الكتاب تحقيقاً جميلاً إطلعت على جزء كبير منه وقد أعطاني منه نسخة ونقلت منها أسأل الله أن يوفقه لإتمامه وإكماله .

مصادر المقالة :
1- الكشكول / الشيخ يوسف
2- مخطوطة ( مرآة البحرين ) / الجزيني ، تحت التحقيق
3- أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 14 دار التعارف
4- الفقه في جنوب لبنان / محمد الحسيني ، دار المحجة البيضاء
5- جبل عامل في التاريخ / محمد تقي الفقيه
6- لقاء مع الشيخ إسماعيل الكليداري حفظه الله
7- أنوار البدرين
8- منتظم الدرين
9- لؤلؤة البحرين
10 تكملة أمل الآمل / للسيد حسن الصدر
11- روضات الجنات


والحمد لله أولاً وآخراً
وكتب بيمينه الداثرة
بشار عبد الهادي العالي البحراني
في 25 ذي القعدة 1430هـ



([1]) كشكول الشيخ يوسف ج2 : 149
([2]) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 14 : 378
(1) – راجع ترجمته في المصادر التالية : لؤلؤة البحرين:6، أعيان الشيعة143:6،تكملة أمل الآمل 229، روضات الجنات204:8و14:4، خاتمة المستدرك 388:3، منتظم الدرّين:خـ ، أنوار البدرين:176 .

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

بربغي وصراع البقاء والزوال

بربغي وصراع البقاء والزوال

1- عالي في وصفها العام

تعتبر قرية عالي من أقدم القرى البحرانية ، وهي تاريخ يعتز به أهل هذه القرية خاصة وأهل البحرين عامة ، تاريخ يمتد إلى ماقبل ( ديلمون ) بآثار المدافن التي عرفت بمقابر عالي وذلك لكون قرية عالي احتضنت المدافن الملكية والتي لازالت قابعة بين المنازل في حي ( السادة ) وفي البر وجوار جامع عالي الكبير ، كما اشتهرت بصناعة الفخار وهي صناعة بحرينية عريقة مازالت تمارس ولها عوائل اشتهرت بهذه الصناعة ، وكذلك صناعة النورة وهي إحدى مواد البناء المعروفة في البحرين ولذلك تجد بعض الوثائق التاريخية القديمة تحمل أسماء وألقاب مثل لقب ( الدوغجي ) وهي نسبة بحرانية قديمة تنسب لكل من يعمل في ( الدوغة ) والدوغة هي المصنع أو الفرن الذي يتم فيه حرق النورة كمرحلة من مراحل تصنيعها ، ولكن هذه التسمية الآن قد اختفت .
وقد تميزت قرية عالي بتسميات لنواحيها فالقرية الأم تعرف بعالي ( مَعَن ) بفتح الميم والعين وسكون النون والنسبة لها المعني وهي التي تعرف بـ(الديرة ) ومن جهة الشرق تعرف بـ(روضة عبد الكاظم ) ولم أتحقق لحد الآن من صاحب هذه التسمية ولكن ينقل كبار السن أن من هذه المنطقة كانوا يأخذون الطين الذي تصنع منه الآواني الفخارية ، وفي شمال شرق القرية تعرف بـ( أبو لومي ) وهي تسمية تطلق على بستان كان بها وهي الآن في المنطقة التي بناها الوجيه الحاج حسن العالي رحمه الله . أما من جهة الجنوب الشرقي فبعد روضة عبد الكاظم نقل لي أكثر من شخص أنه كانت توجد آثار وقد أدركت جزءاً منها بداية انتقالنا إلى أسكان عالي ومحلها اليوم أسكان عالي بمناطقه الكبيرة الممتدة لمنطقة (جري الشيخ ) من جهة الجنوب حيث اتصلت ببدايات الرفاع أو مايعرف بمنطقة السيل ، وماتيقى من الآثار السالفة الذكر هو الحوض المائي الكبير الذي يعتبر من آثار عالي الشهيرة وهو خزان للماء يجمع سيول الأمطار وتخزن فيه ليستفيد منها الناس بعد ذلك .
وأما جهة الجنوب من عالي( معن ) فهي التلال الأثرية المترامية التي تصل لأطراف بوري الجديدة والجزء المتاخم لقرية عالي يعرف بـ( البر ) ويقال أن أول عائلة سكنت هذه المنطقة هي عائلة البر المعروفة في عالي ومنه أخذت التسمية وهي ليست بقديمة بل تعود لزمن الشيخ إبراهيم المبارك ، بعدها عرفت المنطقة بحي السادة من جهة الجنوب الشرقي حيث سكنته عائل الغريفي وفيه منزل سماحة العلامة السيد أحمد الغريفي (قدس سره ) حيث قطنت هذه العائلة قرية عالي منذ مئات السنين .
وتقع في غرب عالي قرية صغيرة تسمى ( عالي حويص ) يدعي أهل بوري أنها تابعة لبوري والتسمية التاريخية تكذب هذا الإدعاء فاسمها عالي حويص كما نقله أكثر من مصدر ولا حاجة للتدليل على هذا الأمر .

2- وصف لموقع ( بربغي ) ومعالمها :

تقع بربغي _ وهي جزء من عالي _ في غرب عالي وتمتد من غرب عالي إلى جهة الشمال بينها وبين قرية سلماباد بل وحتى غرب سلماباد وهي تتصل بعالي حويص من جهة الغرب . وأهم معالمها :
1- عين كبيرة تسمى عين الخضرا في الطرف الشمالي [ راجع أطلس البحرين ]
2- عين بربغي وهي بالقرب من مسجد أمير محمد بربغي
3- مجموعة من البساتين المترامية الأطراف تجري من تحتها الأنهار كانت عامرة بالنخيل .
4- مجموعة عيون دافقة
5- مسجد بني في الثمانينات يعرف بأمير محمد بربغي وهو غير مسجد ( امير محمد ) الموجود في غرب عالي
ويظهر من بعض الوثائق أنها تمتد كمسمى حتى الأطراف المتاخمة لسار بل وجبلة حبشي وبو قوة حيث يعرفون البر المتاخمة لقراهم ببر بربغي أو بربغو

أما الآن فهي خراب لا زرع ولا ماء سوى البراري التي يمر عليها من الجنوب شارع زايد . وبني في جهتها الشمالية جامعة ama ومحطة سلماباد ، فالأحرى ان تسمى جامعة بربغي

3- بحث حول التسمية :
في بحث أعددته عن قرى ومناطق البحرين سيطبع في القريب إن شاء الله كانت نتيجته أن أسماء مناطق البحرين تعود لثلاثة أصول ( أسماء عربية بحتة ) و ( أسماء فارسية بحتة ) و ( أسماء لاتينية ) .
أما الأسماء الفارسية فتعود لحقب قديمة تعود للقرون الأولى من ولادة السيد المسيح حيث كانت البحرين مستعمرة فارسية للإمبراطورية الفارسية الكبيرة التي يخضع جزء كبير من المنطقة لنفوذه وسيطرته وعلى هذا الأساس فالبحث اللغوي عن المسميات لا بد أن يخضع لمظلة اللغة الفارسية وتفكيك الكلمات يعود لهذه الأصول .
كلمة ( بر بغي ) وهي مركبة من كلمتين ( بر ) و ( بغي ) فكلمة بر عربية وهي ضد البحر ، ولو تجاوزنا أن كلمة بر غير عربية فيمكن أن تكون في الأصل ( بار ) وهي تأتي بمعان كثيرة في اللغة الفارسية : مثل المملوء والمشحون والزاخر ، وبمعنى ثمر ، وفاكهة وبمعنى الجنين في بطن أمه ، وبمعنى رفعة وعظمة ، وغيرها من المعاني إلا أن المعنى العربي والحمل عليه أقرب لكونه يتمشى مع النطق أكثر من كلمة ( بار ) .

وأما كلمة ( بغي ) فهي في الأصل ( باغ ) فلا وجه لها في الفارسية حين نقول ( بغي ) خصوصاً وأنها تكسر الغين فيها فيقوى الإحتمال أن أصلها باغ ثم استخدمت في باغي ثم تحولت إلى بغي على مايقع في سليقة لغة العرب ، وأما كلمة باغ فلها معان وهي : البستان ، والروضة والحديقة ، وأيضاً : وجه المحبوب . فيمكن أن يتركب المعنى هكذا ( حديقة أو بستان البر ) ووجه الإختيار لهذا المعنى هو كون الحقيقة التي كانت عليها هذه المنطقة هي عيون وبساتين .

وبطبيعة الحال لا يعني هذا أن أهل هذه المنطقة هم من الفرس ولكن كان عمال الإمبراطورية الفارسية لهم مطلق العنان والتصرف في هذه الأرض ولذلك فأكثر تسميات مناطق البحرين فارسية وهي عربية وأهلها عرب ولكن هكذا يفعل الإستعمار . فبحسب مانقله المؤرخ التاجر في حديثه عن معن يستقرب أنهم ينتسبون إلى معن بن زائدة والله تعالى العالم .

4- بربغي في الأدب العربي :

وجدت في ديوان أبي البحر الخطي تناوله لهذه المنطقة المندثرة الآن في شعره ، يقول راوية ديوانه وصديقه وكاتب ديوانه الغنوي حسن بن محمد بن ناصر بن علي بن غنية وكان من سكنة قرية سار ، مانصّه : [ وقال يصف بعض الجواد _ الجواد بتشديد الدال جمع جادة : الطرق _ بين بربغي وسلماباد للسنة الثانية عشرة بعد الألف ] .
وطرقٌ سلكناها فما زال ضيقُها *** يجور بنا حتى ضللنا بها القصدا
فلو أن ذا القرنين أدرك بعضها *** لصيّره من دون يأجوجه سدّا

والشاعر عاش في القرن العاشر الهجري وأدرك الحادي عشر حيث كانت وفاته في العام 1028 أي حوالي 1619م ، وقد ذكر هذه الأبيات السيد محسن الأمين في الأعيان عند كلامه عن الشاعر أبي البحر الخطي .

كان هذا الشاعر يتجول حتى ضاقت به الطرقات في هذه المزارع العامرة بالنخيل والتي أدركنا منها بقايا آثار النخيل وترى في الأرض آثار مجاري المياه القديمة التي تعود لما يقارب الأربعمائة عام تقريباً من الآن ولا شك فإن المنطقة هي أقدم من زمن مرور أبي البحر الخطي عليها . فكان يقطع الطريق إذ مر على بربغي ومن شدة زحام النخيل والزرع ضل في طريقه وكان هذا الداعي لأن يقول هذين البيتين .
وأعجب من محقق ديوان أبي البحر انه لم يسأل أهل هذه المنطقة عن بربغي حيث كان يخمن أنها منطقة تقع بالقرب من سلماباد بل هي منطقة مندثرة قديمة .

5- المصادر التي وثقت هذه المنطقة :

1- عشرات الوثائق التاريخية لبيع عقارات ترجع للقرن العاشر والحادي عشر الهجري ومابعد ذلك ، محفوظة عندي لعدة مالكين من عالي وخارجها .
2- ديوان أبي البحر الخطي ج2 : 11 وهما البيتان السابقان .
3- ذكرها الناصري في موسوعته المخطوطة عن قرى ومناطق البحرين القديمة والمندثرة وهي موسوعة مخطوطة لحد الآن لم تطبع .
4- وذكرها الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه ( ماضي البحرين وحاضرها ) فقال عنها : بربغي وموقعها بين سار وعالي وهي الآن خراب ليس فيها إلا النخل .
5- وقد وثقت لهذه المنطقة شخصياً في كتاب ( النسائم العطرة ) وهو كتاب عن قرى البحرين ومناطقها . سيطبع قريباً إن شاء الله تعالى .

6- وهل كانت مأهولة بالسكان ؟

من خلال البحث والتقصي لم أستطع أن أثبت أن منطقة بربغي التي هي جزء من عالي كانت مأهولة بالسكان بل كانت مجموعة مزارع ولا يستبعد كونها مأهولة أيضاً ولكن لا دليل ، سوى ما ذكره الشيخ إبراهيم وقال وهي الآن خراب مما يدلل على كونها مأهولة سابقاً . ولم ينقل أحد انه رأى بها بيوتاً أو آثارا تدل على السكنى والله تعالى العالم بحقيقة الحال . وينقل البعض ممن سمعت منهم أن بعض العوائل كانت تقطن بربغي وهي الآن في عالي ، نعم كان أهالي عالي يضعنون في هذه المنطقة سيما من لهم مزارع في منطقة بربغي فيقطنونها في فصل الصيف كعادة أهالي قرى البحرين ، وفيها مضعن معروف عند أهالي عالي بالقرب منها، أما كونها تسمى قرية فهو بعيد وغير معروف عند أهالي عالي نعم هي منطقة وليست قرية وهي من توابع عالي .

7- ماهو سبب اندثارها ؟

لقد كانت هذه المنطقة والمناطق التي في جوارها تزخر بموارد المياه من العيون الطبيعية التي تملأ هذه المنطقة ومن أبرزها كانت (1) عين حويص الشهيرة وهي موجودة إلى يومنا (2) عين رستان وهي إحدى عيون عالي الشهيرة وقد اندثرت وهي بالقرب من مسجد عين رستان الحالي الواقع على شارع زايد (3) عين الخضرا وهي في نواحي غرب سلماباد وغيرها من العيون التي منها (4) عين في بربغي نفسها تعرف بعين بربغي ذكرها بعض كبار السن لم أستطع ان أوثقها بغير النقل . وبما ان المنطقة زراعية ففقدان العيون وجفافها أدى لموت الزراعة وهذا سبب من الأسباب .

ومن ضمن الأسباب أيضاً هو تقاسم هذه الأراضي بعدة ورثة وهو ما أدى لبيع بعضها وإهماله وموت الورثة وضياع أوراق ووثائق كل هذه الأمور أدت لإندثار بربغي ولعل هناك أسباب أخرى .

8- من هو أمير محمد بربغي ؟

هناك قراءتان لإسم هذا المسجد وصاحب هذا القبر ( أمير محمد) و ( مير محمد ) وهو شخصية مجهولة لم يستطع مصدر أن يوثقها كما بينت بعض المصادر أنه أحد أمراء العيونيين وهو بعيد ولا دليل عليه ، وإذا كان كذلك فهو أمير ورئيس وليس من عباد الله الصالحين أو العلماء الأعلام ، أما المسجد فهو ليس بالقديم بل الموجود في عالي أقدم منه وأكثر شهرة بل الأقرب أن هذا القبر لا أساس له من الصحة وهناك أدلة ليس هنا محل الحديث عنها ويظهر أنه بني في الثمانينات قام على تشييده احد الأشخاص من قرية بوري لا أدري بحقيقة تتبعه للشخصية والقبر وليس من المتثبتين في ذلك والله العالم بحقيقة الحال ولكن المتعارف عليه عند كل من سبر أغوار كتب التاريخ أن صاحب هذا القبر مجهول الهوية على فرض وجوده . فأما لقب بربغي فقد الصق إليه لكونه وقع في منطقة تعرف بهذا الإسم كما حصل في مسجد الشيخ محمد سبسب فقد غلب إسم المنطقة على إسم صاحب القبر ولعله من المنطقة نفسها وماعهدنا أن لهذه المنطقة أمراء . وذهب البعض لكون صاحب هذا القبر هو والد الشيخ الدمستاني وهو بعيد جداً فوالد الدمستاني مدفون في عالي حويص وقبره بقرب العين بحسب نقل الشيخ عبد الله العرب في حاشية أنوار البدرين . ونقل الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه حاضر البحرين وماضيها مانصه [ أمير محمد في طرف عالي من الغرب ، وعليه قبة بنيت في قريب العهد ، ولم نعرف عنه شيئاً ولعل إمارته تلك قيادة جيش كأمير زيد ] ويظهر من عبارته هذه أنه يقصد مسجد أمير محمد الموجود في عالي ولو كان مسجد وقبر أمير محمد بربغي موجودا في زمن شيخ إبراهيم لذكره خصوصاً وأن الشيخ توفي في العام 1979م _ 1399هـ ومعلوم أن مسجد أمير محمد الموجود في عالي بني في السبعينات وربما بني قبل ذلك أيضاً فما سر أن الشيخ إبراهيم المبارك لم يذكره في كتابه ضمن مزارات البحرين . وأما أمير محمد بربغي فقد بني في الثمانينات ولكن بني على أي مستند أو دليل الله العالم . وسألت الحاج سلمان نفسه الذي حاول أن يميز بين ( أمير محمد ) وهو الموجود في بربغي و ( مير محمد ) وهو الموجود في عالي ،فلم أجد جواباً يطمأن له حول التثبت من صحة وجود قبر هنا وكيف كانت معالمه وكيف عرف أن صاحب هذا القبر يحمل هذه التسمية ولماذا خفيت على الشيخ إبراهيم رغم أنه عاش حياته في هذه المنطقة واطلع على خفاياها ، كل هذه القرائن تجعلنا نؤكد أنه لا صحة لهذا القبر ونسبته ولا يفهمني البعض أنني أدعو لإزالته وحجب الناس عن زيارته بل هو مسجد وله أحكام المسجدية وحرمة المسجد إنما الكلام عن القبر وصاحبه فقط ، أما مسألة الكرامات التي يقولها البعض فليست بدليل ولا أمنع الناس من عقيدتهم في هذا المسجد والمزار بل أتكلم بصفة التحقيق لا غير وعلى الناس الحكم بعد كل هذه الأدلة والقرائن .


9- وقفة على نواحي بربغي

ومما سنح بالخاطر من الأبيات الشعرية على أنقاض هذه المنطقة القديم والمندثرة من تاريخ البحرين هذه الأبيات القليلة وهي في إحدى وقفاتي على أطراف بربغي فقلت :

وقفت ببربغي فرأيت أمساً ***يموت النخل منه على التوالي
وفي الأطلال أشباح تراءت *** كأن حقيقةً تبعت خيالي
فأين الماء قد ضمئت حياةٌ *** إليه فهل يفيق من الزوال
وهل عدمٌ جذوع النخل كانت *** وقد ملأت بذكراها أوالي
فسائل أينها جنات أرضي *** تجب عن أنة التاريخ عالي

وكتب بشار عبد الهادي العالي البحراني
في 21 ذي القعدة 1430 هـ

مصادر البحث :
1- مقابلات شخصية مع كبار السن وبعض مؤسسي المساجد
2- ديوان أبي البحر : تحقيق عدنان العوامي ، مؤسسة الإنتشار العربي .
3- الأطلس العربي المصور جيوبر وجكتس دولة البحرين .
4- عقد اللآل في تاريخ أوال
5- ماضي البحرين وحاضرها
6- مجموعة وثائق مصورة عند الباحث
7- المعجم الذهبي ، فارسي / عربي الدكتور محمد التونجي .
8- أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين للنويدري

الأحد، 8 نوفمبر 2009

القصيدة الدرازية

هذه القصيدة تتضمن ذكرياتٍ لي في الدراز عشتها في فترة التسعينات ومابعدها مع الأصدقاء والإخوة الأعزاء من أهالي الدراز الحبيبة وهذه هي :
مررتُ على أرض الدراز فخلتُها *** تنوءُ بتاريخ تكبّدهُ الدهرُ
جسامٌ به الأحداثُ مازال وقعُها*** يدوي بآذانٍ ويطفو به البحرُ
وكم من شهيدٍ لم يزل وقعُ يومه***ينادي على الدنيا بأنّي أنا الحرُ
وإن أنسَ لا أنسى بها رفقةَ الصبا ** وكانت ليالٍ كاد يهتكها الفجرُ
هي الدار أكرم بالأولى في ربوعها*** وما البحرُ إلا في مكامنه الدرُ
وعنا أبو صبحٍ تحدث سامراً*** وثالثنا في تلكم الليلةِ البدرُ
وكم طاب من عذب القصيد ولذّ لي * صباباتُ وجدٍ هام في مثلها الشعرُ
وكم جئتها يوماً فحيّت ووجهُها *** حياءُ مليحاتٍ يجللها الخدرُ
لنا في ذرا (افّيليد) أنسٌ وبهجةٌ ***ونشوةُ قلبٍ لا يعادلها الخمرُ
وفي (الرستة) التذكارُ لا زال باقياً *** إذا طفتُ بالدوّار يحدو بي السرُ
وإن جزت يوماً ساحة ( الميبر) انثنت* بي الذكريات البيض والأدمع الحمرُ
وإن جزت يوماً بالـ( ميافرِ) أعولت ***محاجر همي والدموع بها نهرُ
تضج بي الذكرى فتجري مدامعي*** وعن مثلها والله لا يُحمد الصبرُ
كأني بأطلال الزمان تراكمت***فما موضعٌ إلا ولي عنده قبرُ
فيا ساكنيها طوّح الركب عندكم*** يضيق به بحر ويجفو به قفرُ
وحين يراكم فسحةً من سروره *** يزول به همٌ وينشرحُ الفكرُ
وكم لي على دار السرور مسرةٌ *** تؤم جواداً لاح في وجهه البشرُ
ولي وقفةٌ في ( عين صقروه)أوقفت** عقارب أيامي فحركها السحرُ
وكم جمعة ٍ كانت لنا تجمع الهنا *** وشيخٍ خطيب في الدراز له الأمرُ
تلوح على عينيه غضبةُ حيدرٍ***وفي كفه من قبضة المرتضى جمرُ
عرفناه بالمعروف مازال آمراً *** وعن منكرٍ قد لاح في وجهه النكرُ
تردى رداءاً أبيضاً في صلاته ***وذا قلبه المملوء في حبه الطهرُ
قضينا بأكناف الدراز وكلها*** كما البحر كم مدٌ يعود وكم جزرُ
ومازالت الألطاف تغشى ربوعها*** ومازال غيمُ الحب منه بها قطرُ

تمت في 20 ذي القعدة 1430هـ



السبت، 7 نوفمبر 2009

قصيدة النفس الأخير

هذه القصيدة أسميتها ( النفس الأخير ) أنشأتها يوم وفاة أستاذي المقدس الشيخ احمد بن حاج محمد علي مال الله قدس الله تربته ، وألقيت في تشييعه وكانت وفاته رحمة الله عليه في يوم السبت غرة ربيع الثاني 1427هـ وكان فاضلاً عارفاً مؤمناً تقياً معروفاً بين الناس وهذه هي القصيدة :
في أمانِ الله يا نبضَ الحسيــنْ *** يا قريباً من أمير المؤمنيــــنْ
ما بها البحرينُ تبكي باْفتجــاعْ *** وعلى ماذا يكونُ الإجتمــــاعْ
والمنادي صاحَ بالحزنِ الــوداعْ *** أيها الشيخُ الذي يبكي الحسيــنْ
قبلَ حينِ الفجرِ أزمَعْتَ الرحيــلْ *** ذا مصلاّك افتجاعٌ أمْ عويــــلْ
يا أذانَ الصبحِ والخطبِ الجليــلْ *** أصبحتْ تبكي بحزنٍ كلُ عيـــنْ
يا صباحَ السبتِ ماذا قد جـــرى *** والنواعي صوتُها قــد كبّـــرا
قيلَ مالُ اللهِ قدْ جــدّ السُــرى *** راحلاً للهِ في صــدقِِ اليقيـــنْ
كيف صبري يا أبا عبدالأميـــرْ *** غبْتَ عنّا وإلى الله المصيــــرْ
غابَ وجهٌ مشرقٌ فينا منيــــرْ *** طالما أحيـى ولاءَ الطاهريـــن
عشْـــتَ واللهِ مُحبّاً للبتـــولْ *** تُنشدُ الحزن عليهــا وتقـــولْ
وهي لا تنساكَ في اليومِ المهـولْ *** حبّها دينُك ديـــنٌ أيُ ديـــنْ
أناْ لا أنساكَ تبكــي فاطمـــةْ *** عاشقاً والروحُ تبكــي هائمــةْ
والأكفُّ اليوم تنعــى لاطمــةْ *** حرقة القلبِ وقد زادَ الحنيـــن
أنت تُبكيها صبــاحاً ومســاءْ *** حينما تنعى إمامَ الشهـــــداءْ
وهي ترعاكَ وقد حانَ الوفـــاءْ *** فهنيئاً لك قــربُ الطاهريـــنْ
كم ترنَّمت على مدحِ الهــــداةْ *** وهي نِعمَ الباقياتِ الصالحـــاتْ
لك يا شيخي مع الآلِ الحيـــاةْ *** بالنبي المصطفى الطهرِ الأميـنْ
كيف للناعي من الخطبِ نعــى *** لك مجداً في المعالي أروعــا
برَّد اللهُ إليكَ المضجعــــــا *** بعليٍّ وبنيـــهِ الأكرميـــنْ
غيّب الموتُ زعيمَ المنبـــــرِ *** كان يسقينا الولاءَ الحيـــدري
فاغتدى يُسقى بماءِ الكوثـــرِ *** من عليٍّ بارد العذب المَعيـــنْ
ما حملناكَ على الأكتـــافِ لا *** بل حملنا صرحَ فخــــرٍ وولا
أنصفوني فيه يا هذا المــــلا *** فقدُهُ أوهى القوى يا مؤمنيــنْ
أيُّ نعشٍ سارَ ما بين الصفـوفْ *** أيُّ نعشٍ خلفَهُ تمشي الألــوف
لهف قلبي للذي بين السيوف *** قطعوه فالننادي واحسين
نحن شيعنا محباً خادماً *** لحسين قد اشاد المأتما
لهف قلبي للذي بعد الظمـــى *** ذاق حدَّ الموتِ في البوغى طعينْ
شيَّعتهُ زينبٌ في خدرهـــــا *** وهي تنعاهُ أسىً من صبرهـــا
واليتامى تشتكي في إثرِهــــا *** في مصابٍ هزَّ ركنَ المشرقيــنْ
إنْ أتينا اليوم نبــــكي أحمداً *** فله الزهراءُ في الحشرا غـــدا
والحسينُ السبطُ نبراسُ الهــدى *** لم يضعْ من كان في حب الحسينْ

السبت، 29 أغسطس 2009

آية الله الشيخ علي بن جعفر القدمي حياته وتاريخه

آية الله الشيخ علي بن الشيخ جعفر القدمي البحراني

( المتوفي 1131هـ ـ 1718م )

في هذه السطور نقف وفاءاً لأحد كبار رجالات العلم الذين حملوا لواء الفقه وقيادة الأمور في هذه البلاد وعانى الكثير كما هو دأب العلماء القياديين وهو أحد القادة في القرن الثاني عشر الهجري وهذه بعض التفاصيل في حياته قدس سره وفاءاً لتضحياته .

التعريف به :
هو آية الله الشيخ علي بن الشيخ جعفر بن آية الله العلامة الشيخ علي بن سليمان بن حسن بن سليمان بن درويش بن حاتم القدمي البحراني أباً عن جد ، أحد أعلام البحرين ( أوال ) والبارزين فيها من أهل الكمال . فقيه وإمام في الجمعة والجماعة ، وقاض ومن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .

مولده وقريته ومنشأه :
عاش ونشأ في قرية القدم جنوب غربي جدحفص وأساس تسميتها بالقدم لما يتناقل بأن بها اثر قدم الإمام المهدي عليه السلام وهذا الأثر موجود إلى يومنا في مسجد بُنيَ عليه . ولم يذكر العلماء المترجمون له سنة ولادته .

نشأته العلمية وأسرته :

نشأ الشيخ علي في أسرة متدينة وترعرع في أوساط علماء قل أن يجود بهم الزمان وكانت لهم مكانة مرموقة في البلاد .

- فجده هو آية الله العلامة الشيخ زين الدين علي بن سليمان بن حسن بن سليمان القدمي قال عنه في اللؤلؤة : وهو أول من نشر علم الحديث في بلاد البحرين ، وقد كان قبله لا أثر له ولا عين ، وروّجه وهذّبه ، وكتب الحواشي والقيود على كتابي التهذيب والإستبصار ، ولشدة ملازمته للحديث وممارسته له اشتهر في ديار العجم بـ( أم الحديث ) ، وكان رئيساً في بلاد البحرين مشاراً إليه ، وتولّى الأمور الحسبية وقام بها أحسن قيام ، وقمع أيدي الحكام وذوي الفساد في تلك الأيام ، وبسط بساط العدل بين الأنام ، ورفع بدعاً عديدة قد جرت عليها الظلمة وكانت وفاته تغمده الله برحمته في السنة الرابعة والستين بعد الألف (1064هـ _ 1654م) ومن مصنفاته رسالة في الصلاة ورسالة في جواز التقليد وحاشية على كتاب المختصر النافع صغيرة مختصرة ، وقبره مزار معروف بقرية القدم ، إلى أن قال : سافر إلى العجم واتصل بالشيخ البهائي واخذ علم الحديث عنه ورجع على البحرين نشره فيها .
ويلاحظ على كلام صاحب اللؤلؤة أن الشيخ علي _ الجد _ كان مجدداً في الحركة العلمية وأنه كان بداية نقلة علمية جديدة من نوعها في الحوزة البحرانية التي عرفت في تلك الأزمنة بالطريقة الإخبارية والتي قل أن تعنى بشأن الحديث حيث كانوا يرون صحة مافي الكتب الأربعة دون مناقشة السند ولكن للشيخ علي دور في إحداث نقلة نوعية في هذه المدرسة ، وفي أنوار البدرين نقل عن الشيخ سليمان الماحوزي ما لايوجد في الفهرست المطبوع مانصّه : ولما سافر واجتمع بشيخنا البهائي في محروسة اصفهان واستجاز منه وقابل كتابي الأخبار على نسخته ولاسيما كتاب التهذيب رجع إلى البحرين واجتمع علماء البحرين لاستماع الحديث منه ومعارضة كتب الحديث بنسخته . ويظهر من خلال ترجمة بعض العلماء أن الشيخ علي هذا له سلطة حتى على علماء البحرين فقد كان يعين القضاة ويقوم بعزلهم ، إضافة لما له من دور بارز في مجال القضاء ، ونقد الحكام على المستوى السياسي فقد واجه انحراف الحكام الذين حكموا البحرين من قبل السلطة القائمة على الحكم آنذاك . توفي هذا الشيخ في البحرين وقبره في قرية القدم مزار معروف منذ زمن صاحب اللؤلؤة إلى يومنا ، كما وصفه الشيخ عبد الله السماهيجي في إجازته للجارودي بوصف قال فيه وكان هذا الشيخ رئيساً في هذه الديار مشار إليه . وقال عن قبره : وقبره مزار معروف الآن بقرية القدم رحمه الله .

أقول : وفي مرآة البحرين [ المخطوط ] أن وفاة هذا الشيخ كانت في العام 1160 هـ على خلاف ماذكره صاحب اللؤلؤة والمعوّل على ماذهب إليه صاحب اللؤلؤة فالسماهيجي لم يذكر السنة في اجازته . وأما بقاء الشيخ علي بن سليمان القدمي إلى العام 1160 بعيد جداً فهو من أعلام القرن الحادي عشر وليس الثاني عشر ، سيما بعد أن ذكر أن حفيده الشيخ علي صاحب الترجمة قد توفي في العام 1131هـ فهو ما يجعلنا نستبعد قوله هذا .

- ووالده الشيخ جعفر أحد مشايخ علامة الزمان الشيخ سليمان البحراني في الإجازة والذين روى عنهم قال عنه الشيخ سليمان في الفهرست : نروي عنه _ أي عن الشيخ علي بن سليمان الجد _ بواسطة ابنه الأفخر الشيخ جعفر وغيره ، ويروي عنه أحد تلامذة المجلسي وهو الشيخ محمود بن علي الميمندي المشهدي كما في تلامذة المجلسي للسيد أحمد الحسيني ، وقال عنه الشيخ يوسف في اللؤلؤة : وكان شديداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إماماً في الجمعة والجماعة بعد أخيه ]ٍ أي الشيخ صلاح الآتي ذكره حيث جلس مجلس أبيه ومن بعده جاء الشيخ جعفر والد المترجم ] . وقال عنه السماهيجي في إجازته المطولة مانصه : رأيته في أواخر عمره وكان شديداً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إمام في الجمعة والجماعة ، مدرساً في مدرسة القدم . كم توفى ؟

- عمّه الشيخ صلاح الدين بن علي بن سليمان : قال عنه صاحب اللؤلؤة : وكان فاضلاً سيما في علم الحديث والأدب ، وله بعض الحواشي على التهذيب وتولى الأمور الحسبية بعد أبيه وجلس مجلسه في القضاء والدرس والجمعة والجماعة إلا أنه لم يبق بعد أبيه إلا مدة قليلة . وقال عنه الشيخ سليمان الماحوزي في فهرست علماء البحرين :الشيخ المحقق صلاح الدين ابن شيخنا الأفقه الشيخ علي بن سليمان ، كان نادرة وقته في الذكاء وحدة الذهن رأيت له حواشي متفرقة على كتابي الشيخ _ أي الطوسي _ في الحديث مليحة ، كان منشأ شاعراً توفي شاباً بدار العلم شيراز .
وقد علّق الأخ الفاضل الشيخ فاضل الزاكي _ حفظه الله _ في تحقيقه الرائع على كتاب الفهرست للشيخ الماحوزي حول هذه الجملة الأخيرة في ترجمة الشيخ صلاح هذا مانصّه : لايوجد فيما بأيدينا من المصادر أي مصدر يحدد تاريخ وفاة المترجم إلا أن بإمكاننا أن نحددها على وجه التقريب مابين سنة ( 1065 هـ ، 1655م ) إلى سنة ( 1070 هـ ، 1660 م ) حيث إن المصادر تذكر أنه توفي شاباً وأنه لم يعش بعد أبيه إلا قليلاً وحيث أن والده توفي سنة 1064 هـ فمن المفروض أن لا يتجاوز هو المدة التي حددناها ، وإن تجاوزها فلن يتجاوز سنة 1075هـ جزماً وإلا لما كان هناك معنى لقولهم : إنه لم يعش بعد أبيه إلا قليلا .
وفي كتاب مرآة البحرين المخطوط ترجمه بما نصّه : ومنهم : الشيخ المحقق الشيخ الأفقه الشيخ صلاح الدين بن الشيخ الأجل الفاضل علي بن سليمان، كان آية من آيات الله في الذكاء والحافظة وحدة الذهن، منشئ شاعراً وقد توفى شاباً في دار العلم شيراز، وكان الشيخ العلامة الشيخ محمّد بن ماجد عطر الله مرقده كثيراً ما يثني عليه ويبالغ في تعريفه وفضله، وكان بينهما مودة وصحبة عظيمة قدّس سرهما .


أقول : يستفاد من مخطوطة ( مرآة البحرين ) للجزيني العاملي أن الشيخ صلاح الدين هذا قد مات شهيداً بالسم في شيراز فقد تعرض لذكره ضمناً في ترجمة أخيه إبراهيم الآتي ذكره فقال _ عن الشيخ إبراهيم الآتي ترجمته _ : توفى مع أخيه العالم الرباني الشيخ صلاح الدين بشيراز بالسم مع جملة من صلحاء أهل أوال، كذا وجدت. ولم يذكر هذا الكلام في ترجمة الشيخ صلاح الدين المستقلة والله العالم بحقيقة الحال.


- عمه الآخر الشيخ حاتم : قال عنه صاحب اللؤلؤة مانصّه : وهو فاضل فقيه . وأما السماهيجي في اجازته فقد وصفه بقوله : وهو فقيه. ولم يزد على ذلك . إلا أن الجزيني العاملي صاحب كتاب مرآة البحرين قد افرد له ترجمة فيها بعض تفاصيل أكثر من اللؤلؤة والإجازة وفيما يلي ننقل نصّها كاملاً عن مخطوطته : يقول : ومنهم الشيخ أبو المكارم الشيخ حاتم بن الشيخ علي بن سليمان أخو الشيخ جعفر المذكور آنفاً وهو أكبر منه سناً، علم عالم عامل كامل، لـه اليد الطولي في إنفاذ الأحكام الشرعية وإعلاء كلمة الإسلام حتّى علا على الحكام العظام والرؤساء الكرام فلا تأخذه في الله لومة لائم ذو همة عليّة تنحط عن رتبتها الثريا، قد شارك سميّه الطائي في السماحة والجود، وفاق على أقرانه في إتلاف الموجود (قدّس سرّه) قد توفى [في] بلاد اليمن في طريق الحج . _ انتهى_


- عمه الثالث : الشيخ إبراهيم القدمي : ولم يترجم له صاحب اللؤلؤة بل ولم يعده حتى من أولاد الشيخ علي بن سليمان فقد قال في اللؤلؤة مانصّه : وللشيخ علي المذكور أولاد ثلاثة ، وكذا الحال في إجازة السماهيجي فقد قال في ترجمة الشيخ صلاح مانصّه : وله أخوان فاضلان أحدهما الشيخ حاتم وهو فقيه والثاني الشيخ جعفر ... فلم يذكرا الشيخ إبراهيم هذا وهو من عجيب أمرهما . أما الشيخ سليمان الماحوزي فقد أفرد له ذكراً في رسالة (جواهر البحرين) قال فيه : إبراهيم ابن الشيخ الحجة القدوة علي بن سليمان فاضل صالح ، توفي في دار العلم ( شيراز ) وزرت قبره هناك _ انتهى _ وقد أخطأ الأستاذ سالم النويدري في نقله هذا الكلام عن كتاب الفهرست فالشيخ الماحوزي ذكره في الجواهر وقد تكرر منه هذا الخطأ في أكثر من موضع .
وأما صاحب كتاب مرآة البحرين [ المخطوط ] فقد أفرد له ترجمة أشمل مما اختصره الماحوزي في الجواهر قال فيها : ومنهم : الشيخ الفقيه النبيه الفاضل الحكيم الشيخ إبراهيم بن الشيخ علي بن الشيخ سليمان أخو الشيخ المذكور بلغ رتبة الاجتهاد وصار في العلم علماً بين الخاص والعام، توفى مع أخيه العالم الرباني الشيخ صلاح الدين بشيراز بالسم مع جملة من صلحاء أهل أوال، كذا وجدت .

أقول : يستفاد من هذه العبارة عدة أمور :

1- أن الشيخ إبراهيم مات بشيراز كما أورده الماحوزي
2- أنه مات مسموماً وكذا حال أخيه الآخر الشيخ صلاح الدين
3- أنه مات معهما جماعة من أهل البحرين ولعله بنفس السبب
4- أن الشيخ العاملي صاحب مرآة البحرين قد وجد مصدراً مخطوطاً ذكر هذه الحادثة لعله إجازة أو كتاب تراجم والله العالم بحقيقة الحال .



خلاصة الكلام :

ومما سبق نجد أن هذه الأسرة قد نبغ فيها جماعة من أهل الفضل وعرفوا بحدة الذكاء في المجال العلمي ولا شك ان مترجمنا كان له نصيب من هذه الفضائل ومحاسن هؤلاء الأفاضل من صفوة أبناء أوال وأهل الفضل والكمال . ومن الملاحظ أيضاً أن هذه الأسرة لها مزيد من الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو دور إصلاحي اجتماعي كبير خصوصاً عندما يرتبط بالعلماء ، وكذلك يستفاد أنهم لظروف معينة قد تركوا بلاد البحرين لبلدان شتى والله العالم بالأمر الداعي لذلك .

تديّنه وورعه وعلاقته بالله :

لهذا الشيخ علاقة بالله قلّ نظيرها فقد نقل أحد معاصريه وهو الشيخ محمد مكي بن محمد ضياء الدين العاملي الجزيني الذي زار البحرين وكتب عن علمائها وعاصر علماءها واستفاد منهم في القرن الثاني عشر ، قال في كتابه المخطوط مرآة البحرين في هذا الشيخ : جمال العابدين وقدوة العارفين أورع المقدمين والمتأخرين، النقي الزكي الرضي ، وقال أيضاً : لم أشاهد مثله ولم يسمح الزمان بشبهه، فليله كلُّه عبادة ونظر، وأما نهاره فتدريس ونظر، أو فصل قضاء وحكومة أو تلاوة أو دعاء، ما تلفظ بكلمة لغواً ولا استعمل السخرية ولا الهزء، وكان إذا ركب يتلو القرآن إلى وقت نزوله، أوقاته كلها معمورة بالطاعات، أكثر الأعوام كان يسافر إلى الحج والزيارات للأئمة عليهم السلام، ذا عفة وحياء وبسطة وسخاء، قد بسط العدل في البلاد، وأزال عنها عامة الفساد، وراج الشرع في وقته أي رواج .
وقال عنه تلميذه الشيخ السماهيجي في إجازته الكبيرة _ حيث كان المترجم حياً وقت كتابة تلك الإجازة _ : زاهد عابد ، عزيز النفس ، غير راغب في الدنيا وجمع الأموال عدل ثقة .

مستواه وأقوال العلماء في حقّه :

يظهر من كتاب الفهرست للشيخ الماحوزي وضمائم إجازة الشيخ السماهيجي أن صاحب الترجمة من طبقة العلامة الشيخ سليمان الماحوزي قدس الله سره ، ولوالد المترجم أعني الشيخ جعفر إجازة للشيخ سليمان الماحوزي ، فربما لهذا الأمر لم يترجم له الشيخ سليمان في الفهرست فقد ترجم لجد المترجم ووالده وعمه صلاح الدين والشيخ إبراهيم كما مر . وفيما يلي نتعرض لأقوال العلماء في مستواه العلمي وفضيلته .
قال عنه الشيخ السماهيجي في إجازته للجارودي _ ضمناً في ترجمة عمّه الشيخ صلاح وبعد ذكر والده _ : وله ابن فاضل فقيه أفضل منه وأفقه اسمه الشيخ علي ( سلّمه الله ) وذكر أنه تولى الأمور الحسبية في البلاد وهو مشابه لما ذكره الشيخ يوسف في اللؤلؤة .
أما صاحب مرآة البحرين [ المخطوط ] فقد أطرى عليه كثيراً مما يستفاد منه كون صاحب الترجمة ذا باع في العلم فاق الكثير من أقرانه فقال مانصّه : الشيخ آية الله في العالمين ولطيفة المؤمنين، علامة زمانه وأوحد عصره وأوانه، نور الله الظاهر والمثل الشهير السائر، جمال العابدين وقدوة العارفين أورع المقدمين والمتأخرين، النقي الزكي الرضي أبو الفضائل الشيخ علي (قدّس سرّه)، ماذا أقول في وصف محاسنه وكماله، وماذا أقول في فضائله وأفضاله، كان أفضل أهل زمانة وأورعهم وأعفهم وأعبدهم، فقيهاً محدّثاً مجتهداً في غاية الذكاء وحدة النظر والدقة والفطنة، لم أشاهد مثله ولم يسمح الزمان بشبهه

مؤلفاته وماصنّفه :
للشيخ علي بن جعفر رسالتان فقهيّتان وإجازة ولم أظفر بعناوين غير ذلك فيمن ترجم له قدس الله سره إلا فيما نذكره بعد الكلام عن رسالة الصلاة وهاتان الرسالتان هما :

1- رسالة في ( مناسك الحج ) : ذكرها السماهيجي في الإجازة ونقلها صاحب أنوار البدرين و الشيخ آغا بزرك في كتاب الذريعة .
2- رسالة في ( الصلاة ) : ذكرها السماهيجي في اجازته وعنونها الشيخ آغا بزرك تحت عنوان ( رسالة في الصلاة وأحكامها ) للشيخ علي بن جعفر بن زين الدين علي بن سليمان القدمي البحراني المتوفي 1131هـ حكى الشيخ عبد الله السماهيجي في اجازته الكبيرة لناصر الجارودي عن ولد المصنّف الشيخ محمد بن علي بن جعفر انها بعد لم تكمل . وفي هامش الإجازة الكبيرة علق السماهيجي قائلاً : وقد رأيت الرسالة المذكورة بلغت إلى حد الصلاة وذكر أنه تجاوزها إلى الزكاة والصوم .

3- إجازة منه لتلميذه السماهيجي : نقل آغا بزرك في الذريعة مانصّه : إجازة الشيخ علي بن جعفر بن زين الدين علي بن سليمان القدمي البحراني المتوفى بكازرون سنة 1131هـ للشيخ عبد الله بن الحاج صالح السماهيجي المتوفي سنة 1135هـ ، قال المجاز له في حاشية اجازته الكبيرة للشيخ ناصر أنه كتب إلي بهذه الإجازة من شيراز وفيها روايته عن والده عن جده زين الدين علي بن سليمان القدمي الشهير بأم الحديث عن الشيخ البهائي ، تاريخها جمادى الأولى سنة 1129هـ . انتهى
وقد يستفاد من تعليقة الشيخ السماهيجي حول رسالة الصلاة السالفة الذكر ، أن صاحب الترجمة إما يشرع في بحث استدلالي مرتب في الفقه أو أنه يكمل رسالته العملية التي يودع فيها آراءه وأفكاره . والله تعالى العالم .


أولاده :

الشيخ محمد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر بن الشيخ علي القدمي قدس الله أسرارهم .

والكتب التي بين أيدينا لم تهتم بهذه الجزئية من حياة المترجم له ربما لاعتبارات كثيرة يرتئيها مصنفوها ، ولكن في إجازة السماهيجي ذكر ضمناً عبارة مفيدة يقول فيها : وله رسالة في أحكام الصلاة إلا أني لم أقف عليها أخبرني بها ابنه الأوحد الشيخ محمد ... ويحتمل لكلمة الأوحد هنا معنيان : الأوحد بمعنى أنه لم يكن لديه غيره ، أو ما اعتاد عليه المترجمون من إسباغ هذه الصفات على العلماء كالأفخم والأفقه والأوحد بمعنى وحيد زمانه في العلم ، وهذه العبائر وأمثالها متكررة في كتبهم . وعلى أية حال فالمتحصل هو أن الشيخ علي بن جعفر قدس الله سره لديه ولد وهذا الولد فاضل من أهل العلم أيضاً واسمه الشيخ محمد ، وبالنظر لتاريخ كتابة إجازة السماهيجي وهو العام 1128 هـ يكون الشيخ محمد هذا حياً حتى ذلك التاريخ بمعنى أن والده أيضاً كان حياً في هذا التاريخ أيضاً لأن وفاته كانت سنة 1131 هـ كما ذكر صاحب اللؤلؤة فلا يمكن أن نتعدى قولنا أن الشيخ محمد هذا كان حيّاً سنة 1128هـ مع أنه يحتمل احتمالاً كبيراً حياته بعد هذا التاريخ ويظهر أن الشيخ محمد هذا عاش خارج البحرين فوالده المترجم قد استوطن كازران والشيخ السماهيجي أيضاً كان في فترة كتابته للإجازة خارج جزيرة أوال فقد قال في خاتمة تلك الإجازة : وقد وافق الفراغ من تنميق هذه الإجازة مع تشويش البال وتقلقل الأحوال ومقاسات الخطوب والأهوال ومصادمة الحروب والقتال ومعاناة الشخوص والإنتقال في بلدة بهبهان في عصر الإثنين من الثالث والعشرين من شهر صفر ختم بالفتح للمؤمنين والظفر سنة 1128هـ ... ، ومع قرينة ان الشيخ السماهيجي مات خارج البحرين فيحتمل احتمالاً قوياً أن الشيخ محمد عاش خارج أوال في تلك السنوات والله تعالى أعلم بالحال . فالشيخ محمد هذا من مشايخ القرن الثاني عشر الهجري وليس لدينا علم ببقائه أكثر من ذلك أم لا قدس الله سره . وببركات الحاشية الصغيرة على إجازة السماهيجي والتي كتبها بخطه حصلنا على هذه المعلومة وقد أوردها آغا بزرك أيضاً في كتابه طبقات أعلام الشيعة الجزء السادس المختص بالقرن الثاني عشر ولكنه وقع منه سهواً قدس سره لتشابه الأسماء عنونة الشيخ بـ محمد القدمي [ المقابي ] وهو اشتباه كما لايخفى فإن كتب التراجم لم تذكر لقب المقابي قبل او بعد القدمي في تراجم آبائه ، وأما العبارة التي نقلها آغا بزرك عن إجازة السماهيجي فهي عارية أيضاً من لقب المقابي .




الراوون عنه بالإجازة ، وتلامذته :

نذكر منهم : الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي ذكرها في الإجازة الكبيرة المطبوع مؤخراً ، وفي الذريعة للشيخ آغا بزرك الطهراني هذه الإضافة المهمة : قال المجاز له في حاشية إجازته الكبيرة للشيخ ناصر _ أي ناصر الجارودي _ أنه كتب إليّ بهذه الإجازة من شيراز وفيها روايته عن والده عن جده زين الدين علي بن سليمان القدمي الشهير بأم الحديث عن الشيخ البهائي تاريخها جمادى الأولى سنة 1129 هـ . ونقل هذا الكلام أيضاً صاحب أنوار البدرين وبتصرف قليل لصاحب الذريعة .

ولم أظفر في كتب التراجم بمن صح تتلمذه على يد صاحب الترجمة إلا الشيخ السماهيجي حيث قال في إجازته : حضرت درسه مراراً ، وهذا لا يعني كونه ليس لديه تلامذة غير السماهيجي ، فبطبيعة الحال كان هناك تلامذة ولكن لم يذكروا ، فقد كانت سوق العلم في تلك العصور رائجة إلا أن الذي بقى من تاريخنا هو الذي دون فقط وغيرها ضاع مع الكثير مما ضاع من تراث هذه الأمة ، ويتطرق الشيخ السماهيجي للعلاقة التي تربطه بصاحب الترجمة فيقول في ذلك : ( ولي به اختصاص زائد واعتقاد عظيم كما هو أيضاً له بي اختصاص واعتقاد واتحاد ) .

رئاسته وطبيعة شخصيته :

معنى الرئاسة هو تصدي العالم لزعامة الحركة العلمية الدينية في البحرين (أوال) عامة . ويظهر من خلال التتبع لكتب التراجم وأحوال العلماء أن هذا المنصب تارة يكون بشكل انتخاب طبيعي يقع بين العلماء يسلمون فيه زمام الفقاهة لمن يستحقه من أهل الفضل ، وتارة تقوم السلطة الحاكمة والتي تتبع لحكومة خارج البحرين بالتدخل في التعيين .
إلا أن الأعم الأغلب يكون لأهل العلم النصيب الأوفر في انتخاب شخصية علمائية تدير دفّة ( الرئاسة الدينية ) في البلاد ويشمل هذا المنصب عدة أمور :
1- القضاء وفصل الخصومات كما هو مقرر في محله في كتب الفقه كما أنها إحدى مهام الفقيه الجامع للشرائط .
2- تعيين القضاة وحتى عزلهم كما هو الحال في الشيخ زين الدين جد المترجم لما آلت إليه هذه الزعامة .
3- تولي الأمور الحسبية ، والولاية كما حُقق ذلك في الفقه ضمن سلطة الفقيه وشؤونه ، ومعنى هذا الأمر أن هذا المنصب لا يصل إليه إلا فقيه جامع لشرائط الفتوى بل وزيادة على ذلك كونه أفقه وأعلم الموجودين بحيث يقدمون الأفضل من بينهم بشكل انتخابي .
4- التصدي للإفتاء العام في البلاد سيما في الأمور التي تكون مورد ابتلاء لأهل البلد قاطبة ويظهر من خلال ماوجدته في بعض التراجم إن لصاحب هذا المنصب حاكمية على آراء أهل زمانه ومعاصريه مما يدلل على كون المسائل التي تسند إليه في الإفتاء تخص شأناً عاماً للبلاد .
5- بالإضافة لكل ماتقدّم فمسألة التدريس والبحث العلمي من خلال التصدي للتدريس ورفد العلماء والتحقيق في المسائل .

وبعد هذا التقديم ننظر لصاحب الترجمة في نقل أصحاب التراجم ومدى شخصيته الرئاسية في البلد .

قال السماهيجي في اجازته : وقد تولى الأمور الحسبية في هذه الديار ، وكان شديد الإنكار لا تأخذه في الله لومة لائم ، غير مداهن للأمراء والكبراء ومن اجل ذلك وقع عليه خفة من قبل السلطان . ثم هاجر بعدها إلى ديار العجم . وقريب منه ماذكره صاحب اللؤلؤة .

وقال العاملي في مرآة البحرين [ المخطوط ] : قد بسط العدل في البلاد، وأزال عنها عامة الفساد، وراج الشرع في وقته أي رواج . وقال أيضاً عنه : فمن بعده زال المعروف في أوال، وصار المنكر ورأس الظلم، وكسدت سوق العلم .

ويستفاد مما سبق أن صاحب الترجمة كانت له الزعامة في البلد لفترة من حياته حيث كان يؤدي أمانته بشده في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث لا يداهن الكبراء وهذا ما أدى لإخراجه من البحرين مما أدى أن يؤول أمر الرئاسة لغيره لكون منصبه شاغراً بعده ومن عبارة صاحب مرآة البحرين يستفاد أن منصبه ظل فترة من الزمان شاغراً مما أدى لرواج المنكر ، وألقى ذلك بظلاله على الحركة العلمية في البلاد ولا يستبعد أن يكون لأثر مستواه وثقله العلمي في ذلك الوقت وما يعنيه للبحرين .
والظاهر أن فترة رئاسته لم تدم طويلاً حيث كانت بعد الشيخ محمد بن سليمان المقابي إلا أننا لا نمتلك تحديداً دقيقاً للأعوام .



الوشاية بصاحب الترجمة عند الشاه :

قال الشيخ يوسف في اللؤلؤة : كان زاهداً ورعاً شديد التصلب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، غير مداهن للأمراء والكبراء ، وقد تولى الأمور الحسبية في البحرين مدة إلا أنه لما هو عليه مما ذكرناه حسده بعض أمراء البلاد فكاتبوا عليه السلطان الأعظم الشاه سليمان ورموه بما هو برئ منه ، فأرسل له من أخرجه مقيداً مصفداً ، إلى أن وصل إلى كازران فحصل من بلغ حقيقة الأمر إلى السلطان وأخبروه بحقيقة حال الشيخ المزبور فأرسل عاجلاً أن يخلي عنه ويطلق فجلس في كازران وتوطن بها مدة مديدة ، وربما رجع إلى البحرين بعض الأوقات بعد مضي مدة مديدة من تلك الواقعة المتقدمة ، ثم رجع إلى العجم _ انتهى _
وليس لدينا تفاصيل حول القضية غير ماذكره في اللؤلؤة وأشار له السماهيجي إشارة عابرة ، وهو نظرة لما يقع في حياة العلماء جراء مجاهرتهم بالحق والنطق به في سبيل الله حيث لايروق للحكام إلا أن يكون العلماء داخلين تحت عباءتهم لا يجهرون بكلمة الحق صامتين عنها . كما يلقي بالضوء على سلطة المتنفذين الذين إذا تعارضت مصالحهم مع سلطة الفقهاء لجأوا لإزاحة العلماء بأي طريقة ، منها القتل والوشاية وغيرها والتاريخ يكرر نفسه مراراً .


الوضع السياسي في زمانه :


قامت الدولة الصفوية كنظام سياسي في إيران على يد الشاه إسماعيل الأول الذي ملك بين الأعوام ( 1501م_ 1524م) حيث توفي في العام 1524م أي في العام 930 هـ ، وقد تولى بعده ملوك من الصفويين وكانت البحرين آنذاك تخضع للإحتلال البرتغالي ، وأخذ أهل البحرين يكاتبون الشاه عباس الأول الذي يشترك معهم في المعتقد ضد البرتغاليين الصليبيين ليخلصهم من الإحتلال البرتغالي الذي طالت سنواته في بلادهم وقام الشاه عباس باستجابة طلبهم واستطاع أن يخرج البرتغاليين من جزيرة أوال ويضمها تحت مملكته وكان ذلك في العام 1601م . وفي هذه السنة يقول السماهيجي في ترجمته للشيخ محمد بن حسن بن رجب : وهو أول من صلى الجمعة في البحرين المحمية عن الشين بعد افتتاحها في الدولة الصفوية خلدها الله تعالى . والشيخ المقابي هذا هو من طبقة الشيخ علي بن سليمان القدمي جد المترجم وقد تتلمذ كل منهما على الآخر .
وباعتبار أننا لا نمتلك وثيقة تبين لنا سنة ولادة المترجم فنحن نقدر أنه عاش في فترة مابعد عباس الأول ولكن ما نستطيع الجزم به هو الملوك الذين عاش في زمانهم أو يقرب من زمانهم بحسب مانقله السماهيجي وصاحب اللؤلؤة ، فبحسب كتب التاريخ المهتمة بشأن الملوك الصفويين يكون ترتيب الملوك الصفوية فيما يقارب فترة المترجم هكذا :
1- الشاه عباس الأول : حكم مابين الأعوام [ 1587م_1629م ] ، حيث حرر البحرين في العام 1601م كما أسلفنا ويكون مدة ملكة بالتاريخ الهجري [ 996هـ _1038هـ] .
2- الشاه صفي الصفوي : حكم بين الأعوام [ 1629م_1642م ] أي مابين [ 1038هـ _1052هـ ] أو في العام 1053هـ كما نقله الشيخ القمي في منهى الآمال .
3- الشاه عباس الثاني : حكم مابين الأعوام [ 1642م_1666م ] ويطابقه من الأعوام الهجرية [ 1052هـ_1077هـ ] .
4- الشاه سليمان الأول ويسمى صفي الثاني أيضاً : حكم مابين الأعوام [ 1666م_1694م ] أي في [ 1077هـ _1106هـ ] وفي زمنه انتقل الشيخ صاحب الترجمة لكازران والتقى بالشاه سليمان
5- الشاه حسين الصفوي : حكم بين الأعوام [ 1694م _ 1722م] أي مابين الأعوام [ 1106هـ _1135هـ ] .وفي منتهى الآمال عن كتاب فارسي أن عزله كان في سنة ( 1137هـ ) بعد واقعة الأفاغنة وانتهاء دولة الصفويين ، وبقي في السجن حتى قتله السلطان أشرف وذلك في العام ( 1140هـ) .
ومن المجزوم به أن صاحب الترجمة عاش في ملك الأخيرين وكانت وفاة المترجم قبل انتهاء حكم الشاه حسين بحوالي ثلاث أو أربع سنوات .


كيف كان الصفويون يحكمون البحرين ؟

يتحدث عن طبيعة الحكم الصفوي في البحرين الشيخ محمد علي التاجر رحمه الله في كتابه عقد اللآل في تاريخ أوال ، بعد تولي الشاه عباس على البحرين مانصه ( فولى شؤونها الإدارية والملكية [ سوندك سلطان ] أحد ولاة العجم والأمور الملية الشرعية بيد الشيخ عبيد آل مذكور ..) .... فيظهر من نقله ومن عدة مصادر أيضاً أن طبيعة الحكم الصفوي في جزيرة البحرين أنه يقوم الشاه بتعيين ولاة من العجم يقومون بإدارة البلاد تبعاً للملكة الكبيرة وفي المقابل يجعل من العرب من يقومون بإدارة وتنظيم الشأن السياسي والشأن الديني في الجزيرة والذي كان بادئ ذي بدء بيد آل مذكور وقد استمر لسنوات طويلة ، كما يظهر من كتب التاريخ أن الشأن الديني والقضاء يفوض فيه فقيه عارف يعينه وينتخبه أهل الحل والعقد فترضاه الحكومة ممثلة بالحاكم العربي والرعية وربما نعرض بحثاً خاصاً عن طبيعة السياسة الصفوية في البحرين مستقبلاً إن شاء الله تعالى .

دوره في إيران

في الإجازة الكبيرة يذكر الشيخ السماهيجي المعاصر لصاحب الترجمة أنه كان له دور لا يقل عن دوره في البحرين إلا أنه ذكر أن استقراره ليس في كازران بل كان في شيراز وذلك في سنة تأليف الإجازة الكبيرة وهي سنة 1128هـ فقال في بيان دوره في إيران مانصّه ( وهو الآن بدار العلم شيراز ، إمام في الجمعة والجماعة ، متع الله المسلمين ببقائه ) .

وفاته ومدفنه :

لم يذكر السماهيجي له تاريخ وفاة باعتبار أنه كتب الإجازة الكبيرة في العام 1128هـ ، ونقل أن إجازة صاحب الترجمة له كانت سنة 1129 هـ وقد كان صاحب الترجمة حياً آنذاك وبعد سنتين تقريبا توفاه الله وكانت وفاته كما يقول الشيخ يوسف العصفور وهو الذي تفرد بخبر وفاته وبقية المصادر نقلته عنه في اللؤلؤة مانصّه : ( وقد توفي الشيخ علي هذا في كازران في السنة الحادية والثلاثين بعد المائة والألف ) . كما يبدو أنه دفن في كازران وأسأل الله أن أوفق للبحث عن قبره في تلك المنطقة لو يسر الله لي الوصول إلى هناك بعونه وقدرته ومدده .


وكتب بيمينه الداثرة
بشار عبدالهادي عيسى بن عبد الله بن عيسى العالي البحراني
في 8 رمضان 1430 هـ
والحمد لله أولاً وآخرا


مصادر البحث :

1- الشيخ عبد الله السماهيجي / الإجازة الكبيرة [ تحقيق الشيخ مهدي العوازم ]
2- الشيخ سليمان الماحوزي / فهرست علماء البحرين
3- الشيخ يوسف أحمد العصفور/ لؤلؤة البحرين
4- الشيخ علي البلادي البحراني / أنوار البدرين
5- الجزيني العاملي /مرآة البحرين [ مخطوط يقوم الأخ الفاضل الشيخ إسماعيل الكلداري بتحقيقه ]
6- الشيخ محمد علي التاجر / عقد اللآل في تاريخ أوال
7- الشيخ عباس القمي /منتهى الآمال ، ج2 في ذكر أولا الإمام موسى بن جعفر (ع) .
8- ناصر الخيري / قلائد النحرين
9- سالم النويدري / أعلام الثقافة في البحرين خلال 14 قرناً
10- جعفر المهاجر / الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي .
11- موسوعة ويكيبيديا حول الحكام الصفويين .
12- السيد علي البروجردي / طرائف المقال





السبت، 15 أغسطس 2009

البحرين في قصيدة الأوالي

كيف أشكو أو بمن أستنجدُ *** ضاقت الأرض بنا والبلدُ
إسمها البحرين لكنّك لو *** جئتها لم تر بحراً يوجد ُ
لم تجد للبحر فيها منفذاً *** بل ترى الأسوار فيها تصعدُ
كل شبر صار للبيع بها *** حيث لا ينكر هذا أحدُ
وضع الأغراب فيها قدماً*** وإذا أبناؤها قد أُبعدوا
ملكوا براً وبحراً فغدا *** جوها الخانق سجناً يوصدُ
ثم باعوا برها والبحر يا *** صاح وانظر أي شعر أُنشدُ
الشمال اليوم فيه استثمروا*** كل أرض من لهذا يحصدُ
والجنوبُ استنفذت أسواره *** خططوا يوماً ويوماً حددوا
ثم صار الشعب مملوكاً لمن *** يملك الأرض وقدماً مهّدوا
كيف باعوا بالملايين لنا *** وطناً حتى بكانا البلدُ
أصبح النخلُ حزيناً بائساً *** لم يجد ماءاً فتروى الكبدُ
ولهذا مات في بستانهِ *** ذابلاً قد غاب عنه الموردُ
ولذا جفّت عذاريُ التي *** خُلدت في أرض قومٍ خُلدوا
حسبي الله على من سرقوا*** وكفى الله شهيداً يشهدُ
أيها الدافنُ تاريخاً لنا *** كم لنا أمسٌ وكم فينا غدُ
في أوالٍ نحن شيدنا لنا *** سؤدداً يرنو إليه السؤددُ
ألف عام ثم عن أربعةٍ *** من قرون الدهر فينا السيدُ
كان تاريخ الأواليين ما *** ملؤه عزٌ له قد شيّدوا
إن في صعصعةٍ أو ميثمٍ *** أو ذرى الماحوز ما يُسترفدُ
ثم في ( بربورةٍ ) ضجّت لنا *** ضجة التاريخ وهو الموعدُ
وإذا مارمت تبغي سنداً *** فلنا تحكي الحكايا سندُ
ثم ماذا بعدها ياصاحبي *** هذه عالي وهذي صددُ
إننا في حب أغلى وطن ٍ*** جمرنا تحت الثرى يتّقدُ

قصيدة الأوالي

الاثنين، 20 يوليو 2009

الإنشاد في الحسين عليه السلام

الإنشاد في الحسين عليه السلام

محاضرة في مجلس فاتحة خطيب المنبر الكبير
السيد جعفر الكربابادي
مقدمة
عن مولانا الصادق صلوات الله عليه : ( من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة ... ) كامل الزيارات لإبن قولويه .
اهتمت روايات أهل البيت كثيراً بمسألة البكاء على الحسين عليه السلام وهو نوع من الآليات المستخدمة لحفظ قضية هذا الإمام المعصوم ، لأسرار وأهداف إلهية كثيرة . ومن هنا جاء دور الشرع الذي تحدث عن الشعائر الحسينية حيث أعطاها صبغة العبادة وجعل لها أجراً وثواباً كما لأي واحدة من العبادات المعروفة وهذا طبعاً مما تميز به المذهب العظيم لأهل بيت العصمة صلوات الله عليهم ومن خلال هذه المقدمة يمكن أن نتحدث عن الشعائر في نقطتين .
النقطة الأولى : الشعائر المنصوصة والشعائر غير المنصوصة
والمراد من الشعائر المنصوصة هي تلك التي ورد عن أهل بيت العصمة نص بخصوصها كشعيرة الزيارة للنبي وأهل البيت صلوات الله عليهم فقد روى المفيد في المقنعة عن الصادق عليه السلام أنه قال [ من زار الحسين بن علي عليهما السلام لا أشراً ولابطراً ولا رياءً ولا سمعة مُحّصت ذنوبه كما يمحص الثوب في الماء ، فلا يبقى عليه دنس ويكتب له بكل خطوة حجة ، وكلما رفع قدمه عمرة ] حيث نجد النصوص كثيرة حتى قام أحد المحدثين بجمعها وهو ابن قولويه في كتابه كامل الزيارات وغيره فهي نصوص عن الأئمة وجدهم الأقدس حول فضل الزيارة وثوابها ، وكذلك مسألة البكاء على مصيبة الحسين عليه السلام فقد عقد في كامل الزيارات باباً خاصاً في ثواب من بكى على الحسين جاء فيه مثلاً :عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أنه قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول : [ أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقابا ... إلى آخر الحديث ]. وورد في نفس المصدر أيضاً على سبيل المثال ما عن أبي عبد الله (ع) : [ إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ماجزع ماخلا البكاء والجزع على الحسين بن علي فإنه فيه مأجور] . وإلى غير ذلك الكثير من الروايات التي تدل على هذه الشعائر بشكل صريح

نعم هناك بعض أنواع الشعائر ربما لم يتم الإستدلال عليها وعلى كونها من الشعائر بشكل مباشر بل هي متصيدة من خلال روايات كثيرة وقرائن يفهم منها أن هذا الأمر مرغوب فيه ومن هذه الأمور على سبيل المثال لا الحصر :
1- المشي إلى زيارة الحسين بخصوصه
2- لبس السواد على مصاب الحسين صلوات الله عليه
وهناك أمور اعتبرها العرف وحتى المتشرعة من الشعائر الحسينية وهي ليست بمنصوص عليها وربما هذه النقطة التي أدخلتنا في الكثير من الجدليات في شأنها سواء على المستوى الفقهي أو المستوى الفكري العام للمذهب الشيعي ، كمسألة التطبير أو مسألة ضرب الظهور بالسلاسل وهو المعروف (بموكب الزنجيل ) أو حتى مواكب لطم الصدور فهي من القسم الغير المنصوص ويمكن معالجة هذه المسألة فقهياً عبر سعة قاعدة الإحياء ( أحيوا أمرنا ) وكون إحياء أمرهم عليهم السلام ذا سعة بحيث يمكن إدراج الكثير من العناوين مالم تكن مخالفة للمبادئ العامة وفقهيات المذهب والكلام هنا ليس محله .
نعود للمنصوص من الشعائر حيث يتصدر الشعر كما هو الحديث الذي بدأنا به . فالشعر من الشعائر المنصوص عليها من زمن النبي وحتى آخر الأئمة صلوات الله عليهم .

النقطة الثانية : هناك نمطان في شعيرة ( الشعر ) الحسيني ومن خلال النص الذي بدأنا به الحديث نلاحظ هذه المسألة وهما :

النمط الأول : الإنشاء : كما عن عيون أخبار الرضا يرويه الصدوق عن مولانا ثامن الحجج يقول : [ من قال فينا بيت شعر بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة ] وإن كان القول أعم إلا أن إنشاء الشعر من أبرز مصاديقه كما لا يخفى . وفي نفس المصدر عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : [ ما قال فينا قائل بيتاً من الشعر حتى يؤيد بروح القدس ] وفي نفس المصدر أيضاً عن الرضا (ع) : [ ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلا بنى الله له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره كل ملك مقرب وكل نبي مرسل .... إلى آخر الحديث ] . وكما جاء في بعض المصادر أيضاً عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله [ أنه دعا للنابغة الجعدي لما قال فيه :
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتـاباً كالمجرة نيـّرا
فقال فيه رسول الله لا يفضض الله فاك فأغبر مائة سنة لم تنغص له سن ] ، وكذلك حسان بن ثابت ، لما أن أخبره النبي بقوله مازلت مؤيداً بالروح القدس مادمت ناصرنا بلسانك ... إلى غير ذلك الكثير من الشواهد .
النمط الثاني : هو الإنشاد وهو أن يقوم المنشد للشعر بقراءته وإلقائه وهذا الأمر لا يقل أهمية عن سابقه ولذلك نصّت الروايات عليه لما له من مكانة فكم من قصيدة كانت مندثرة ومنسية أحياها لسان منشدها وأعطاها روحاً في طريقة ترنمه بها وكيفية إنشادها
وهو الدور الذي يقوم به الخطباء اليوم والرواديد حفظهم الله في إحياء أمر مولانا الحسين وأهل بيته الطاهرين .
وفي هذا النمط نشاهد بعض الروايات نأخذ منها على سبيل المثال مارواه المحدث الأقدم ابن قولويه قدس سره في كامل زياراته عن أبي عبد الله (ع) : من انشد في الحسين بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيت شعر فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : من أنشد في الحسين بيتاً فبكى _ وأظنه قال : أو تباكى فله الجنة ] وفي رواية أخرى عن كامل الزيارات أيضاً مارواه بإسناده عن أبي هارون المكفوف قال دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال لي أنشدني فأنشدته فقال :لا كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره قال فأنشدته :
امرر على جدث الحسين وقـل لأعظمه الزكيـة
_ أقول يظهر من هذا الخبر أن الإمام طلب من أبي هارون أن ينشده بطريقة غير التي كان ينشدها وفي خبر آخر يظهر أنه نفس الخبر ونفس موقف أبي هارون قال له الإمام [ – أنشدني كما تنشدون _ يعني بالرقة ] ولعل التوضيح من الراوي إلا أنه يتضح أن الإمام طلب نمطاً أو مايتعارف لدى الخطباء اليوم بالأطوار التي هي كيفية معينة من قراءة الأبيات والقصيد أو ما يعرف في العرف اليوم باللحن .
وهذه إحدى ميزات الخطابة الحسينية الأصيلة التي هي أساساً إنشاد الشعر ونظمه في حق أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم وأنت ترى الروايات كيف وضعت لها هذا المقدار الكبير من الوزن والثواب ليحفل التشيع بعد ذلك بمدارس في فن الإنشاد استقت أسسها من كلام الأئمة والذين شجعوا على إقامتها والحث عليها وتعاهدها .

النقطة الثالثة : وقفة مع السيد الكربابادي قدس سره
السيد جعفر رحمة الله عليه أحد الخطباء القلة في البحرين الذين عرفوا بالتميّز من مميزات خطابته رحمه الله :
1- في أداء الشعر كان له رحمه الله دور كبير في الحفاظ على الشعر التراثي البحراني للشعراء البحرانيين كالمرحوم ملا عطية الجمري والمرحوم ملا علي بن فايز رحمهما الله فهذه ميزة فيه وهي الحفاظ على تراث البحرين الأدبي والشعري .
2- الجرأة في الأداء واللحن وهي صفة يبرز جوهرها شجاعة الخطيب وثقته في نفسه وهي ملكة إن صح التعبير تصقلها سنوات الممارسة الطويلة ولا ضير فقد كان رحمه الله قد قضى سني عمره وزهرة شبابه في خدمة المنبر الحسيني .
3- الإبتكار في الأطوار الحسينية وقد سألت الفقيد رحمه الله عن الطور الذي يتميز به فقال لقد أجراه الله على لساني وأخبرني قصته وهي أنه كان يوماً ما جالساً مع صديق دربه وقريبه الخطيب الكبير المتميز الشيخ ميرزا الأسود قدس سره في ليلة شتاء عند ما يعرف بـ( الدوّة ) وهي مايوضع فيه الجمر للتدفئة عادة حيث وجد نفسه يترنم بأبيات على نمط معين مما جعل الشيخ ميرزا الأسود يتساءل من أين تعلمت هذا الطور فقال له السيد جعفر الآن أنا انشده هكذا فقال الشيخ ميرزا إنه طور متميز فأخذا يكررانه معاً حتى أصبح هذا الطور ملازماً لهما إلا أن الناس والخطباء في البحرين يطلقون عليه طور السيد جعفر الكربابادي وهو معروف عند من يتعاطى الخطابة في البحرين ومشهور لديهم ، فهو خطيب صاحب مدرسة في الخطابة والإنشاد الحسيني
فما تحسب هذه الهبة الحسينية إلا أنها مما نطق به الروح القدس على لسان هذا الخطيب المخلص حيث أبكى الناس طوال حياته على مصيبة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه ومازال صدى صوته يتردد في مآتم البحرين ومحافلها وحسينياتها حتى ظهور الحجة إن شاء الله تعالى فرحمك الله أيها السيد الجليل وحشرك مع الحسين وأحبته وجعلك معه في ظله يوم لا ظل إلا ذالك الظل الظليل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

مصادر البحث :
1- عيون أخبار الرضا (ع) الشيخ الصدوق
2- كامل الزيارات لإبن قولويه
3- مقابلة مع الفقيد رحمه الله

الأحد، 19 يوليو 2009

فقه الأعراس والمواليد للشيخ البناء

فقه الأعراس والمواليد
محاضرة لسماحة الأستاذ الكبير الشيخ هاني البناء حفظه المولى
ونظراً لأهمية موضوعها وحيويته أنشرها
للإستفادة العامة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
في البداية نود أن نقدم لكم الشكر الجزيل لما تقدمونه من دور كبير ومتميز في خدمة المذهب وخدمة أهل البيت (ع) شكراً موصولاً بالدعاء لكم بمزيد من العطاء .
تنبيهات:
في البداية وقبل الحديث عن فقه الأفراح لابد من التنبيه على أمور:
1- ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله: ( من اتجر بغير علم ارتطم بالربا ثم ارتطم ) ، من الواضح أن الشيطان يترصّد للعباد ويوسوس لهم ليصرفهم عن الهداية وطرق الخير ويتركّز نشاطه بدرجة أشد في إفساد الطاعات وإبطال الصالحات لذا لو لاحظنا بعض الطاعات نجد أنها ابتعدت عن أهدافها وانحرفت عن مسارها كل ذلك بسبب التأثير الشيطاني[1] . ويتأكد دور الشيطان في الوسوسة بما يرتبط بالظواهر الاجتماعية فيسعي للتأثير على كل ما من شأنه أن يصرف جماهير الأمة فيأتي ليُفسِد العالِم وبزلة العالِم يَفسُد العالَم لذا تتضح المسئولية عليكم أيها الأخوة فأنتم يمكن أن تساهموا في الإصرار على نجاح المسيرة وحركتها في صراطها المستقيم ويمكن أن يزل البعض فيساهم في حرف المسيرة وتغيير المسار. وأنتم أعلم بموقعكم وتأثيركم فالواحد منكم تحصل له نجومية وشهرة تدعو لأن يعطى موقعاً دينياً كبيراً فقد يلجأ له الناس في مسألة دينية أو مشكلة أسرية وما إلى ذلك كل ذلك ناتج عن إيمانهم بأنكم أصحاب موقع ديني خطير قد يفيد وهذا هو المؤمّل وقد يضر وهذا ما لا تريدونه أنتم ولا نتمناه لكم.
2- العمل الاجتماعي يحتاج إلى الالتفات إلى نقطة وهي أنك في عملك الشخصي يمكنك الرجوع لفتوى من تراه حجة وتقلده في العمل ولكن في العمل الاجتماعي قد يتطلّب الموقف العمل بالاحتياط فمثلاً لو حضرنا جنازة اختلف الفقهاء في حكم غسلها هل تغسل مع المسح على الجبيرة أم تيمم هنا مشكلة لأنني لو غسلته ومسحت على الجبيرة اعتماداً على فتوى من أقلد حينها سيعتبر عند من يقلد من يفتي بوجوب التيمم ميت لم يجهز لذا المتعين في مثل هذه الحالات الإحتياط بأن يغسل وييمم وكذا ما نحن فيه فقد تكون ألحاني محللة بالنظر لفتوى من أقلد ولكن الكثير ممن حضر المناسبة يقلد من لا يرى الجواز لذا يتعين عليّ مراعاة مشاعرهم بالأخذ بأحوط الأقوال ولا أقل أحوط أقوال من يرجع إليه الحاضرون من المراجع.
3- نحن هنا لا نريد أن نقف أمام الإبداع وأمام التطوير بل المطلوب منكم دائماً وأبداً أن تواكبي العصر في وسائله تواكبي العصر في أدواته والتي يمكن استغلالها لتوصيل رسالة الحسين(ع) رسالة الإسلام ولكن التطوير محكوم بخطوط حكمت ما مضى من ممارسات وتحكم ما سيأتي . والمراد من هذه الدورة أن تساهم في توضيح هذه الخطوط الحمراء لكي يبقى العطاء عطاء ايجابياً منسجماً مع الأهداف الإسلامية لمثل هذه الشعائر.
والآن نبدأ بالحديث عن فقه الأعراس ليليها الكلام عن فقه المواليد:
فقه الأعراس:
ليلة العرس هي المحطة المهمة التي يُعلَن فيها عن بدأ انطلاقة مشروع الأسرة، والتي يراد لها – من منظور إسلامي- أن تشكِّل نواة صالحة لبناء مجتمع قويم يجسِّد فيه الإنسان خلافة الله (تعالى) في إعمار هذه الأرض بأطروحة " لا إله إلا الله". ولم يمنع الإسلام العظيم أتباعه من الإحتفاء بهذه المناسبة السعيدة والتعبير فيها عن فرحهم وسرورهم، بل دعا إلى ذلك وندب إليه، ولكنه- في الوقت نفسه – وضع ذلك كله ضمن ضوابط وأطر شرعية في عملية تنظيمية تريد لمظاهر الفرح أن تأخذ مسارها الصحيح، وأن لا تتغلب الخفّة على العاطفة المنضبطة الرشيدة فتفسد الأمور باسم الفرح، فإنه ليس من الصحيح أن يجعل الفرح والسرور مساوياً للانفلات والخفَّة، بل إنّ الفرح الحقيقي- والذي يعود بالخير والبركة- هو الفرح المنضبط بهداية الشريعة، والأخلاق.ومن هنا تكمن أهمية التزام ضوابط الشريعة وأحكامها؛ كونها تمثِّل الطريق المستقيم الذي يجب أن لا تحيد عنه الخطى؛ لئلا تزيغ عن الهدف، وتضلّ عن الغاية السامية من الخلقة.
وفيما يلي نستعرض ما يمكن أن يكون مورداً للتحريم الشرعي:

الأول: الغناء:
وردت الروايات التي تدل على حرمة الغناء ، وحرمة تعليمه وتعلمه وحرمة التكسب به واستماعه ، وأنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الخضرة ، وأنه يورث الفقر والقساوة ، وينزع الحياء ، وأنه رقية الزنا ، ويرفع البركة ، وينزل البلاء كما نزل البلاء على المغنين من بني إسرائيل ، وأنه مما وعد الله عليه النار وبئس المصير ، وأنه غش النفاق ، وأن الغناء مجلس لا ينظر الله إلى أهله ، وأن استماع الغناء نفاق وتعلمه كفر . وأن صاحب الغناء يحشر من قبره أعمى وأخرس وأبكم ، وأن من ضرب في بيته شيئا من الملاهي أربعين يوما فقد باء بغضب من الله ، فإن مات في أربعين مات فاجرا فاسقا مأواه النار وبئس المصير ، وأن من أصغى إلى ناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان ، وأن الغناء أخبث ما خلق الله وشر ما خلق الله ، وأنه يورث الفقر والنفاق ، وأن من استمع إلى الغناء يذاب في إذنه الإفك . وغير ذلك من المضامين المدهشة التي اشتملت عليها الأخبار .
تعريف الغناء:
الخميني- الكلبيكاني: ليس هو مجرد تحسين الصوت ، بل هو مده وترجيعه بكيفية خاصة مطربة تناسب مجالس اللهو ومحافل الطرب وآلات اللهو والملاهي ، ولا فرق بين استعماله في كلام حق من قراءة القرآن والدعاء والمرثية وغيره من شعر أو نثر ، بل يتضاعف عقابه لو استعمله فيما يطاع به الله تعالى.
الخوئي والوحيد: الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو والباطل ، بمعنى أن تكون الكيفية كيفية لهوية ، والعبرة في ذلك بالصدق العرفي وكذا استماعه ولا فرق في حرمته بين وقوعه في قراءة ودعاء ورثاء وغيرها.
زين الدين: الغناء هو مد الصوت وتلحينه على الكيفيات اللهوية المعروفة في مجالس اللهو وعند أهله سواء صحبه شئ من آلات الطرب أم لا ، ويميزه أهل العرف ، فما صدق عليه بين أهل العرف إنه غناء فهو منه . ولا فرق في حرمته بين أن يقع في أغاني عامية أو شعر عربي أو غير عربي أو في قراءة قرآن أو تلاوة دعاء أو خطبة أو في مراثي أهل البيت عليهم السلام أو غير ذلك ، ويتضاعف العقاب عليه إذا وقع في عبادة يراد بها طاعة الله سبحانه.
السيستاني: الغناء هو الكلام اللهوي شعرا كان أو نثرا - الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب ، وفي مقوّمية الترجيع والمد له إشكال ، والعبرة بالصدق العرفي ، ولا يجوز أن يقرأ بهذه الألحان القرآن المجيد والأدعية والأذكار ونحوها بل ولا ما سواها من الكلام غير اللهوي على الأحوط وجوبا .
الحكيم: الغناء وهو الصوت المشتمل على المد بنسق خاص من شأنه أن يوجب الطرب مع قصد اللهو به ، على النحو المعهود عند أهل الفسوق أيضا .
خامنائي: الغناء وهو ترجيع الصوت المطرب والمناسب لمجالس اللهو ويحرم الاستماع إليه أيضا .
الفياض: هو صوت وقع بكيفية خاصة ولهجة مخصوصة ، وهي الكيفية اللهوية لدى العرف العام ولم يرد في الشرع تحديد مفهومه بحدود معينة كماً وكيفاً ، فلذلك يكون المعيار فيه إنما هو بالصدق العرفي ، ولا فرق في حرمته بين وقوعه في قراءة قرآن أو دعاء أو رثاء أو غيرها .
استثناء الأعراس:
وهناك رأيان في المسألة:
الرأي الأول: عدم جواز الغناء مطلقاً حتى في الأعراس: ح
يث ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة الغناء – ولو على نحو الاحتياط الوجوبي- بشكل مطلق ولم يستثنوا منه "الغناء في الأعراس". وبناء على هذا الرأي لا يجوز الغناء في الأعراس ويكون استعماله من المحرمات. وممن تبنى هذا الرأي السيد السيستاني حيث قال ما نصه: قد يستثنى من الغناء المحرم : غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهم على نحو يوجب تهيج الشهوة ولكن هذا الاستثناء لا يخلو عن اشكال.
وفي استفتاء له قد سئل: ما حكم تسجيل ليلة الزفاف وغيرها من ليالي الأعراس التي تحتوي على غناء النساء فيما بينهن على أشرطة سمعية ( كاسيت ) ومرئية ( فيديو ) ثم قيام النساء بإعادة سماع ورؤية تلك الأشرطة في سائر الأيام الأخرى وذلك للذكرى والتسلية ومعرفة من كان حاضرا في تلك الليالي ؟ الجواب : لا يجوز . انتهى ، وهنا أفتى بالحرمة لأن الاستثناء لو تم – وهو غير تام - فإنما يتم في ليلة الزفاف وليس الاستماع له بعد ذلك داخلاً في الاستثناء.
الرأي الثاني: جواز الغناء في الأعراس ولكن بشروط:
أما الرأي الثاني فهو يجوّز "الغناء في الأعراس" ولكنه ضمن مجموعةٍ من الشروط، وقد اختلف الفقهاء فيها – سعة وضيقاً- فبعضهم تبنّى بعضها، وبعضهم أضاف أو أسقط بعضاً آخر وفيما يلي نستعرض الأقوال في المسألة:
الخميني: يستثنى غناء المغنيات في الأعراس ، وهو غير بعيد ، ولا يترك الاحتياط بالاقتصار على زف العرائس والمجلس المعد له مقدما ومؤخرا لا مطلق المجالس ، بل الأحوط الاجتناب مطلقا .
الخوئي والوحيد: يستثنى منه غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل ، ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهن على نحو يوجب تهييج الشهوة ، وإلا حرم ذلك . وفي ( صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 1 ص 371): سؤال 1016 : قد ذكرتم أنه يجوز للنساء الغناء في الأعراس بشرط عدم وجود المحرم كدخول الرجال عليهن ، فهل يختص بالأجنبي أم مطلق الرجال ؟ . الخوئي : نعم يختص بالأجانب منهم ، والله العالم .
الكلبيكاني: ( مسألة 1699 ): غناء المغنيات في الأعراس مشكل والأحوط تركه ، والأحوط على فرض الارتكاب الاقتصار على المغنية المملوكة دون الحرة والرجل والغلام ، وبشرط أن لا تستعمل فيه آلات اللهو ، ولا يكون المستمع رجلا ، ولا يدخل عليهن الرجال ، وأن يكون النكاح شرعيا دائما ، ويكون في حال زفاف المرأة إلى بيت زوجها .وفي استفتاء له في ( إرشاد السائل - السيد الگلپايگاني - ص 156): ( س - 567 - ) هل يجوز الغناء في الأعراس للنساء ، وهل يجوز استعمال الطبل كذلك أو غيره كالبرميل بنفس الكيفية ، وهل تشترط أمور أخرى ، وهل يختص بليلة الزفاف أم يشتمل ليالي العرس المتعقبة والمتقدمة كليلة الخطوبة أو العقد ؟ بسمه تعالى : لا يبعد جواز الغناء للنساء في الأعراس إذا لم يسمع صوتهن الأجنبي في ليلة الزفاف وإن كان الأحوط تركه ، وأما استعمال الطبل فحرام ، والله العالم .
زين الدين: يستثنى من ذلك غناء النساء في محافل العرس ، بشرط أن لا يصحبه شئ من المحرمات الأخرى كالضرب بالطبل والصنج أو على المعازف وكالرقص والحركات الخليعة والتكلم في الغناء بالكلام الباطل ، ودخول الرجال على النساء وسماعهم لأصواتهن على نحو يثير الشهوة وينشر الفساد ، فإذا صحبه شئ من ذلك كان حراما .
خامنائي: يجوز للنساء التغني في مجالس زفاف العرائس .
الفياض: يستثنى من ذلك غناء النساء في الأعراس بشروط : الأول : أن لا يضم إليها محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل . الثاني : أن لا يدخل الرجال عليهن . الثالث : أن لا يسمع أصواتهن على نحو يوجب تهييج الشهوة ، وإلا حرم ذلك .

هذه هي الأقوال بالتفصيل ومجمل ما ذكروه من شروط- سواء كان على نحو الفتوى أم على نحو الإحتياط اللزومي (الوجوبي)- هو التالي على خلاف بينهم في السعة والضيق:

الشرط الأول: أن يكون الغناء في خصوص مجلس زفاف المرأة إلى زوجها:
وأدخل بعض الفقهاء (الإمام الخميني) - إضافة إلى مجلس الزفاف- « المجلسَ المُعَدّ له [أي للزفاف] مقدماً ومؤخراً » في دائرة الجواز أيضاً.والمقصود بالمجلس المُعد للزفاف مقدماً ومؤخراً هو ما يسبق مجلس الزفاف من أجواء احتفالية بمناسبة الزفاف والعرس، وما يتأخر عنها. فإذا كان الزفاف ليلة الجمعة – مثلاً- فيدخل الاحتفال الذي تقيمه النساء عصر الخميس أو صباح الجمعة، ويجوز الغناء للعرس – بشرائطه - في عصر الخميس ويوم الجمعة صباحاً لأنه مجلس أُعدّ للزفاف بناء على هذا الرأي.وبناء على ما تقدّم، فالذي يجوز من غناء النساء هو ما كان في خصوص مجلس الزفاف، أو في المجلس الذي أُعدّ قبل الزفاف أو بعده بحيث يوجد نوع من الاتصال يحكم – من خلاله العرف- بأن هذا المجلس الذي تغني فيه النساء هو مجلس مُعد للزفاف مقدماً ومؤخراً.والنتيجة – بناء على ذلك- أنه لا يجوز الغناء في مجلس العقد أو ليلته إذا كان مجلس العقد منفصلاً عن مجلس الزفاف أو لم ينطبق عليه عنوان « المجلس المُعدّ للزفاف»،كما هو المتعارف والشائع بين الناس - فعلاً- حيث يجرون العقد في زمن ويكون الزفاف بعده بفترة طويلة كأشهر أو سنة أو سنوات.وفي هذه الحالة لا ينطبق الشرط المذكور على مجلس أو ليلة العقد، فلا يجوز فيها الغناء.وكذلك لا يجوز الغناء في الحفلات - التي كثرت وتعدّدت في هذه الأيام([2])- والتي هي خارجة عن الضابطة السابقة.بل نص بعض الفقهاء – في بعض استفتاءاته- على أنه لو تم تسجيل غناء حفل الزفاف فإنه لا يجوز استماعه بعد ذلك لأن الجواز كان مشروطاً بمجلس الزفاف أو المجلس المعدِّ له مقدماً ومؤخراً وهذا خارج عنه.

الشرط الثاني: أن يكون الغناء من النساء لا الرجال:
فلا يجوز- بناء على هذا الشرط- أن يغني الرجال في الأعراس ويختص الجواز بالنساء فقط. ولا يشمل الجواز- أيضاً- ما يستخدمه البعض من تشغيل الغناء عبر الأجهزة المسجّلة - على اختلاف أنواعها - كما نص عليه بعض الفقهاء.وما عُرف عن([3]) سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي(دام ظله الشريف) من تجويزه سماع الأغاني اللهوية المسجَّلة عبر الكاسيت للمطربات في الأعراس قد أُزيل من الطبعات المتأخرة المنقّحة من رسالة "أجوبة الإستفتاءات"، بل نُص على عدم جواز هذا الصورة من الغناء في جواب استفتاء ورد على موقعه. وبناءً على ذلك: فلا يجوز لمقلدي هذا المرجع الجليل(حفظه الله) أن يستمعوا إلى غناء المطربات من خلال أجهزة التسجيل استناداً إلى تلك الفتوى التي عرفت حالها. على أنه ينبغي للإنسان الحريص على دينه أن يحتاط له مهما أمكنه؛ فلا يبادر لأدنى رخصة يجدها إلى ممارسة قد يرى حتى مرجعه أفضلية تركها، خصوصاً في الموارد التي يدور الخلاف فيها بين الفقهاء بين الحكم الإلزامي – وجوباً كان أو حرمة – والترخيص.

الشرط الثالث: أن لا يدخل الرجال(الأجانب)([4]) على النساء: ولا فرق - في ذلك – بين أن يكون الداخل عليهن هو العريس أو غيره إذا كان أجنبياً عنهن بل بعض الفقهاء منع من دخول الرجال مطلقاً فالجواز مشروط بما إذا لم يدخل الرجال على النساء ولم يختلطوا بالنساء فالمنظور في هذا الشرط هو عدم اختلاط الرجال بالنساء كما نص عليه البعض.
وبناء على ذلك: فإن ما يقع- أحياناً- من قبل بعض الناس- حيث يدخل العريس على محفل النساء في مثل هذه الحالات – ليس جائزاً شرعاً ويكون مصداقاً للمخالفة الشرعية.

الشرط الرابع: أن لا يسمع الرجال أصوات غناء النساء:
فلو كان الغناء بحيث يسمع الرجال الأجانب أصواتهن وهن يغنين بنحو موجب لتهييج الشهوة حرم الغناء لعدم تحقق شرط الجواز بل الأحوط اجتنابه وإن لم يستلزم حركة الشهوة .وبناء عليه فغناءُ النساء في الأعراس في مكبِّرات الصوت بحيث يصل صوت غنائهن إلى مسامع الرجال، أو غنائهن مع حضور الزوج(الأجنبي)([5]) الذي يسمع غنائهن وبالشرط المذكور غيرُ جائز شرعاً والاحتياط بأن لا يُسْمِعن أصوات غنائِهن الرجال مطلقاً.

الشرط الخامس: أن لا يكون الغناء بالقول الباطل:
وذلك فيما لو اشتمل على الكذب - مثلاً- أو ألفاظ الفُحش أو الألفاظ المُهيجة للشهوة الجنسية مما يؤدي إلى الفساد فلو أُدخل في الغناء بعض تلك الأمور أو شبهها - مما يندرج في الكلام والقول الباطل - حرم. ومن هنا فإن استعمال كلمات الأغاني المتعارفة عند المغنين والمغنيات والتي تشتمل – عادة – على مثل القول الباطل ليست بجائزة.

الشرط السادس: أن لا تستخدم في الغناء أدوات اللهو والموسيقى: وينحل لأمرين:
1- عدم استعمال الدفوف وما شابهها: فلا يجوز استعمال مثل الدفوف أو الطبول أو العيدان ونحوها من أدوات اللهو. وبالنسبة للدفوف لم يفرِّق بعضُ الفقهاء بين ما إذا كان مشتملاً على " الصنج" أو "الجلاجل "([6]) فاستعمال الدفوف – على هذا الرأي – حرام مطلقاً سواء اشتمل على " الصنج" أو "الجلاجل" أم لم يشتمل، وسواء أكان في الأعراس أم في غيرها. وقيّد البعض حرمة استعمال الدفوف بما إذا كانت مشتملة على ذلك.هذا بالنسبة لاستعمال آلات اللهو المعروفة كالدفوف والطبول والعيدان وما شابه ذلك. أما لو استعمل بدل الدف بعض الأواني أو غير ذلك مما ليس من آلات اللهو فهل يجوز أم لا ؟ الجواب: هو أن البعض من الفقهاء نصّ على الإشكال أو الحرمة في استعمال الأواني في هذه الحالة - أيضاً- فيما لو « كان الأمر بنحوٍ يناسب مجالس أهل الفسق أو اللهو».وفيما يلي نستعرض بعض الفتاوى:
1- السيستاني: الضرب على الميكروفون محل اشكال.
2- التبريزي: لا بأس بالضرب على الظروف البلاستيكية، واللّه العالم. وفي استفتاء لسماحته : هل يجوز الضرب بآلات غير الموسيقى بكيفية تناسب مجالس اللهو واللعب؟بسمه تعالى؛ إذا كان استعمالها على نحو استعمال آلات اللهو فلا يجوز، واللّه العالم.
3- ( صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 2 ص 290): سؤال 923 : بعض النساء في الأعراس إذا لم يحصل لهن الدفوف يضربن على بعض الأواني التي تحدث صوتا كصوت الدفوف ، ما حكم ذلك ؟ الخوئي : لا يجوز ضرب آلات اللهو أو بنحو ما يضرب في مجالس اللهو ، وإنما المستثنى الغناء لهن بشرط عدم ضم محرم . التبريزي : لا يجوز الضرب بآلات اللهو ، وأما الضرب على غيرها فيدخل في مطلق اللهو ، لا اللهو المحرم ، والله العالم .
4- ( إرشاد السائل - السيد الگلپايگاني - ص 159): ( س - 579 - ) هل المراد من الطبل كل ما يطبل عليه حتى مثل البرميل والطشت أو خصوص ما يعد من أدوات اللهو ؟ بسمه تعالى : لا يجوز استعمال الطبل المعد للهو ، بل كل آلة استعملت في مجالس اللهو عوضا عن آلات اللهو ولو لم تكن آلة معدة لذلك ، والله العالم .
1- خامنائي: أجوبة الاستفتاءات - السيد علي الخامنئي - ج 2 - ص 22 – 23: س 48 : هل يجوز الضرب على الأواني والأدوات التي ليست من آلات الموسيقى في حفلات الزفاف ؟ وما هو الحكم فيما لو انتقل الصوت إلى خارج المجلس وأصبح في معرض سماع الرجال ؟ ج : يدور الجواز مدار كيفية الاستعمال فإن كانت على النحو المتداول في الأعراس التقليدية فما لم تعد لهوية ولم تترتب عليها مفسدة من المفاسد لا إشكال فيها .
2- عدم استعمال الموسيقى: وذلك لأن الجائز من غناء النساء في الأعراس- بناءً على هذا الشرط- هو الغناء المجرّد من الموسيقى. وبالنسبة للموسيقى - التي يشترط خلو غناء النساء في الأعراس منها – فإنّ البعض أطلق ولم يقيِّدها بشيء، والبعض الآخر أضاف قيد « المناسبة لمجالس أهل اللهو والفسوق»، فغناء النساء في الأعراس إذا لم تصحبه موسيقى أو كانت الموسيقى غير مناسبة لمجالس اللهو يكون جائزاً على هذا الرأي.ومن هنا تعرف حكم ما تعارف عند البعض من استئجار "الفرق الغنائية الموسيقية" لمناسبات الأعراس فإنها- وبحالتها تلك- تجتمع فيها مجموعة من الإشكالات.

الشرط السابع: أن لا يكون معه رقص:
فجواز "الغناء في الأعراس" مشروط بأن لا يكون معه رقص. وقد جوّز بعض الفقهاء رقص النساء أمام النساء في مجلس الزفاف، وبعضهم قيّد الجواز بأن لا يكون على غرار إيقاع موسيقي منظّم و إلا حرم مطلقاً في مجلس الزفاف أم في غيره، حتى رقص المرأة أمام الزوج([7]).وقال بعض الفقهاء بأن الحرام من الرقص هو ما كان مؤدياً لتهييج الشهوة والفتنة أو كان موجباً لترتّب المفسدة وما سواه يكون جائزاً. وهناك - من بين الفقهاء – من حرّم كل ما يصدق عليه – عرفاً- عنوان الرقص.ومن هنا تعرف حكم ما تعارف عند البعض من استئجار "الفرق الغنائية الموسيقية" لمناسبات الأعراس فإنها- وبحالتها تلك- تجتمع فيها مجموعة من التجاوزات والإشكالات.

الثاني : الرقص:
من المحرمات التي قد تحصل في الأعراس الرقص وفيما يلي ننقل الأقوال فيه:
السيستاني: السؤال: هل يجوز الرقص في أيام مواليد الأئمة الأطهار ويكون الغناء على أهل البيت (عليهم السلام)؟ الجواب: لا يجوز على الاحوط.انتهى وفي الاستفتاءات الموجه لسماحته احتاط بتركه إلا من الزوجة لزوجها والعكس.
الخوئي: ( س ) هل يجوز الرقص والتصفيق للرجال في المناسبات كالأعراس وهل يجوز ذلك للنساء ؟ . ( ج ) لا بأس بها في نفسها ما لم يتضمن محرما كانضمام الرجال بالنساء ونحوه والله العالم . ( س ) ما الحكم حين يوجد المحارم أو النساء مع الزوج ؟ . ( ج ) يجوز مع الزوج والنساء دون الرجال أيا كانوا ( محارم وغيرهم ) .
الكلبيكاني: ( س - 566 - ) هل يجوز الرقص للنساء في الأعراس ، وما حكم إجرائه أمام العريس إذا كان محرما للراقصة ؟ وهل يجوز للمرأة الرقص أمام زوجها مطلقا ؟ بسمه تعالى : لا يجوز الرقص مطلقا ، إلا رقص الزوجة لزوجها فقط والله العالم .
(توضيح المسائل - الشيخ محمد تقي بهجت - ص 544 – 545): ( 2184 ) - في رقص المرأة في مجالس النساء إشكال ، وكذا في رقص الرجل في مجالس الرجال ، والأحوط وجوبا الترك فيهما .
(حواريات فقهية - السيد محمد سعيد الحكيم - ص 334): - ومن آلات القمار انتقل إلى الرقص ، فأسأل عن رقص الزوجة لزوجها من أجل إسعاده أو إثارته ؟ - يجوز لها ذلك . - ورقصها أمام زوجها بحضور جمع من النساء في حفلة مثلا ؟ - يجوز لها كذلك ، ولكن لا يجوز لها أن ترقص أمام غير زوجها من الرجال .
خامنائي: يحرم الرقص إذا كان بكيفية مثيرة للشهوة أو استلزم فعل الحرام سواء في ذلك الرجال والنساء ، وسواء كان أمام الأجانب أم المحارم . كما لا إشكال في رقص الزوجة أمام زوجها وكذا العكس إذا لم يستلزم فعل الحرام .
الحل البديل:
الابتعاد عن ألحان الغناء والاقتصار على النشيد البعيد عن أجواء اللهو والطرب وتضمين الشعر معاني التحميد والتكبير ومعاني الخير والخلق والبركة.وقد روى ابن شهر آشوب في مناقبه ما يلي: « أمر النبي بنات عبد المطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة وأن يفرحن ويرجزن ويكبِّرن ويحمدن ولا يقولن ما لا يرضي الله» ([8]).وفي رواية الشيخ الطوسي([9])- في وصف زفاف سيدتنا الزهراء(عليها السلام)-: «... فإذا هو بجبرئيل في سبعين ألفاً، وميكائيل في سبعين ألفاً. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أهبطكم إلى الأرض؟ قالوا: جئنا نزفُّ فاطمة إلى زوجها علي بن أبي طالب فكبّر جبرائيل، وكبّر ميكائيل، وكبّرت الملائكة، وكبّر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة. » انتهى.

الثالث: الموسيقى واستعمال أدوات اللهو:
السيستاني: الموسيقى فما كان منها مناسبا لمجالس اللهو واللعب كما هو الحال فيما يعزف بآلات الطرب كالعود والطنبور والقانون والقيثارة ونحوها فهي محرمة كالغناء ، وأما غيرها كالموسيقى العسكرية والجنائزية فالأحوط الأولى الاجتناب عنها أيضا .
( إرشاد السائل - السيد الگلپايگاني - ص 156): ( س - 569 - ) هل المراد من الموسيقى المحرمة خصوص الموسيقى اللهوية أو كل ما يصدق عليه عنوان الموسيقى عرفا ؟ بسمه تعالى : يحرم كل ما يصدق عليه عنوان الموسيقى عرفا ، والله العالم .
الخوئي والتبريزي: الحرام في الكيفية هو ما يناسب مجالس الطرب واللهو ، وما يستعمل بالآلة المعدة للهو وإن لم يقصد بها اللهو ، والله العالم سؤال 1005 : هل يجوز استخدام بعض الآلات الموسيقية في المناسبات الدينية أو الأناشيد الإسلامية ؟ . الخوئي : لا مانع منه إذا كانت مشتركة ، وأما إذا كانت مختصة للمحرمات فلا يجوز استعمالها حتى في الكيفية غير المحرمة مثل ما ذكر ، والله العالم . السؤال 1023 : آلات الموسيقى كلها بطبيعة الحال معدة فيما يبدو للهو في هذا الزمان ، فلو فرض أن الموسيقى الصادرة عن هذه الآلات ليست مما يتعاطاه أهل الفسق والفجور جزما فهل تكون محللة ، وإذا كانت محرمة فهل إن صنع أمثال هذه الآلات بقصد الاقتصار في استعمالها على خصوص ما لا ينطبق عليه عنوان ( ما يتعاطاه أهل الفسق والفجور ) فهل هذا يغير الحال فيجيز الصنع والاستعمال والاستماع ؟ الخوئي : إذا عدت من آلات اللهو عرفا حرم استعمالها وصنعها مطلقا . التبريزي : يضاف إلى جوابه ( قدس سره ) : نعم إذا فرض خروجها عن آلات اللهو أو صنعت آلة مشتركة فلا بأس . سؤال 1024 : هناك آلات موسيقية مثل الطبل والمزمار والضرب بالأوتار من ضمنها العود والبيانو هل هذه آلات لهوية ، وهل صنعت للهو ؟ الخوئي : نعم واللعب بها والعزف عليها لا يجوز .
الخامنائي: لا يجوز استعمال الآلات الموسيقية لعزف الموسيقى اللهوية المطربة المتناسبة مع مجالس اللهو والطرب . والموسيقى المطربة هي التي تخرج الإنسان نوعا عن حالته الطبيعية ، وتشخيص ذلك موكول إلى العرف .
توضيح المسائل - الشيخ محمد تقي بهجت - ص 548: ( 2203 ) - يحرم استعمال الآلات اللهوية في اللهو مطلقا . والأحوط وجوبا الاجتناب عن استعمالها في غير موارد اللهو . أما الموسيقى فيحرم الاستماع إلى المطرب منها . والمدار في الإطراب على ما من شأنه ذلك فيحرم استماعه وإن لم يحصل منه الإطراب بالفعل للمستمع .

الموسيقى المشكوكة:
1- السيستاني : لا بأس به كما لا بأس بما يشك - من جهة الشبهة المصداقية - في كونه غناء أو ما بحكمه
2- التبريزي: هل يجوز الاستماع أو الضرب بالموسيقى المشكوكة كونها مناسبة لمجالس اللهو واللعب، وذلك للحد من انحراف الناس نحو استماع الموسيقى المحرمة قطعاً؟ بسمه تعالى؛ الأحوط ترك الضرب بها والاستماع إليها، وقد ورد في الروايات أن من ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له أترك، واللّه العالم.
3- (صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 1 ص 371): سؤال 1015 : كيف يعرف أن الغناء أو الموسيقى يناسبان أهل اللهو والطرب ، وما الحكم مع الشك في ذلك ؟ وعلى من يعول في معرفة ذلك ؟ الخوئي : يعول على العرف والمشكوك منه محكوم بعدم الحرمة . التبريزي : قد تقدم أن الأحوط الترك . سؤال 1437 : هل يجوز استماع الموسيقى التي يشك في كونها محرمة ، وما هو المعيار في تحريمها ؟ التبريزي : الموسيقى اللهوية يعني التي تناسب الغناء اللهوي حرام كحرمة الغناء ، وشك العامي قبل تعلم الحكم لا أثر له ، ولو فرض الشك بعد تعلمه فلا بأس بالمشكوك ، والله العالم .

الرابع: التصفيق:
1- السيستاني: يجوز ولكن لا ينبغي أن يحل محل الصلوات و الذكر .
2- الحكيم: التصفيق بنفسه ليس محرماً إذا لم يقترن بمحرم آخر، نعم الأحوط وجوباً اجتناب ما يكون منه على غرار إيقاع موسيقي منظّم. ولكن لا ينبغي التصفيق في المساجد والحسينيات حفاظاً على حرمة هذه الأماكن وقداستها.
3- السيد محمد الشاهرودي: التصفيق بنفسه لم نجد دليلا على حرمته لكن إذا كان في مجالس الرجال لابدّ أن تكون خالياً عن الملاهي وعن الألحان اللهوية المطربة ، وأما في مجالس النساء فكذلك تجب أن تخلو عن تلك الأمور ، وأيضاً أن لاتصل أصواتهنّ إلى الرجال .
4- التبريزي: لا يجوز التصفيق في مناسبات ميلاد الأئمة (عليهم السلام) وأفراحهم، ولا فرق بين كون ذلك في المأتم أو أي مكان آخر، فإن التصفيق لهو لا يناسب مقاماتهم (عليهم السلام). ولا بد أن يميز بين الزواج الذي لسائر الناس والأفراح المتعلقة بالأئمة (عليهم السلام).
5- الشيخ بشير النجفي: ما حكم التصفيق في الحسينية أيام الزواج ومناسبات مواليد أهل البيت عليهم السلام؟ وما حكم إذا ترتب على التصفيق في الحسينية خلاف بين الأخوة في هذا المسألة بين مؤيد لها ومعارض؟ ج: بسمه سبحانه: التصفيق وإن لم يكن محرماً إلا أنه أمر غير رزن وإبداء الاحترام أو الفرح به تسلل إلينا من الغرب كغيره من العادات والتقاليد القبيحة في نظر الملتزمين بالرزانة فعليه من المفضل أبداء الفرح بالمناسبات الدينية بالتكبير والتهليل والصلاة على النبي وآله ورفع الصوت مع الاتزان بذكر كلمة الجلالة مثل يا الله كما هو مألوف في حال الاستماع إلى التلاوة القرآنية بصوت حسن وإن حصل شجار أو خلاف بين مؤيد ورافض فلابد من حل النزاع بالتوافق وبضبط الأعصاب وهدوء النفس والله العالم.
6- الشيخ اللنكراني: ما حكم التصفيق بالأيدي بالنسبة للرجال في مناسبات أهل البيت وغيرها في مواطن الفرح المشروعة؟الجواب ـ بسم الله الرحمن الرحيم سلام عليكم : لا بأس به في نفسه إذا لم يكن وهناً، ولم يكن في المساجد والحسينيات فإنّ فيهما لا يجوز التصفيق. وعلى أي حال ينبغي في هذه المجالس ذكر المناقب والفضائل وإنشاد الأشعار في مدح أهل بيت النبي (عليهم السلام) وذكر الصلوات على النبي والآل صلوات الله عليهم أجمعين.والسلام. ( س - 564 - ) هل يجوز التصفيق للنساء وغير النساء في مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والعترة عليه السلام وغيرهما ؟ بسمه تعالى : لا يجوز ذلك ، والله العالم . ( س - 565 - ) ما حكم التصفيق في الأعراس وغيرها ؟ بسمه تعالى : لا يجوز إذا كان مناسبا لمجالس اللهو ، والله العالم .
7- السيد الخامنئي : ما هو حكم التصفيق الذي يترافق مع الفرح والإنشاد وذكر الصلوات على النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين في الاحتفالات التي تقام بمناسبة مواليد المعصومين وأعياد الوحدة والمبعث؟ وما هو الحكم فيما لو أقيمت مثل هذه الاحتفالات في أماكن العبادة كالمساجد وأماكن الصلاة في الدوائر والمؤسسات الحكومية أو الحسينيات؟ ج: عموماً لا بأس في التصفيق في نفسه على النحو المتعارف في احتفالات الأعياد، أو للتشجيع والتأييد ونحو ذلك. ولكن من الأفضل أن تعطَّر أجواء المجلس الديني بالصلوات والتكبير، خصوصاً في المراسم التي تقام في المساجد والحسينيات وأماكن الصلاة، لكي تحظى بثواب الصلوات والتكبير.
8- السيد الخوئي : هل يجوز التصفيق والتصفير إن كان يقصد بهما التشبه بالموسيقى والغناء ؟ الفتوى: الخوئي: لا بأس بهما في أنفسهما ، والله العالم.
9- (توضيح المسائل - الشيخ محمد تقي بهجت - ص 549 – 550): ( 2213 ) - يجوز التصفيق في مجالس الاحتفال - كمواليد الأئمة ( عليهم السلام ) - ومجالس الخطابة تشجيعا للخطيب إذا لم يبلغ حد اللهو .

الخامس : ما يحرك الشهوة من قول أو غزل أو يستلزم فساداً:
لا يجوز التلفظ بكل ما من شأنه أن يهيج الشهوة ويحركها ويخلق أجواء الفساد ويجر للحرام فإن ذلك محرم بالإتفاق.
السيستاني: السؤال: ما حكم الغزل في الشعر و قراءته ؟الجواب: التشبيب بامرأة مؤمنة حرام ولکن الغزل والنسيب أو قراءة الشعر الغزلي جائز نعم لو أثار الشهوة ولم تأمن من الوقوع فی الحرام فلا يجوز کما أن الاحوط استحبابا ترك ما يثير الشهوة منه مع الأمن من الوقوع فی الحرام. السؤال: هل يجوز التغّزل نظماً أو نثراً بامرأة غير معّينة أو بالنساء عمومًا ؟الجواب: إذا خلا عن التمنّي الحرام ونحوه , ولم تترتب عليه مفسدة أخرى , فلا باس .

السادس: الإختلاط بين الجنسين:
لا يجوز إذا كان مستلزماً للفساد ومؤدياً للتحلل الخلقي أو لتحريك الشهوة.
( صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي ): سؤال 1007 : هل يجوز اجتماع الرجال والنساء ( الأجانب بعضهم مع بعض ) سوية لانشاد الأناشيد الحماسية أو الدينية مع ما فيها من موسيقى وترقيق وتفخيم ومد في الأصوات وغيرها ؟ الخوئي : إذا لم يترتب عليه محرم من جهة الاجتماع أو منهما معا فلا بأس .

ملاحظة: لا ينبغي للمؤمنين ولا المؤمنات القيام بما من شأنه أن يضعف حالة الحياء التي يجب توفرها لصون العفة وللابتعاد عن مواطن الإبتذال ففي الرواية عن أمير المؤمنين (ع) : سبب العفة الحياء.
السادس : الكذب.

فقه المواليد:
يحرم فيها ما يحرم في الأعراس من الغناء والرقص وغيرها وتزيد عليها بـ:
الأول: حرمة هتك ما لا يجوز هتكه: ولذلك مصاديق منها:
1- صاحب المناسبة وزمانها : فلا يجوز القيام بما من شأنه أن يعد هتكاً لصاحب المناسبة أي المعصوم حيث أن هذا الاحتفال ينسب إليه وقد لا يناسبه بعض الحلال فضلاً عن الحرام . لذا نجد أن بعض الفقهاء أفتى بحرمة التصفيق في مناسبات أهل البيت كالشيخ التبريزي والشيخ اللنكراني وإن لم تكن في نفسها محرمة. وقد سئل السيد السيستاني عن الموسيقى في عزاء المعصوم فأجاب: يجوز بكيفية لا تناسب مجالس اللهو واللعب بشرط لا يكون استعمالها بحسب عرف المحل مشيناً بعزاء سيد الشهداء أرواحنا فداه . وفي بعض الاستفتاءات جعل المناط كونه مشيناً بحسب ارتكاز المتشرعة.
2- مكان الاحتفال : كالمسجد والمأتم فما كل مباح يجوز ارتكابه في مثل هذه الأماكن فالموسيقى المحللة لا يناسب أن تعزف في مثل المسجد أو المأتم. وفيما يلي ننقل بعض الاستفتاءات في ذلك:
أ‌- السيستاني: السؤال: تقام حفلات عقد قران في بعض المساجد ويحدث في خلال هذه الحفلات كلام من الحضور لا يليق بشان المسجد كإحداث ما تسمی بالنكتة المثيرة للضحك فهل يعد هذا التصرف هتكاً لحرمة المسجد؟الجواب: لا يعتبر كذلك إلا إذا تجاوز الحدود المتعارفة المعمولة.
ب‌- خامنائي: س 406 : في بعض المناطق ، ولا سيما في القرى ، يقيمون مجالس للأعراس في المساجد أي أنهم يقيمون مجلس الرقص والغناء في البيت ، ولكنهم يتناولون طعام الغداء أو العشاء في المسجد ، فهل هذا جائز شرعا أم لا ؟ ج : إطعام المدعوين في المسجد في نفسه لا إشكال فيه ، ولكن إقامة مجالس الأعراس في المسجد مخالفة لمكانة المسجد إسلاميا وغير جائزة ، وارتكاب المحرمات الشرعية من قبيل الاستماع إلى الغناء والموسيقى اللهوية المطربة حرام مطلقا .
ت‌- خامنائي: س 410 : هل هناك إشكال شرعا في بث الموسيقى المفرحة بمناسبة أعياد ميلاد الأئمة المعصومين عليهم السلام من المسجد ؟ ج : من الواضح أن للمسجد مكانة شرعية خاصة ، فإذا كان بث الموسيقي فيه لا يتناسب مع مكانته فهو حرام ، حتى وإن كانت الموسيقي غير مطربة .
3- المنشد : فقد يكون المنشد شخصاً لا يناسب أن ينسب لخدمة المعصوم فإنشاد المشهور بالفسق في مناسبات المعصومين قد يعد توهيناً وهتكاً لها.(( صراط النجاة - الميرزا جواد التبريزي - ج 2 - ص 563 – 564- سؤال 1743: إذا كان الرادود ( القارئ في مواكب العزاء ) فاسقا سواء كان متجاهرا أم لم يكن كذلك ، هل يجوز له أن يشيل في مواكب العزاء ، وماذا ينبغي للمؤمنين التصرف معه ، هذا مع عدم قبوله للنصح واصراره على المعصية ؟ التبريزي : إذا كان الرادود متجاهرا بفسقه ، أو كان عند الناس معروفا بذلك فتصديه لعزاء أهل البيت عليهم السلام يعد وهنا لعزائهم ( سلام الله عليهم ) ، والله العالم )).
4- التمثيل: وقد سئل السيد السيستاني بما نصه: هل يجوز تصوير أو إخراج مشهد يظهر فيه النبي محمد (ص) ، أو أحد الأنبياء السابقين ، أو الأئمة المعصومين (ع) ، أو الرموز التاريخية المقدسة على شاشة السينما أو التلفزيون ، أو على المسرح؟ الجواب: إذا روعي فيه مستلزمات التعظيم والتبجيل ، ولم يشتمل على ما يسيء إلى صورهم المقدسة في النفوس ، فلا مانع.

الثاني: اظهار ما لا يجوز اظهاره:
فهناك من المعاني والأسرار التي لا يناسب طرحها على الملأ فقد تجر للمذهب وهناً أو توجب عنه نفوراً لا سيما مع علم الرادود ببث كلماته في الفضائيات.

والحمد لله رب العالمين.





[1] - لاحظ مثلاً شهر رمضان تجده تحوّل من شهر عبادة إلى شهر مسابقات وحفلات وأكلات حتى أن الناس يأكلون فيه أكثر مما يأكلون في سائر الشهور ، ثم لاحظ نزاع الناس على إدارة المآتم ، وكذا لاحظ تدافع الناس في الطواف والجمرات وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة .
([2]) كحفلة العقد أو "سفرة العجم" أو "حفلة الحناء"، هذا بالنسبة للحفلات المرتبطة بالعقد، ومثله في عدم الجواز ما كان سابقاً على الزفاف بزمن لا يرتبط بالزفاف ولا بالمجلس المُعدّ له - مقدما ومؤخراً – عرفاً. فكل تلك الحفلات لا تدخل في الضابطة التي ذكرها الفقهاء كشرط للجواز فتبقى في دائرة الحرمة.
([3]) جاءت هذه النسبة في رسالة "أجوبة استفتاءات" وإليك نصها:
> س51: هل يجوز الاستماع إلى الأغاني في الأعراس من خلال استخدام الراديو أو جهاز التسجيل (الأشرطة)؟
ج: لا مانع من الاستماع إلى الأغاني في مجلس زفاف العروس.< انتهى. وقد راجت هذه الفتوى بشكل كبير بين الناس خصوصاً وأنها قد نقلت على بعض الفضائيات وفي بعض الكتب الأخرى.
وقد حذفت هذه المسألة وجوابها في الطبعة الخامسة المنقحة. ويجدر التنبيه إلى أنه تم إدخال أكثر من تغيير على تلك الإستفتاءات وقد حذفت بعضها - كما في مورد مسألتنا وغيرها – وهذِّبت بعض الأجوبة كما في المسألة (49) من الطبعة الأولى والتي تسأل عن استعمال الدف في الأعراس والتي حُذف منها ذيل جواب المسألة بكامله. فلاحظ.
([4]) المقصود بالرجل الأجنبي - هنا- هو غير الزوج أو غير أحد المحارم (كالأب والأخ والعم والخال وما شابه) فابن الخال وابن العم الذي لا يرتبط مع المرأة بعلاقة زوجية هو أجنبي على المرأة ولا يجوز لها أن تتكشف أمامه، ورابطة النسب تلك لا تجوّز للمرأة أن تتكشّف أمامه كما يحدث- اشتباهاً أو تجاوزاً- في بعض الحالات.
([5]) سواء كان حضوره للتصوير، أم لتلبيس العروس الذهب، أم لغير ذلك، فكل تلك الأمور لا تبرِّر – شرعاً- للنساء الغناء بحضوره.
([6]) المقصود بها الحلقات المعدنية الصغيرة التي تصدر أصواتاً إذا ضرب الدف أو حرّك.
([7]) اختلف الفقهاء في رقص المرأة أمام زوجها، فبعضهم جوّزه وبعضهم منع منه ومن مطلق الرقص. وبعض مَن جوّزه اشترط أن لا يصاحبه شيء آخر كالموسيقى أو الغناء.
([8]) مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: 3 / 130.
([9]) الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 258.