الاثنين، 27 ديسمبر 2010

وداعاً أبا رضا


مرثية الشيخ محمد جابر الحجري (قدس سره)

رثاء الأخ العزيز الشيخ محمد جابر الحجري
هذه القصيدة في رثاء الأخ العزيز فقيد المنابر الحسينية الشيخ محمد جابر هلال الحجري الذي غيبه الموت بعد صراع مرير مع المرض ، وكان الفقيد أخاً مخلصاً صحبني وصحبته في الحل والسفر ، من تلامذة المرحوم أستاذي المقدّس الشيخ أحمد مال الله (قدس سره) ، إمتاز بشجاء الصوت وحسن الأداء في منبره ، كان تحصيله العلمي في البحرين لدى فضلائها ، خدم المنبر قرابة خمسة وعشرين عاما ،توفي في شوال 1431هـ ودفن في مقبرة الحجر ، وقد ألقيت هذه القصيدة على قبره في ختام فاتحته ( قدس الله روحه ونور بالحسين ضريحه )

***
تغرورقُ اليومَ حزناً مقلةُ الحجرِ* على فقيدٍ ثوى في تربةِ الحجرِ

مابُلَّ قبرٌ لهُ إلا بأدمعنا* لماهَمَت جزعاً تبكيهِ كالمطرِ

ياراحلاً نحنُ عنك الراحلون وفي* زفيرِنا حرقةٌ من أعمقِ الكدرِ

غادرتنا كي تكون الحيَ في زمنٍ * نعودُ موتى بهِ في غابرِ السيرِ

مابالُ عينكَ ذُبلى وهي ترمقُنا *مذ غالها المرضُ المفضي إلى السفرِ

أم كيفَ عن وردتي خديك ساغَ لنا* وِردٌ وريحك روح الورد والزهرِ

أين ابتسامتك الملأى ببهجتِها* وارى محاسنَها تربٌ عن النظرِ

أم نبرةٌ من حنان الصوت جُدتَ بها* على محبيكَ غابَتْ دونَما أثرِ

إلا الصدى في قلوب الناسِ يحفرُها* حفراً على رغم سكنى اللحد والحفرِ

هذا أنينُك مازالت صواعقُهُ* على القلوب لهيباً أيَّ مستعرِ

فالأربعون اْنطوت ولهى لبارئها* طيَ السجلِّ بكفّ الموتِ والقدرِ
أخي فقدتُك ذخراً كنتُ أحسبُهُ* في النائباتِ يقيني سطوةَ الخطرِ

واليوم أصبحَ دمعي أي منهمرٍ* حزناً وأصبحَ ظهري أي منكسرِ

فيا أُخيَّ وداعاً ملؤهُ ألمٌ* أخفيتُهُ فأبى يبقى كمستترِ

ففاضَ دمعاً وأناتٍ تقاذفُها* أمواجُ فقدِكَ ما إنْ عشتُ من عُمري

أبا (الرضا) كلُ شئٍ منك أذكرُهُ* أغفو فتوقظني الآهاتُ في الصورِ

أبا (الرضا) هذه الأعوادُ نادبةٌ* لمّا أُصيبَتْ بكسرٍ غيرِ منجبرِ

تبكي لفارسِها لمّا ترجَّلَ عنْ* عليائِهِ ورقى نداً إلى القمرِ

يامخلصاً لحسينٍ في مودتِهِ* حتى ملأت كيانَ السمعِ والبصرِ

طوبى لأنك جاورت النبيَ بهِ*(بالفوز في زمرة من أفضل الزمرِ)

طوبى لأنك جاوَرت الوصيَ وكمْ* أهداكَ من تحفٍ لاحت كما الدررِ

طوبى لأنك جاورت البتولَ وقد* ألقت عليك رداءاً غيرَ منحصرِ

هو الشفاعةُ في الأخرى لشيعتِها* والناس في محشرٍ كالسيل منحدرِ

طوبى بقرب كريم الآل تنظره* وهو الكريم الذي قد جاد للبشرِ

طوبى لأنك في سلك الحسينِ وقد* وفقت في خدمةٍ محمودةِ الثمرِ

حتى انتظمت بسلك الخالدين بنا* مجداً كما تُنظمُ الآياتُ في السورِ

تلقي الرثاءَ شجيَ الصوت تسمعُهُ* منك الملائكُ حينَ الفجر والسحرِ

واليت آل رسول الله محتسباً* وكنت ممن تبروا منه أي بري

سعيت في خدمة الإخوان ما اتسعتْ* منك الأكف بلا سأم ولا ضجرِ

حتى كُتبت حميدَ الذكر قد ختمتْ* بك المآثرُ في تاريخها العطرِ
9شوال 1431هـ

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

رحيل الشيخ محمد علي العكري

ورحل الشيخ العكري
رجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


في يوم الجمعة الموافق 18 من محرم الحرام 1432هـ ، الموافق 24 ديسمبر 2010م ، أعلن نبأ وفاة الشيخ محمد علي العكري ، أحد الرجالات الذين ساهموا في النشاط الديني الملحوظ في الفترة بين السبعينات والثمانينات ، وقد كان سبباً لتدين الكثير من الشباب وهنا محاولة لترجمته بما توفر لدي من معلومات :

1- إسمه ونسبه :
هو الشيخ (محمد علي) بن ملا منصور بن محمد بن منصور العكري ، وقد رأيت له في بعض مخطوطاته يكتب إسمه هكذا ( محمد علي جعفر مهدي ) بن الحاج منصور العكري ، وهو إضافة منه _ رحمه الله _ حيث كان محباً لأسماء أهل البيت صلوات الله عليهم ويرغب في إضافتها لإسمه ، والله تعالى العالم ، أصل هذه الأسرة من قرية العكر ولذلك التصق اللقب بهم حتى بعد انتقال والده المرحوم الملا منصور إلى قرية الديه واستيطانه فيها فأصل هذه الأسرة من قرية العكر ، وكانت الديه سكناً ومنشأ لشخصية صاحب الترجمة .
2- والده :
والد الشيخ شخصية لها ارتباط بالجو الديني وهو الملا منصور بن محمد العكري خطيب ، وشاعر معروف وله ديوان هم المرحوم الملا محمد علي الناصري بطباعته ، ولم يطبع لليوم لضياعه وقد عثر عليه مؤخراً وهو يضم لوناً جيداً من الشعر الشعبي الحسيني ، كان والده أحد أشهر قارئي المنتخب للطريحي ، امتهن الفلاحة وصيد السمك فترة من حياته ولازم الخطابة سنوات من عمره وقرأ في الكثير من قرى البحرين، وترك الخطابة قبل وفاته بعشرين أو خمس وعشرين عاماً ، مؤسس حسينية العكري في الديه ، وأحد قارئي المراثي والمدائح في الأعراس وله فيها أطوار خاصة حدثني عنها بعض كبار السن والشيخ الفقيد أيضاً ، توفي الملا منصور في 30 أكتوبر 1984م الموافق ، 6 صفر 1405هـ عن عمر يناهز الخامسة والتسعين وله خمسة أولاد ، وأربع بنات . منهن معلّمة القرآن الحاجة فاطمة بنت ملا منصور ، وقد امتهن من أولاده اثنان مهنة الخطابة وتتلمذا على أبيهما وهما ( صاحب الترجمة ) وأخوه الأكبر ( ملا حسن ) وهو والد الناشط الحقوقي عبد النبي العكري .
3- ولادته :
ولد الشيخ محمد علي العكري في العام 1941م ، في حدود العام 1360هـ تقريباً ، في قرية الديه حيث سكنى والده في بيت متدين عرف عنه انتماؤه للحسين عليه السلام والحسينية ، وبالخصوص في جوار حسينية ( العكري في الديه ) التي أسسها والده في نهاية الستينات ، مما وفر لنشوء شخصيته في جو ديني ملتزم ظهر أثره على الولد فيما بعد .
4- تحصيله العلمي :
بدأ حياته العلمية بقراءة القرآن وتعلمه ، وتعلم الخطابة أيضاً على يد والده بأساليبها وطرقها ( التصنّع ) ولازم والده لسنوات ، ثم توجه للعمل حيث كان يعمل في وزارة الصحة بجانب توجهه لطلب العلم ، والجدير ان الشيخ يجيد اللغة الإنجليزية وقد أفاد منها في تبليغه ، وقد دأب على تحصيله في مدرسة الشيخ عبد الحسن عند بعض مشايخها لسنوات ، وفي حدود إطلاعي لم يرتبط بحوزة النجف الأشرف أو قم المقدسة في تلك الفترة _ والله تعالى العالم _ كما أن الشيخ رحمة الله عليه كان متواضعاً من الناحية العلمية والتحصيل ، إلا أنه يمتلك إطلاعاً لا بأس به في الدين ، رأيت له مراسلات لعلماء النجف في استفتاءات للبحرين تعنى بالشأن الإجتماعي وشؤون الناس والموظفين ، ومسائل ابتلائية من السبعينات .

5- وكان خطيباً :
وكان رحمة الله عليه خطيباً بارعاً ، إلا أنه لم يهتم بجانب الخطابة في حياته كثيراً ولم يوله إهتماماً بسبب انشغالاته الكثيرة ، وقد استمعت إليه وهو يملك صوتاً شجياً وطرقاً في الخطابة قديمة مندثرة كطريقة ( النهامة )، حكى لي أكثر من واحد ان والده كان يدأب على قراءتها وأما موضوعاته ومحاضراته فقد كان يسلط فيها الضوء على الأمور الإجتماعية ، فكانت مجالسه ومحاضراته مفيدة لا تخلو من توجيه النقد السياسي والإجتماعي .

6- إمام في الجمعة والجماعة :

دأب الشيخ على إمامة الجماعة لسنوات في قرية الديه في بعض مساجدها ، ولكنه بجانب ذلك كان إماماً للجمعة أيضاً في مسجد الشيخ درويش في الدراز لسنوات ، وكان يقيمها على رأي الشيخ يوسف العصفور الذي لا يشترط إجتهاد وفقاهة الإمام في الجمعة ، ورغم قلة الحضور عنده فقد لا يتجاوزون أصابع اليدين _ اي بأدنى ماتنعقد به صلاة الجمعة _ فكان يأتي بشروطها ، إلا أنه لكثرة احتياطاته كان يعيد الصلاة ويأمر من معه بالإعادة ، وكانت خطبه حماسية وملتهبة ثم انقطع في فترة الأحداث وبعد عودة الشيخ عيسى أحمد قاسم للدراز إماماً للجمعة

7- نشاطه في التبليغ الديني :
كان عطاء هذا الرجل في مجال التبليغ الديني بلا حدود فقد أوقف نفسه وماله ووقته في تبليغ الدين ونصح المؤمنين فجزاه الله خير الجزاء ، ويمكن ان نلخص دوره الريادي في مجتمع متواضع وبسيط وبقدرات متواضعة ، قد أنتجت وأثمرت جيلاً يحفظ الدين متديناً متمسكاً بأهل البيت عليهم السلام ، حتى على صعيد العمل المؤسساتي .
لقد كان الشيخ بمفرده مؤسسة متنقلة للتبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مارس هذه الشعيرة على كل الأصعدة في المجتمع فتراه في القرية ينصح هذا ويأمر تلك المرأة بالحجاب ، ويدعو للطاعات وبحسب إطلاعي الشخصي وسؤال بعض معارف الشيخ والمقربين منه فقد كان شعلة نشاط في الحفاظ على الجو الديني ويمكننا أن نلخص دوره في التبليغ في عدة نقاط :
1- التحرك الشخصي للقضاء على بؤر الإنحراف في قرية الديه وبعض المناطق المجاورة بالنصح والإصلاح والتدخل ولو كلفه ذلك إهانات الناس له ، وقد تعرض للإيذاء ودخول مراكز الشرطة مراراً بسبب توجهه للقضاء على الإنحراف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد أثمر هذا الجهد الكثير وهو مخزون في ذاكرة الكثير من فتيات البحرين وشبابهم من الأجيال المعاصرة له . وله يد وباع في دحر جماعة ممن دأب على الترويج للمخدرات وهدم شباب القرى فكانت بينه وبينهم مواجهات مشهودة . ولم يأل جهداً في توعيتهم ونصحهم حتى أدى دوراً في هذا المجال.
2- التعليم الديني في قرية الديه وبعض القرى ، لقد ركز الشيخ على ضرورة تثقيف الشباب وتوجيههم وربطهم بالدين عبر الدروس التي كان يهيئ لها وبالخصوص للفتيات الصغيرات حيث أعانته في ذلك بعض بناته جزاهم الله خير الجزاء ، واهتم بتعليم الصغار الدين وتلقينهم مبادئه ، ودروس تعليم الصلاة ، مازالت عالقة في أذهان الكثيرين حيث كان معلم الصلاة لهم هو سماحة الشيخ رحمه الله ، وكان نشاطه التبليغي قد بلغ ذروته في المنتصف من الستينات والسبعينات ، والثمانينات .
3- مقاومة المد والفكر الشيوعي في السبعينات ، ولقد كان له دوراً رحمة الله عليه في مواجهة النشاط الشيوعي والأفكار الإلحادية التي انتشرت في أوساط الشباب في تلك الفترة ، فكان يلقي المحاضرات ويتخذ من منبره سلاحاً لمواجهة تلك الأفكار الملحدة التي انتشرت تلك الفترة في بعض الأوساط في البحرين
4- تأسيس (الجمعية الحسينية التعاونية ) في قرية الديه ، في مبنى الحسينية المعروفة بمأتم العكري ، مارس خلالها نشر الوعي الديني في أوساط الشباب حيث كان يؤمها الكثير منهم يتلقون المعارف الدينية من فقه وسيرة وتفسير ودروس في العقيدة وكان بها جماعة من المدرسين . ومن أهداف الجمعية بجانب نشر الفكر الديني ، جمع الأموال والتبرعات لغير القادرين على الزواج وقد ساهم بدعم الكثيرين في هذا المجال . وقد جاء في بعض المنشورات التي كانت توزع في العام 1975م مايلي كإعلان مانصّه : [ الجمعية التعاونية الإسلامية الحسينية ، لنشر المعارف الإسلامية وإقامة الشعائر الحسينية وإحياء الحفلات الدينية والقيام بالأعمال الخيرية ،تعتمد جمعيتكم هذه على تعاونكم معها مادياً ومعنوياً في منطقتكم هذه ( جدحفص والسنابس والديه )وتهيب بالمسلمين جميعاً في القرى وخارج البحرين للتعاون معها مادياً ومعنوياً .

* تزاول القيام بأعمالها ابتداءاً من أول شهر رمضان المبارك بتلاوة القرآن المجيد ونشر المواعظ والإرشاد والقراءة الحسينية وستستمر بعد شهر رمضان المبارك مباشرة في تدريس القرآن الكريم وتعليم المعارف الإسلامية الضرورية وتعليم الصلاة اليومية والأمور المهمة وتقوم بأعمالها الأخرى إن شاء الله تعالى .

* تستلم التبرعات لها والإشتراكات الشهرية وتعطى وصولات استلام ممن يعينهم القائمون على خدمتها والإشراف عليها ،

* من القائمين على خدمتها والمشرف عليها خصوصاً ( محمد علي الحاج منصور العكري )

* تهيب الجمعية بكم وكلها ثقة ان تدفعوا تبرعاتكم واشتراكاتكم إلى المختصين دون الحاجة إلى التجوال على البيوت والحوانيت ]

خادم الإسلام الحنيف وأهل البيت المطهرين (ع)

محمد علي الحاج منصور العكري
5- تأسيس جمعية _ أخرى _ مختصة بشؤون الزواج والتزويج ، حيث كان من المحرضين على الزواج لمكافحة انحراف الشباب ، ولم أستطع معرفة كون هذه الجمعية قد مارست دورها أم لا وهل أُشهرت أم لم تشهر والله تعالى العالم .
6- إصدار المنشورات وتوزيعها يذكر فيها أفكاره ودفاعه عن الدين ، ويحث فيها الناس على الخير ونبذ بعض الظواهر الإجتماعية الخاطئة .
وكثيراً مايستوقف الناس منظر ذلك الشيخ الذي يعتمر العمامة الكبيرة الحجم على غير الحجم العادي ويدلي بحنكها ويمسك بيده العصا ، تراه في الأسواق ، والمقابر ، وأي تجمع يخطر على بالك ليلقي كلمة أمر بمعروف وينهى عن منكر ذلك هو ( العكري )

8- النشاط السياسي للشيخ العكري :

كل من يعرف الشيخ عن قرب يعلم يقيناً أن الشيخ ليس منتمياً سياسياً لجهة معينة بقدر ماهو ناقم بشدة على تردي الوضع السياسي والذي يصحبه تردي الوضع الإجتماعي وانتشار الإنحراف فكان يلقي الخطب الحماسية الداعية للتصدي لموجة الإنحراف رابطاً لها بالسياسة ، كما كان يذهب لرأس السلطة السياسية كالأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان ويكلمه عن الكثير من التجاوزات والأخطاء التي كان يراها في المجتمع ، وكان معروفاً لدى رئيس الوزراء الشيخ خليفة بن سلمان حيث كان يحضر إلى مجلسه ولا يخلو حضوره من قضاء حوائج المؤمنين وإيصال الرسائل وبعض المطالبات للسلطة ، وأما مشواره السياسي فقد كان أشهر من أن يذكر حيث تم إعتقاله في الفترة بين ( 1980 م _ 1984م ) حيث كانت البحرين تعيش فترة احتقان أمن الدولة ،وقد قاد الشيخ رحمة الله عليه حركةً سياسية في العام 1979، من خلال ندوة جماهيرية كبرى في قرية الديه، مع الشيخ علي العصفور، وطرح من خلالها عدة مطالب سياسية واجتماعية، ودخل على إثرها بتنسيق مع العلماء للمطالبة بتصحيح الأوضاع العامة وإيجاد حل لمشكلة البطالة والغلاء، وعلى إثر تحركه آنذاك اعتقل في العام 1980 وطبق عليه قانون أمن الدولة، وبقي في المعتقل لأكثر من 50 شهراً. ونقل لي الكثير ممن عاصره في سجن ( جدا ) حيث قضى فترة اعتقاله ، أنه كان شديد الكلمة ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، حتى ان الشرطة يعاملونه معاملة خاصة وتكون أبواب السجن أمامه مفتوحة إتقاءاً من لسانه وجرأته ، في فترة التسعينات كان الشيخ أحد الوجوه الفاعلة وقد تعرض للكثير من الإيذاء ، وقد رأيته يتحرك على الكثير من العرائض الشعبية التي يحرص على إيصالها بنفسه للحكومة وأمير البلاد في ذلك الوقت ، ورغم كون أكثرها لا يصل فمع ذلك كان الشيخ يقوم بدوره ، ذكرني بقصة أبي ذر الغفاري رحمة الله عليه . كما أن وجه الشيخ كان مألوفاً في اكثر التجمعات السياسية منذ الثمانينات على رغم تكرار سجنه وإطلاقه ، ففي اكثر التجمعات في مسجد مؤمن كان أحد الوجوه المعتاد رؤيتها وكذلك في التسعينات

9- مؤلفات وكتابات :
لم يهتم الشيخ كثيراً بالتأليف إلا أنه قام بجمع بعض المسائل الفقهية بشكل إعداد لها وما وجدته له رحمة الله عليه
- ( رسالة الصلاة ) وهي بمثابة رسالة عملية لمقلدي الشيخ يوسف العصفور ، حيث كان الشيخ رحمة الله عليه ينتهج المسلك الأخباري ومن المتشددين فيه ، جمع الرسالة وقام بمراجعتها الشيخ سليمان المدني والشيخ علي المخلوق وغيرهم وطبعت في البحرين العام 1990م الموافق 1410هـ ، وكان قد وضعها كمنهج دراسي للمرحلتين الإعدادية والثانوية . رغم كونه قد كلفه في طباعته ستة آلاف دينار أصبحت ديناً عليه فيما بعد وقد قام بتوزيع الكتاب مجاناً . والجدير بالذكر ان الشيخ قد كتب في خاتمة الكتاب بعض العبائر التي انتقد فيها المدرسة الأصولية مما أثار حفيظة الكثير من العلماء ، وقد انتقد هذا الأمر المرجع الخوئي قدس الله روحه .
- ( موجز رسالة الصلاة ) وهو مختصر للسابق وهو على ضوء فتاوى الشيخ يوسف رحمة الله عليه راجعه الشيخ سليمان المدني رحمه الله ، وقد وضعه للمرحلة الإبتدائة فيه بعض مقدمة عن أصول الدين ، وكانت هذه الأمور في تلك المرحلة تؤدي دوراً كبيراً في المجتمع .

- كتاب ( البشرى لمن يريد الذكرى ) ويحتوي على مقدمة موجزة في أصول الدين ، ومجمل أحكام الطهارة والصلاة وأحكامها ومستحباتها مجملة على آراء المشايخ الثلاثة الذين يرجع لهم أهل البحرين من الأخباريين وهم الشيخ يوسف والشيخ حسين والشيخ عبد الله ، وكلها مسائل ابتلائية قام بتحقيقه والتعليق عليه الشيخ علي العصفور ، ومضموم إليه أيضاً ( المسائل الدهلكية ) 32 مسألة ، للشيخ حسين العلامة ، وكذلك كتاب ( مسائل مختلفة ) وهو مجموعة فتاوى للشيخ حسين قدرها 10 مسائل ، والكتاب مطبوع في العام 1975م في مطبعة بيروز / قم المقدسة ، وفي ختامه إجازة استلام حقوق من الشيخ زين الدين (قدس سره)

10- مميزات من شخصية الشيخ :
لقد حاولت أن أقف على هذه الشخصية مؤبناً لها بهذه الكلمات المتواضعة أمام العطاء اللا محدود وأذكر من مميزات شخصيته رحمة الله عليه :
1- الجرأة ، وهي عنصر افتقدته الكثير من الشخصيات المجتمعية وساهم فقدان هذه الخصلة على أن يدب الوهن ، وبلا شك ندعو لجرأة موزونة عاقلة ، فنحن نتعلم من الشيخ هذه المسألة لقد كان جريئاً على التفوه بكلمة الحق ونقد المجتمع بدون تردد .
2- النفس الطويل ، كان يمتلك نفساً طويلاً في العمل الرسالي وقد افتقدت البحرين وكل المشاريع هذه الميزة فترى الكثير من المشاريع تعلن عن فشلها منذ البداية بسبب عدم وجود النفس الطويل في العمل والتخطيط . فرغم المحبطات ورغم اليأس رأيت الشيخ منتجاً ، ورغم نظرات الإستهزاء تراه يزأر ويواجه الناس بكلمته ويقولها مهما كلفه الثمن .
3- يلقن الناس المبادئ ، مع الكبير ومع الصغير كان رحمة الله عليه مثالاً حياً لقوله تعالى ( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) وكأنه ، حمل على عاتقه توجيه المجتمع ، وربما يقول البعض هل اثر الشيخ العكري أم لم يؤثر بأسلوبه ، فأقول لقد أثر والله ، فجزاه الله خير الجزاء .

11- نص إجازة الشيخ محمد أمين للشيخ العكري:

هذا نص إجازة آية الله العظمى الشيخ محمد أمين زين الدين للشيخ العكري في استلام الحقوق ننقلها كاملة : [ بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد النبيين محمد وآله المطهرين وبعد ، فقد أجزت حضرة الكامل المهذب الخطيب الأديب الحاج محمد علي بن الحاج منصور العكري البحراني حفظه الله ووفقه ، أن يقبض من حق الإمام عليه وعلى آبائه الطاهرين أفضل الصلاة والسلام مقدار حاجته مما يسد به مؤنته ومؤنة عياله ويعينه على مهمته من القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتثبيت عقائد الضعفاء وإرشادهم إلى مناهج الإسلام وتعريفهم محاسنه وأحكامه ، شدّ الله أزره وكثّر في المؤمنين من أمثاله ، وأوصيه بتقوى الله والأخذ بالإحتياط ، وأوصي إخواني المؤمنين باحترامه وإعانته على اداء مهمته وفقهم الله جميعاً لما يحب ويرضى والسلام عليه وعليكم ورحمة الله وبركاته حرره في 5 جمادى الثانية سنة 1394هـ الفقير إليه تعالى محمد أمين زين الدين / الختم الشريف ] ، وتاريخها بالميلادي25 / يونيو / 1974م .
12- وفاته :
بعد عمر مديد بالعطاء وبعد صراع مع المرض لازم الشيخ الفراش منذ العام 2007م تقريباً ، وقد اهتم رئيس الوزراء بحالته وعرض على عائلته علاجه في الخارج كما سمعت بذلك ، إلا ان الله قد اختار أمانته فجر الجمعة وشيع الشيخ في ظهر الجمعة تشييعاً مهيباً شارك فيه المئات من محبيه وصلى عليه العلامة الشيخ محمد صالح الربيعي ، ودفن في مقبرة جدحفص المعروفة بمقبرة الإمام ، 24 ديسمبر 2010م الثامن عشر من المحرم 1432هـ ، فرحمة الله عليك أيها الشيخ العامل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وجزاك الله عن البحرين وأهلها خير الجزاء .

13- قالوا في حقه :

هنا أنقل كلمتين مهمتين مدونتين من جريدة الوسط عن شخصيتين عاشتا مع الشيخ العكري سنوات المحنة وشاطراه العمل في ساحة البحرين فترة السبعينات والثمانينات إلى جانب الكوادر البحرانية وهاتان الشخصيتان غنيتان عن التعريف وهما :

سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم _ حفظه الله _ حيث يقول : [ لاحول ولا قوة إلا بالله العظيم، الشيخ رحمه الله رجل عرفته الساحة، رجل أمر بالمعروف ناهياً عن المنكر، مستميتاً في ذلك، شديد الغيرة في دين الله، له إرادة صلبة وقوية ويتمتع بدرجة عالية من الجرأة والإقدام، ويخوض معاركه الإيمانية بكل ثقة واطمئنان، لخلفية ثابتة كانت عنده، هدفها قيمة الإسلام والدور الدعوي ودور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك يعد افتقاد الساحة له افتقاد رجل صنّاع ورجل كبير ورجل تغيير في الحدود التي كان يستطيع بها ] . وقال عنه السيد عبد الله الغريفي_ حفظه الله مانصّه : [ فقدنا شخصاً كان يشكّل تاريخاً من العمل والجهاد والعطاء والمواقف الصلبة في سبيل إيصال كلمة الحق والدفاع ومواجهة الفساد ومواجهة المنكر، وكان قوياً في ذات الله، كان صلباً في ذات الله فيما يعتقد أنه حق، وأنه في دفاع عن الإسلام وعن قيم الدين، كان لا يجامل ولا يساوم، كان جريئاً، كان صلب المواقف، كان شديد الوطأة على المنكر وعلى الفساد، وكان مخلصاً للمبادئ التي آمن بأنها تمثل الحق ومبادئ الدين والإسلام في محاربة الفساد، القضية التي آمن بها وكان متحركا دائماً، كان لا يسمح لنفسه أن يستريح إلا قليلاً، كان يخدم الناس، كان له دور اجتماعي وله حضور إسلامي وحضور اجتماعي، حشره الله مع النبيين والصديقين ] .

وهكذا رحل الشيخ العكري وترك تاريخاً ناصعاً في صفحات البحرين دونه بجهاده ومواقفه وحاشا لهذه الأرض أن تنسى هذا الإبن البار بها وبأهلها فجزاك الله ياشيخ عن البحرين وأهلها خير الجزاء
وكتب بيده بشار العالي البحراني
18 محرم 1432هـ

السبت، 30 أكتوبر 2010

السادة الأشراف في البحرين ( الحلقة الثالثة )

النقيب إسماعيل الحسني الذي استوطن بدولة العيونيين
( القرن السابع )
نواصل الحديث عن السادة الأشراف ، ولدينا شخصية ذكرت بين القرن السابع الهجري حيث حل في قاعدة وعاصمة الدولة العيونية _ الشيعية المعتقد في الجزيرة العربية _ والتي دخلت أوال تحت سيطرتها بل قد استقل بها بعض الأمراء من العيونيين كما لا يخفى على سابر غور التاريخ ، وقد ضربت السكة _ العملة _ في هذه الدولة وقد كتب عليها عبارة ( علي ولي الله ) مازالت بعض هذه القطع النقدية متداولة عند بعض من يقتني الآثار وهي موجودة في بعض المتاحف .
وهذا الشريف قد حل في أرض البحرين ولكن بمعناها الأعم أي مايشمل ( القطيف ، والأحساء ، وأوال ) وإلا فلا يُعلم بوجه التحديد أين نزل هذا الشريف من أرض البحرين ، ويبدو أنه قد استقر في البحرين نقيباً للأشراف فيها ، وهذا الشريف هو :
النقيب تاج الدين إسماعيل بن النقيب أبي جعفر يحيى _ توفي في بغداد سنة 613 هـ وكان عالماً فاضلاً ، بن النقيب أبي طالب محمد _ توفي في 560هـ ، بن النقيب أبي الحسين محمد _ معروف بالتشيع والدفاع عن أهل البيت (ع) ، بن أبي الحسن محمد ، بن أبي القاسم علي بن أبي العباس محمد ، بن أبي زيد محمد ، بن أبي العباس أحمد ، بن أبي علي عبيد الله ، بن أبي الحسن علي ، بن عبيد الله ، بن عبد الله ، بن الحسن ، بن جعفر ، بن الحسن المثنّى ، بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عليه السلام .
وقد جاء ذكره في ديوان ابن المقرب العيوني _ رحمه الله _ والمتوفى في العام 631هـ ، فيعلم من خلال تاريخ وفاة ابن المقرب الزمن الذي استقر فيه هذا الشريف في البحرين _ بالمعنى الأعم _ وإنما نذكره ليتيسر للباحثين معرفة تاريخ الهجرات التي قام بها الهاشميون تبعاً للتنوع السياسي والدور الذي لعبوه في الكثير من البلدان ، ولم تذكر المصادر شيئاً عن ذرية تنتسب لهذا الشريف وجاء في ديوان ابن المقرّب مانصّه : [ وقال أيضاً في النقيب تاج الدين إسماعيل بن النقيب أبي جعفر يحيى بن النقيب أبي طالب .....إلخ ، العلوي الحسني وقد مرض مرضاً خفيفاً لم يلزمه عن الجلوس إلا أياماً قليلة ، وطلب منه في ذلك شعراً فقال :
أعيذك أن تسمو إليك الحوادثُ * وأن تتغشاك الخطوب الكوارثُ
سليل العلا لازلت في ظل نعمة * لك المجد ثانٍ والسلامة ثالثُ
والقصيدة مثبتة كاملة في ديوانه _ الطبعة المنقحة _ وهي من القصائد الجميلة ، وجاء في موضع آخر من الديوان أيضاً مانصّه : [ وقال في النقيب الأجل الأوحد العالم الكامل ، تاج الدين إسماعيل ..... إلخ ، وذلك بعد منحدره من بغداد ، وكان قد حضر مجلسه للسلام ، فخلع عليه ثوبين لهما قيمة ، وعرّض له في طلب المدح ، وذلك من شيمة أهل الفضل والكرم ، ولم يكن قال في أحد مدحاً ابتداءاً ، ولا تعرضاً للعطاء لشرف نفسه وكثرة ماله ] ثم ذكر القصيدة وهي طويلة مطلعها :
يخفي الصبابة واللألحاظ تبديها *ويظهر الزهد بين الناس تمويها
ويستر الحب كيما لا يقال صبا * شيخاً فتعلنه الأنفاس تمويها
وهي قصيدة غاية في الجزالة ، ويتعرض فيها ابن المقرب لتمجيد ومدح العلويين والهاشميين وذكر مناقبهم ومنها يظهر تشيع المادح والممدوح بقرائن عدة لامجال لتفصيلها .
بدايات تكوين نقابات الأشراف في المنطقة
والكلام والنص السابق هو لراوية الديوان أو لشارحه والذي لم يستبعد مصححو الديوان ومنقحوه أن يكون الشاعر نفسه هو راوية ديوانه ، ويبدو أن هذا الشريف من خلال النص الثاني ممن استوطن قاعدة العيونيين وعاصمتهم وهي غير أوال والله تعالى العالم ، وإنما ذكرناه لظننا القوي بأن العيونيين قد أسسوا نقابة للأشراف في دولتهم ، واستجلبوا لها من بغداد بعض النقباء كما سيتضح الحال لا حقاً ، ومعلوم أن البحرين سابقاً بمعناها الأعم تشمل أوال وقد ذكرنا أن في القرن الخامس كان هناك وجود للهاشميين والسادة الأشراف في البحرين ، وبجمع هذه القرائن نصل لنتائج مهمة في بحثنا أهمها أن هذه القرائن تفيد بدايات تشكيل نقابة للأشراف في المنطقة .
هل لهذا الشريف سلالة في المنطقة ؟
ويبقى السؤال المهم هل بقيت لهذا الشريف سلالة تنتسب إليه في البحرين أو القطيف أو الأحساء ، وبعد تتبع شديد لم أعثر لحد الآن على السلالة الحسنية في هذه المناطق الثلاث ،نعم للحسنيين تواجد مكثف في الحجاز ، ثم هاجر منهم جماعة للخليج ولكنهم لا ينتمون للشريف صاحب الترجمة ، وسيأتي الكلام على العبيدلي والعبدلي إن شائ الله تعالى كسلالة ثانية من الهاشميين والسادة الحسنيين في الخليج_ والله المسدد للصواب _ وللحديث تتمة _

الاثنين، 18 أكتوبر 2010

السادة الأشراف في البحرين (الحلقة الثانية)

السادة والأشراف في الحقل المذهبي
في مقدمة الحلقة السابقة تحدثنا عن أهل البيت عليهم السلام وكونهم قد تفرقوا إلى العالم من منطقتين هما مكة زادها الله شرفاً ، والمدينة المنورة ، ثم تعرضنا بعد ذلك لأقدم الشخصيات من السادة الأشراف في البحرين ، وحيث إن البحث أمامنا ممتد ومتشعب لشعب ربما يتعبنا توضيحها في محلها فلا بأس أن نفرد لها هذه الحلقة ، ومنها إشكالية ماهو مذهب السادة الأشراف وأئمة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً بأننا سنجد البعد المذهبي وتوضيحه مهم في أكثر من شخصية .
وهنا عدة محاور :
المحور الأول : أهل البيت أئمة الشيعة
يرجع الشيعة في الفقه والعقيدة لعلي بن أبي طالب (ع) والأئمة من ولده ، وعلي هو ابن عم النبي صلى الله عليه وآله ، وأخوه كما في حديث المؤاخاة ، وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، وأبو الذرية النبوية ، وقد تواترت الروايات بحادثة الغدير التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله لعلي أمام الناس والحجّاج ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ) الذي اعتبره الشيعة أحد أكبر الأدلة على إمامة علي دون غيره من الناس ، إضافة للآيات القرآنية التي بين فيها الله فضل علي وولده كقوله تعالى : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) آل عمران : 61 ، والتي يجمع المفسرون أنها نزلت في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وقوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) المائدة : 55، فلهذه الأدلة وغيرها من الآيات والروايات ، إلتزم الشيعة بعلي والأئمة من ولده وعددهم أحد عشر إماماً فيكون المجموع بعلي وولده إثني عشر إماماً وهو عين ما رواه المسلمون سنة وشيعة حول الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وآله ، فقد أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يكون اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش ) ، قال البغوي : هذا حديث متفق على صحته ، وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمعته يقول : ( إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة . قال : ثم تكلم بكلام خفي علي . قال : فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش) وأخرج مسلم أيضا - واللفظ له - وأحمد عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا . ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كلهم من قريش ) .وأخرج مسلم أيضا وأحمد والطيالسي وابن حبان والخطيب التبريزي وغيرهم عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة . ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال : كلهم من قريش ). إلى غير ذلك ، وقد تميّز أهل البيت علي والحسنان وعلي بن الحسين ، وابنه الباقر محمد ، وابنه جعفر بن محمد الصادق ، وابن الصادق موسى بن جعفر ، وابنه علي بن موسى الرضا ، وابن الرضا محمد بن علي الجواد ، وعلي بن محمد الهادي ، والحسن بن علي العسكري ، ومحمد بن الحسن القائم ( ذرية بعضها من بعض ) قد تميزوا بفقه مختلف ، وعقيدة مختلفة في مسائل التوحيد ونفي الرؤوية والتجسيم ونفي التشبيه بخلاف الحنابلة والمشبهة والمجسمة ولهم في ذلك أقوال مأثورة ، حتى بنوا الهيكلة التامة للمذهب وفق مبان ومناهج وأسس قوية ورصينة حفلت بها الكتب المدونة عند شيعتهم الذين أودعوا عندهم الكثير الكثير من معارفهم وعلومهم ، وإن لم تكن ترضي الكثير من الناس إلا أنها استقلت وكونت مذهباً يختلف عن الآخرين وهو المذهب الشيعي ، يقول ابن خلدون في مقدمته : [ وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به. وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم. وهي كلها أصول واهية. وشذّ بمثل ذلك الخوارج. ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم، ولا نروي كتبهم، ولا أثر لشيء منها إلا في مواطنهم. فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم قائمة ] ، على أن جماعة من أصحاب الجرح والتعديل قد ذموا جعفر بن محمد ووالده محمد بن علي الباقر عليهما السلام ولم يأخذوا بما رووه عن آبائهم عن النبي صلى الله عليه وآله .
المحور الثاني : إنحصار الذرية النبوية في أولاد علي وفاطمة
ومن ناحية أخرى فإن الله سبحانه جعل ذرية النبي المصطفى محصورة في أولاد علي من فاطمة عليهم السلام ، فهم نالوا شرف الإتصال بالنبي دون أولاد علي من غير فاطمة عليها السلام ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ( إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وان الله جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ) الذي قال عنه الشوكاني في نيل الأوطار : أنه صالح للحجّة ، وفي أمالي الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله يخاطب علياً : ( ياعلي ، إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه ، وجعل ذريتي من صلبك ) إلى غير ذلك من الروايات التي استفاد منها جمع من المفسرين ومنهم المفسّر الكبيرالفخر الرازي الذي ذهب إلى أن المراد من ( الكوثر ) في قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر ، المراد منها فاطمة الزهراء عليها السلام ، خصوصاً لو لاحظنا ذيل السورة وهو قوله تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) فالكوثر على وزن الفوعل وهو الشئ المتكثّر . وعلى أية حال فقد وهبَ اللهُ الذرية للنبي عبر علي وفاطمة سلام الله عليهما دون غيرهما من الخلق .
وضعيفٌ مانُقل من أكثر من مصدر أن عمراً (رض) قد تزوج بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فقد ضعّفه كبار علماء الشيعة كالمفيد والشريف المرتضى ، ولا يلتفت إلى مانُقل من روايات ضعيفة في ذلك ، وفي ثنايا هذه الحكاية المختلقة التي تقول أن عمراً (رض) قد تزوج من أم كلثوم وأولدها زيداً ، فزيد هذا _ وهو شخصية مختلقة _ لم يُعقب بل مات هو وأمه في يوم واحد والروايات لو نظرت لها فكلها متضاربة مع بعضها ، ويُفترض أن تسقط لتعارضها وليس البحث هاهنا مقامه فقد رد على هذا الأمر كبار العلماء .
فالمتحصل أن أبناء علي من فاطمة هم ذرية النبي بنص الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله بحسب المصادر ، وهم الذرية النبوية التي نشير لها هنا في بحوثنا حول السادة والأشراف . ونقل السيوطي في كتابه الثغور الباسمة (طبعة الهند) قوله : قال العلماء انقرض نسب رسول الله (ص)إلا من فاطمة لأن أمامة بنت بنته زينب تزوجت بعلي ثم بعده بالمغيرة بن نوفل وجاءها منهما أولاد قال الزبير بن بكار ، انقرض عقب زينب .
المحور الثالث : الذرية النبوية فيهم السنة والشيعة
إذا بعد كل ما قدمنا نستطيع أن نجزم بأن المذهب الأساس لذرية علي بن أبي طالب هو مذهب العلويين أو التشيع ، وهو ماعليه الأئمة الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، إلا أننا نجد بعد تعاقب القرون فقد تحول جماعة من السادة للمذاهب الإسلامية الأخرى ، فمنهم الشافعية ومنهم المالكية ومنهم الأشاعرة ومنهم الصوفية ومنهم الإسماعيلية ومنهم الزيدية ، ومنهم غير ذلك بل ومنهم من هرب لبلاد الهند في سنوات التتبع والملاحقات من قبل الحكومات حتى استقر متخفياً لا يظهر مذهبه ودرج أهله على عقيدة أهل الهند حتى أصبحوا من الهندوس ، فلا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، وحينما نلاحظ فإن من عاش في المذهب من السادة الحسنيين قد اتخذوا المذاهب السنية معتقداً لهم ، فكانوا على أحد المذاهب الأربعة ، كالسادة في الأردن ، ومصر ، والمغرب ، وبعض أشراف الهند على المذهب الحنفي ، وفي أفريقيا .
إلا أننا لو رجعنا لأصل الشجرة وأصل المنبت كالإمام الحسن عليه السلام ، أو الإمام الصادق ، والإمام موسى بن جعفر عليهم السلام فهم على مذهب التشيّع ، ثم وبسبب بعض الظروف السياسية والبعد الجغرافي والتعايش والهجرات التي سبقت غيروا مذهبهم الفقهي والعقدي .
وكونهم قد اتخذوا مذهباً غير مذهب أهل البيت عليهم السلام لا يعني إلغاؤهم من هذه الشجرة المباركة فهذا شأنهم ولهم أن يختاروا ، وكذلك بعض الأشراف في البحرين الذين وفدوا بعد قدوم آل خليفة فإنهم لا يتدينون بمذهب أهل البيت ، وهم مع ذلك محترمون ولهم مكانتهم واحترامهم من الجميع ، إلا أن الغالب على السادة في العراق وإيران والبحرين وجبل عامل ،هو المذهب الإثناعشري ، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المتمسكين بدينه والحمد لله رب العالمين . _ وللحديث بقية _
وكتب بيمينه
بشار العالي البحراني
في 9 من ذي القعدة 1431هـ

السبت، 16 أكتوبر 2010

السادة الأشراف في البحرين ( الحلقة الأولى)

أقدم تواجد للسلالة الهاشمية في جزيرة البحرين
مقدمة :
إن الحقيقة المسلم بها تاريخياً والتي لا تقبل النقاش أن الموطن الأول للسلالة الهاشمية كانت أرض مكة زادها الله شرفاً منبت قريش الجد الأعلى لهذه السلالة المنتجبة من خيرة الأنبياء والمتصلة بآدم وذريته من الأصفياء ، أشرف بقاع الأرض ، وقبلة المسلمين ومنها هاجر النبي المصطفى صلى الله عليه وآله إلى المدينة المنورة حيث مثواه الأخير ، وجاء في بعض الآثار تأسّفه صلى الله عليه وآله على فراق الحرم المكّي ، فقد روي عنه أنه قال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب البلادإلى الله ولولا أني أخرجت منك ماخرجت )
وكانت المدينة العاصمة الإسلامية إبان حكم الخلفاء الثلاثة من بعد النبي الأكرم حتى بايع الناس علياً بالخلافة فنقل العاصمة من المدينة المنورة إلى الكوفة حتى استشهد صلوات الله عليه ، فعاد بعدها الحسنان إلى المدينة ، وكانت دار إقامتهم ومأواهم فهم أهلها وذروة المجد فيها ، ويحدثنا التاريخ أن الأئمة الإثني عشر _ عند الشيعة الإمامية _ جلهم من مواليد المدينة ماعدا علي بن أبي طالب حيث ولد في حرم الإله وأمنه في جوف الكعبة المشرفة قبل البعثة المحمدية ، وقد ذكر هذا الأمر الحاكم النيشابوري في مستدركه حيث قال : [ فقد تواترت الأخبار ان فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ] فلاحظ كلمة تواترت الأخبار فهذه دعوى تواتر، وأما الإمام علي بن الحسين _ على قول وهو مستبعد عن غالب أهل السير أنه ولد في الكوفة أيام حكم علي عليه السلام _ والإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري الذي ولد في مدينة سامراء بالعراق كما هو متفق عليه ، فالمدينة هي عش أهل البيت صلوات الله عليهم ، وما تركوها إلا لما حل بهم فشتتهم في غالب البلدان الإسلامية ، فتركها الكثير من السلالة العلوية في حكومة بني أمية وبني العباس فعمروا العراق والكوفة ، وخراسان ، وجل نواحي إيران ، ومصر ، وما من بلد اليوم إلا ولهم فيها مزار يُزار ، ولهم لعصى ترحالهم إلقاءٌ وقرار .
وكان للمنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية نصيب من هذا التشرف بانتقال الذرية الطاهرة إليها ، ولجزيرة (أوال) حظ من هذا الترحال النبوي الطاهر والذي ترك بصماته في تاريخ هذه المنطقة والجزيرة من خلال نشر الفكر ( العلوي ) ومذهب أهل البيت صلوات الله عليهم في غالب الأحيان من خلال الشخصيات التي ساهمت في بناء فكر المنطقة وبناء هويته الثقافية ، فمنهم من غيّبه الإهمال عن الذكر ، ومنهم من دوّن إسمه لكونه من الرواة والمتصلين بإجازات الحديث ، أو كان من العلماء أو الشعراء فمنهم هاتان الشخصيتان :
(1) ابن الشريف أكمل البحراني
وعن منتظم الدرين نقلاً عن البحار أن اسمه محمد وليس في البحار ذلك والله العالم . فلعله رآه في مكان آخر فإن صح النقل يكون اسمه بهذه الصيغة ، [ الشريف محمد بن الشريف أكمل البحراني ]
يقول الشيخ الحر العاملي في كتابه أمل الآمل : [ الشريف المعروف بابن الشريف أكمل البحريني ، فاضل فقيه يروي عن محمد بن محمد البصروي ، كتاب المفيد في التكليف له ] ج2 : 131_ انتهى _
ويقول الشيخ البلادي في كتاب أنوار البدرين ما نصّه [ العالم الفقيه الشريف المعروف بابن الشريف أكمل البحراني ذكره الفاضل المحقق الشيخ أسد الله الشوشتري في مقدمات (مقابيس الأنوار ونفائس الأسرار) وذكر إنه يروي عن السيد المرتضى علم الهدى بواسطة الشيخ الجليل النبيل المعظم المعتمد أبي الحسن محمد بن محمد البصروي فعلى هذا أسبق من نذكره من علماء البحرين، ولعل محمد بن محمد البصروي هو الذي قدمناه قبله والنسبة إلى البصروي لقب أو نسبة للسكنى فافهم. ونسبة الشرافة إليه يدل على إنه من الذرية العلوية كما هو المصطلح عليه بينهم والله العالم. ] 58 ، وفي المستدرك نقل عبارة صاحب المقابيس كاملة . إلا أن الفائدة في نقل الشيخ البلادي أنه قد عده من علماء أوال لقرينة رجحت عنده هذه النسبة . كما لا يفوتنا تسجيل ملاحظة صاحب أنوار البدرين من كون البصروي متحداً مع
فهو _ أي الشريف بن الشريف أكمل _ كما نرى يروي عن الشريف المرتضى المتوفى في العام 436هـ بواسطة محمد بن محمد البصروي ، وبحسب طبقات الشيخ السبحاني ج5 : 14 ، فإن وفاة البصروي في عام 443 هـ ومن هنا عدّه آغا بزرك الطهراني من أعلام القرن الخامس الهجري ./ النابس في القرن الخامس ج2 :5 ، فينتج أن الشريف ابن الشريف قد أدرك زمن الشريف المرتضى أيضاً فهو معاصر له . ولوقلنا أن الشيخ الطوسي مات في العام 460 هـ ، لأمكننا القول أن الشريف أكمل من طبقة الشيخ الطوسي على وجه التقريب _ والله تعالى العالم _
فالحاصل أنه عاش من علماء الشيعة في البحرين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله في القرن الخامس الهجري ، وكان لهم اتصال برجالات الطائفة في العراق ووجهائها ولهم نشاط ملحوظ في إثراء الجو العلمي وانتعاشه ونقل هذا التراث للبحرين .
وبعد نقلة نتجاوز فيها الكثير من الأعلام ( الشيعة) في جزيرة أوال يخبرنا التاريخ في القرن السابع الهجري بتواجد آخر لهذه السلالة الطاهرة على جزيرة أوال ففي كتاب الغدير للشيخ الأميني :
(2) السيد عبد العزيز السريجي الأوالي
مفخرة أوال ، وأحد سبعة من فحول الشعراء من القرن الثامن الهجري الذين صدحوا بغدير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكانوا محط انتباه أهل البلاغة ، واحد المترجمين في موسوعة الغدير للعلامة الأميني ، في القرن الثامن ، ويكفي في علو شأنه هذه القصيدة الرائعة التي يتحدث فيها بأنفاسه الولائية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وهي :
إن لم أفض في المغاني ماء أجفاني * فمـــــا أفـــــظ إذن قلبـــــي وأجـفاني
وكيـــــف لا يهــــمل الدمع الهتون فتى * أمســـــى أسيــــــر صبابات وأحزان ؟
يا ربـــــةَ السجـــــف هــلا كنتِ قاضيةً * ديـــــناً وأقلعـــــتِ عـــن مطلٍ وليّان ؟
لو كنـــــت في عـصر بلقيس لما خلبت * بلقيـــــس قـــــلب ابــــن داود سليمان
يا قــلب كم بالحسان البيض تجعلني * مستهتــراً ؟ والنُهي عن ذاك ينهاني
ولـــــي بـــــود أميــــر النحل "حيدرة" * شغـــــل عــن اللهو والإطراب ألهاني
هـــــات الحــــديث سميري عن مناقبه * ودع حـــــديث ربـــــى نجـــــد ونعمان
مـــــردي الكـــــماة وفـــــتّاك العـــــتاة * وهطـّال الهبات وأمن الخائف الجاني
بنـــــى بصـــــارمه الاســـــلام إذ هـدم ال * أصنـــــام أكـــــرمْ بــه من هادم بان
سائـــــل بـه يوم أحد والقليب وفي * بـــــدر وخيـــــبر يا مــــن فيه يلحاني
ويـــــوم صفـــــين والألبـــــاب طائشـة * وفـــــي حنـــــيــــن إذا التفّ الفريقان
ويـــــوم عـــــمرو بن ود حيـــــن جلله * عـــــضبا بـــــه قـــــربت آجـال أقران
وفـــــي " الغـدير " وقد أبدى النبي له * مناقـــــبا أرغـــمت ذا البغظة الشاني
إذ قـــــال: مـــــن كنــت مولاه فأنت له * مـــــولى بـــــه الله يهـــدي كل حيران
أُنــزلت مني كما هارون أنزل من * مـــــوسى ولــم يك بعدي مرسل ثاني
وآيـــــة الشمـــــس إذ ردت مبــــــادرة * غـــــراء أقـــــصر عــــنها كل إنسان
وإن فـــــي قـــــصة الأفعـــــى ومكمنه * في الخــــف هديا لذي بغض وارعان
وقـــــصة الطـــــائر المشـــــوي بـــينة * لكـــــل مــــن حـــاد عن عمد وشنآن
واســـــأل بـــــه يـوم وافي ظهر منبره * والــناس قد فزعوا من شخص ثعبان
فـــــقال: خـــــلوا له نهجـــا ولا تجدوا * بأسـاً بتمـــــكينه قـــصدي وإتياني
فجـــــاء حـــــتى رقى أعـــــواد منـبره * مهمـــــهما بلــــسان الخاضع الجاني
من غـــــيره بطَـَن العلم الخفي ؟ ومن * ســـــواه قـال: اسألوني قبل فقداني ؟
ومـــــن وقـت نفسُهُ نفسَ الرسولِ وقد * وافـــــى الفـراشَ ذوو كفر وطغيان ؟
ومن تـــــصدق فــــي حال الركوع ولم * يسجـــــد كــــما سجدت قومٌ لأوثان ؟
من كـــــان فـــــي حرم الرحمن مولده * وحــاطه الله من باس وعدوان ؟
من غـــيره خاطب الرحمن واعتضدت * به النبـــــوة فـــــي ســـــر وإعـلان ؟
من أعـــــطي الــراية الغراء إذ ربدت * نـــــار الوغـــا فتحاماها الخميسان ؟
مـــــن ردت الكـــف إذ بانت بدعوته ؟ * والعـــــين بعد ذهاب المنظر الفاني ؟
مـــــن أنــزل الوحي في أن لا يسد له * باب وقـــــد ســـــد أبــــواب لإخوان ؟
ومـــــن بـــــه بلغـــــت من بعد أوبتها * بـــــراءة لأولـي شرك وكفران ؟
ومـــــن تظـــــلم طـــــفلا وارتقى كتف * المخـــــتار خيـر ذوي شيب وشبان ؟
ومـــــن يقــــول: خذي يا نار ذا وذري * هـــــذا وبالــــكأس يسقي كل ظمآن ؟
من غسل المصطفى ؟ من سال في يده * أجـــــلُّ نفـس نأت عن خير جثمان ؟
ومـــــن تـــــورّك متـــــنَ الريح طائعةً * تجــــري بأمر مليك الخلق رحمان ؟
حتـــــى أتــــى فتية الكهف الذين جرت * عـــلى مراقدهم أعصار أزمان
فاستيقـــــظوا ثـــــم قالوا بعـــد يقظتهم *: أنـــــت الـــوصي على علم وإيقانِ
****
وقد آثرت أن أنقلها كاملة حتى تكون شاهدة على ذلك العصر ، وعلى قوة علماء البحرين وشعرائها ، وثراء تجربتهم في تلك الأزمنة حيث القصيدة تطفح بذكر فضائل ومناقب أمير المؤمنين ، التي تظافرت في كتب السنة والشيعة ، ولم يزد صاحب الغدير على مانقله عن هذا الشاعر صاحب كتاب ( الطليعة ) للسماوي فقال في الغدير ج 6 : 20 مانصّه [ (الشاعر) * السيد عبد العزيز بن محمد بن الحسن بن أبي نصر الحسيني السريجي الأوالي ترجمة العلامة السماوي في (الطليعة من شعراء الشيعة) فقال: كان فاضلاً أديباً جامعاً، وشاعراً ظريفاً بارعاً، توفي في البصرة سنة 750 تقريبا . ] أقول : وسريج محلة بالبصرة ولكنه يحمل لقب الأوالي الذي يلقي عليه طابعاً بحرانياً لإنتمائه لجزيرة أوال .

وهاتان الإحداثيتان الزمنيتان من أهم مايمكننا توثيقه لتواجد السادة الأشراف ، في جزيرة البحرين ( أوال) على أن قبلهما وبينهما وبعدهما شخوص كثيرة أهملها النسيان وعدم التدوين ، ولعلي أظفر بشئ في بطون الكتب أو المشجرات لأنقله فيكون شاهداً حراً على هذا التوثيق المهم والله تعالى العالم _ وللحديث بقية _
وكتبه بشار العالي البحراني
السابع من ذي القعدة 1431هـ

الخميس، 19 أغسطس 2010

سيدة النساء في الفكر والتراث البحراني

فاطمة الزهراء (ع) في تراث البحرين

كان للحضور الدائم للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في يوميات أهل البحرين منذ مئات السنين أثر واضح انعكس في تراث هذا الشعب المفعم بمحبة أهل البيت عليهم السلام ، وسوف أتجاوز الجدل العقيم الذي يستهدف سلب هوية هذا الشعب وقدم انتماء هذه الأرض وميلها لأهل البيت صلوات الله عليهم ، لأن هذا النوع من الجدل ابتعد عن منطق الحقائق والعقل واسترسل في منحى سياسي وطائفية مقيتة مازالت نارها تلامس واقع هذه الأرض .
وهذه الورقة تلقي الضوء على نتاج ثقافي امتد منذ مئات السنين حول قضية الزهراء صلوات الله عليها وظلامتها التي كان لها انعكاسات واضحة في تراث هذه الأرض . وسنقسّم هذا التراث عبر ثلاثة اتجاهات مهمة متجاوزين الكثير من المقدمات كمكانة الزهراء في القرآن وفي السنة على ضوء التراث النصي لكلا الفريقين وغير ذلك مما له صلة في جانب الإثبات للوقائع وعدمه لنلقي بالضوء على جانب شخصية الزهراء في التراث الفكري لعلماء البحرين وشعبها . ومنه تعالى وحده نستمد المدد .

الإتجاه الأول :
الدعم المادي اللاّ محدود لنشر ثقافة ومبادئ أهل البيت (ع).

لعل من غريب المصادفات التي رأيتها في مجال وثائق ( البحارنة) كثرة الموقوفات عند هذا الشعب على الأمور الدينية ، مما يكفل حركة ومسيرة المراكز التي تغذي الفكر الشيعي في أرض البحرين منذ مئات السنوات ، وهي الحسينيات ، وكذلك المدارس الدينية ، فقد كثرت الأوقاف الداعمة لهذه المؤسسات ودعم إقامة ذكريات ومناسبات أهل البيت عليهم السلام ولو استثمرت بشكل مناسب لكانت هذه الوقفيات حصناً جيداً لمشاريعنا الإسلامية ، وفي قضية الزهراء عليها السلام وجدت الكثير من مسميات ( المزارع مثلاً) يقال : ( دالية الزهراء) أي أنها موقوفة فقط على إقامة وإحياء وفاة الزهراء ، وفي جدحفص مثلاً ونظراً لتعدد مناسبة وفاة الزهراء(ع) بحسب الروايات المتعددة في وفاتها عليها السلام بين ( 13 جمادى الأولى) و( 8 ربيع الثاني ) و( 3 جمادى الثانية ) كأشهر الروايات من بين ما يذكره أرباب السير من السنة والشيعة في تاريخها ، رأيت بعض الموقوفات في جدحفص وقفاً خاصاً بإحياء يوم 8 ربيع الثاني ، حتى لاتنسى هذه المناسبة ويستمر إحياؤها ، رغم كونها من أقل الروايات عملاً بها بين الأوساط الشيعية . وماهذا إلا تأصيلاً لثقافة الإنتماء المذهبي بوعي تاريخي يتواصل فيه الأجيال في دعم مسألة تاريخية نالت جانباً من الأهمية في حياتنا الدينية كشعب موالي لأهل البيت صلوات الله عليهم . وحينما تأتي مناسبة وفاة الزهراء تنشغل مآتم البحرين وحسينياتها خصوصاً في السنوات المتأخرة بإقامة مايُعرف بـ(العشرة الفاطمية) حيث سرت هذه العادة مكرسة طاقات الكثير من الخطباء والرواديد والمحاضرين من النساء والرجال في قضية الزهراء عليها السلام .


الإتجاه الثاني :
شخصية الزهراء في الأدب البحراني .

لقد كانت شخصية الزهراء مرتبطة بهويتنا وثقافتنا كشعب إرتباطاً وثيقاً مؤصلاً يظهر بين خفايا أدبيات هذا الشعب من عمق ذاكرته ، ويمكن أن نتدرج في فهم هذه المظاهر من تراثنا كشعب بحراني من عدة نواحٍ وهي كالتالي :
1- أناشيد الزاجرة ، والغوص : وهي مايستخرج به الماء من العيون ويستخدم عادة بها الثور لري الزرع ، وهي طريقة تقليدية موجودة من مئات السنين ، وقد اعتاد أهل البحرين أن يلقوا نوعاً من الشعر أثناء استخراج الماء بالطريقة السابقة ، بشكل إنشادي مميز ، ذكر المرحوم الناصري هذا النوع في بعض مؤلفاته ولم تغب شخصية الزهراء عن الذكر أثناء الكدح والعمل ومنه على سبيل المثال قولهم :
البضعة الزهرا علي نالها * والصخرة الصم عن بير العلم زالها
ومنه على سبيل المثال أيضاً قولهم :
أمس الضحى ريت ريمٍ يرتعي ياعلي
ويصيح يابا الفضايل يا إمامي علي
يامظهر الدين بدروب الهدى ياعلي
من حين ماعودت تبغي علي فاطمة
جابت وربت ومن بعد الربا فاطمة
أم الحسن والحسين امفضّلة فاطمة
بنت الرسول المكرّم زوجتك ياعلي
وهو من نوع الموال المعروف . هو مما يتعاطاه ( النهّام ) وهو الذي يقوم بدور المنشد في رحلة البحر ولا تخلو هذه الأدبيات أيضاً من ذكر مولاتنا فاطمة عليها السلام .
2- دخول الزهراء كشخصية مقدسة في ( الأقسام ) ولانريد أن ندخل في بحث فقهي حول هذه المسألة ، وإنما نتحدث عن حالة عفوية لدى أهل البحرين في إجراء صيغة الحلف والقسم ، إعتاد (البحارنة) على الحلف بها تضمنت شخصية الزهراء صلوات الله عليها ، لما لها من مكانة مقدسة عند هذا الشعب ، الموالي لأهل البيت صلوات الله عليهم
فمن هذه الأقسام الشائعة :
أ‌- وحرمة الزهراء
ب‌- وحرمة الزهراء أم الحسن والحسين
ج- وحق فاطمة الزهراء
د- وحق ضلع الزهراء
وكلها تدل على مدى الإرتباط بشخص السيدة الزهراء عليها السلام ، فهذا جزء من تراثنا الفاطمي .
3- على ألسنة الأطفال في ألعابهم الشعبية :
مما يتناقله الأطفال من تراثهم الشعبي ومازال متداول ، أثناء تقسيمهم أو عدهم لبعضهم وإخراج المقسوم بهذه الكلمات :
الله ، محمد، وعلي.....
يافاطمة بنت النبي.....
إخذي كتابش ( كتابك) وانزلي....
على محمد وعلي .....
4- أقلام الأدباء : وهو بحث في حد ذاته واسع فإن استقصاء الأدباء الذين تناولوا قضية الزهراء أمر صعب لكثرة من كتب ولو شئت الإستقصاء لخرج مجلد أو مجلدان في هذا المجال ويكفي أن نضع رؤوس الأقلام في هذا الجانب فإن الأدباء على قسمين :
الأول : الأدب العربي الفصيح ، يتقدمهم شعر الشيخ سلمان التاجر بقصيدته التي لم تزل تتردد في المحافل عند ذكرى استشهاد مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وهي القصيدة المشهورة والتي مطلعها :
قف على قبر فاطمٍ في البقيعِ * بعد مزق الحشا وسكب الدموع
وهي من روائع الأدب الرثائي البحراني في مجال وفاة الزهراء
الثاني : الأدب باللهجة الدارجة ( البحرانية)
يتقدمهم المرحوم الملا علي بن فايز ، والمرحوم الملا عطية الجمري والعشرات من شعراء المنبر وشعراء المواكب والكثير الكثير






الإتجاه الثالث :

مجال التأليف والكتابة عن سيدة نساء العالمين
وفيه قسمان :
أ‌- المؤلفات في التراث الفاطمي
واستعرض هنا أنموذجين لعالمين من أهل الفضل المعروفين وأهل الكمال المبرزين وهما :
1- آية الله العظمى الشيخ يوسف العصفور المتوفى في العام 1186هـ ، حيث قام بشرح الخطبة الفاطمية ، وشرحه عليها موجز ولم يفرد له المؤلف عنواناً مستقلاً بل جاء ضمن كتابه [ سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد ] قال عنه مؤلفه : [ والرد عليه في شرحه لكتاب نهج البلاغة ، الذي رام فيه أن يشرحه على رأي المعتزلة ، وأصولهم ومذاهبهم قواعدهم ، وذكرت في أوله مقدمة شافية في الإمامة تصلح أن تكون كتاباً مستقلاً ، ثم نقلت من كلامه في الشرح المذكور مايتعلق بالإمامة وأحوال الخلفاء والصحابة ومما يناسب ذلك ويدخل تحته ...] _ كما في اللؤلؤة _ وقد قام الشيخ محمد عيسى المكباس بطبع شرحه على خطبة الزهراء مستقلاً ، كما حقق الكتاب هذا بكامله فجزاه الله خيراً .
2- العالم المحدث المتتبع الخبير الشيخ عبد الله بن نورالدين أو نور الله البحراني ، أحد تلامذة صاحب البحار الشيخ المجلسي ، فقد أفرد في موسوعته القيمة ( العوالم ) ماخصصه لسيدة النساء ، وتصل موسوعته هذه لأكثر من مائة مجلد وهو من المعاصرين للعلامة المجلسي المتوفى في ( 1110هـ ) فيعلم قرب التاريخ وإلا فلم نظفر له بتاريخ وفاة على وجه التحديد ، وكتابه موسوعي يتضمن أحاديث الزهراء وأحوالها ، وغير ذلك من فيض نورها صلوات الله تعليها .
ب‌- المؤلفات في مجال شهادتها عليها السلام

لقد دأب أعلام البحرين على تأليف الكتب حول النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، مما كان له أبلغ الأثر في تثبيت عقيدة الولاء لأهل البيت عليهم السلام ، حتى أصبح ذلك جزءاً لا يتجزأ من يوميات الإنسان البحراني تراه متمثلاً في منطوقاته ، وفيما يلي نرى هذه التأليفات التي تعرضت لهذه الشخصية ذات المكانة العالية في الإسلام فأولتها عناية هي أهل لها بل وأقل من حقها ، فمن هؤلاء المؤلفين :

1- آية الله المفتي الفقيه الشيخ يحيى بن حسين بن عشيرة البحراني , له كتاب ( وفاة الزهراء ) ذكره في الذريعة ، وذكره الأفندي في رياض العلماء إلا أنه ذكر أن من مؤلفاته ( كتاب مقتل فاطمة عليها السلام ) ، ولم يتعرض لذكره في أنوار البدرين لأن ترجمته كانت مقتضبة وبسيطة جداً ، وهذا الشيخ من فقهاء القرن العاشر الهجري وكان له دور ريادي في حركة مرجعية المحقق الكركي أبان حكومة الصفويين في الساحة الفارسية وفي يزد ، ويظهر هذا من لقبه ( المفتي ) .
2- آية الله العلامة المحدث السيد هاشم بن السيد سليمان بن السيد إسماعيل التوبلاني البحراني المتوفى في العام 1107 هـ أو 1109هـ ، له كتاب ( وفاة الزهراء ) وقد وصف هذا الكتاب المحقق الشيخ محمد باقر الكجوري في كتابه ( الخصائص الفاطمية ) بقوله : فيه مجموعة من الأخبار المفجعة المبكية. _انتهى _ ولم أطلع عليه ، ذكره الأمين في الأعيان ، وآغا بزرك في الذريعة لدى تعديدهما لمؤلفات السيد هاشم . ووثقه الشيخ عباس القمي في الفوائد الرضوية أيضاً .
3- (العلامة السيد ماجد البحراني) ، بحسب مانقله فارس تبريزيان في كتابه ( العلامة السيد هاشم البحراني) ضمن حديثه عن تراث السيد هاشم قال وبالتحديد عن نسخة وفاة الزهراء الموجودة في مكتبة جامعة طهران ، [ مجموعة مشكاة ، ذكر في فهرس المكتبة :5/1241 بأنها وفاة الزهراء للسيد هاشم ، وبعد مراجعة المخطوطة في المكتبة تبين أنها ليست للسيد هاشم البحراني ، والظاهر أنها للسيد ماجد البحراني . وهنا لابد من الإشارة لتردد إسم السيد ماجد البحراني بين شخصيتين هما (1) سيد ماجد آل أبي شبانة ، جاء في أنوار البدرين مانصه : [ (ومنهم) السيد السند السيد ماجد ابن السيد محمد البحراني (ره) قال الشيخ في الأمل كان السيد ماجد ابن السيد محمد البحراني عالما فاضلا جليل القدر وكان قاضيا بشيراز ثم بأصفهان وكان شاعرا أديبا منشئا له (شرح نهج البلاغة) لم يتم من المعاصرين كتبت له مرة أبياتا من جملتها:
قصدت فتى فريدا في المعالي * حماء ظل للآمال قصدا
ولم أطلب لنفسي بل لشخص * عزيز في الكمال أراه فردا
دعوتك لاكتساب الأجر أرجو * إجابة (ماجد) كم حاز مجدا
ومثلك من تناط به الأماني * ويرضى بالندى والجود وفدا
يهزك هزة الهندي شعر * يذكر جودك المأمول وعدا
أما تبغي بذي الأيام شكري * أما ترضى بهذا (الحر) عبدا
انتهى كلامه علا في الجنان مقامه . (أقول) وقد ذكره السيد الجليل صاحب تتمة الأمل وهو من أهل بيته المعروفين بآل أبي شبانة بل يمكن أن يكون من ذريته تغمده الله برحمته. ] ويظهر جيداً مما سبق فضل هذا السيد وكونه معاصراً للحر العاملي المتوفى في العام 1104هـ ، والشخصية الثانية هو (2) السيد ماجد الصادقي ، وهو نار على علم وهنا ننقل ترجمته مقتضبة من أنوار البدرين بتصرف : [السيد العلامة الفهامة محرز قصب السبق في جميع الفضائل والفائز بالرقيب والمعلى من قداح الكمالات الكسبية والوهبية من بين فحول الأواخر والأوائل السيد أبو علي السيد ماجد ابن السيد العالم السيد هاشم ابن العريض الصادقي البحراني (ره) كان أوحد زمانه في العلوم أحفظ أهل عصره، نادرة في الذكاء والفطنة وهو أول من نشر علم الحديث في دار العلم شيراز المحروسة وله مع علمائها مجالس عديدة ومقامات مشهورة أخبرني شيخنا الفقيه ببعضها وأقبل أهلها عليه إقبالا شديدا وتلمذ عليه العلماء الأعيان مثل مولانا العلامة محمد محسن الكاشاني صاحب (الوافي) والشيخ الفقيه ذو المرتبة الرفيعة في الفضل والكمال الشيخ محمد بن حسن بن رجب البحراني والشيخ الفاضل المتبحر الشيخ محمد ابن علي البحراني والشيخ زين الدين الشيخ علي بن سليمان البحراني والشيخ العلامة الأديب الخطيب الشيخ أحمد بن عبد السلام البحراني والسيد العلامة السيد عبد الرضا البحراني والشيخ الفاضل الشيخ أحمد بن جعفر البحراني وغيرهم ... إلى أن قال : وبالجملة فمحاسنه كثيرة وعلومه غزيرة روح الله روحه وتابع فتوحه توفي (قدس سره) بالليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان بدار العلم شيراز سنة 11028 هـ‍ انتهى كلام شيخنا العلامة الشيخ سليمان البحراني. (قلت): وهذا السيد الجليل من نوادر الزمان علما وأدبا وعملا وكمالا ويكفيه أنه تلمذ مثل الكاشاني وأضرابه من فحول العلماء عليه وذكره السيد الأديب النجيب السيد علي في السلافة وبالغ في الثناء والتقريظ عليه وذكره كل من تأخر عنه من علماء الرجال والإجازات ] _انتهى_ فهذه الوفاة المذكورة مرددة بين هاتين الشخصيتين التين لهما باعاً في مجال التأليف والله العالم بحقيقة الحال فأنا شخصياً لم أطلع على النسخة المخطوطة هذه .


4- آية الله الشيخ حسين آل عصفور البحراني ، الشهيد في سنة 1216هـ له كتاب ( وفاة الزهراء ) في بدايته : [ الحمد لله ابتلى أولياءه في هذه الدار بأجل المصائب والأخطار ... ] رأيت له بعض المخطوطات في أماكن متفرقة تاريخ نسخ بعضها في 1361هـ ونسخة أخرى مخطوطة في 1371هـ ، والجدير بالذكر أنه قد طبع كتاب تحت مسمى وفاة الزهراء للشيخ حسين وهو ليس كذلك بل هو لعالم آخر . وبحسب بحثي فيما طبع وما هو مخطوط فإن وفاة الزهراء للشيخ حسين لم تطبع بعد ، وقد ذكرها في أنوار البدرين و الأمين في الأعيان في تعدادهما لمؤلفات الشيخ حسين ولكن أسمياه ( الدرة الغراء في وفاة الزهراء ) ولكنني لم أجد هذه التسمية في المخطوط على عادة الشيخ حسين في تسمية مؤلفاته في مقدمات الكتب التي ألفها . فلم أجده في كلتا النسختين اللتين حصلت عليها .ثم عدت لأجد نفس المسمى في فهرست مكتبة آل عصفور في بوشهر ولم يتسن لي أن اراه جاء ضمن الكلام عنه : [ فرغ من تأليفه في شهر ذي الحجة سنة 1211هـ، الناسخ عبد النبي بن حسين بن عبدالله الأصبعي البحراني بتاريخ 10 جمادى الأولى سنة 1212هـ، أوله: (الحمد لله الذي ابتلى أوليائه في هذه الدار بأجل المصائب ولأخطار…) ق21×14.5سم، 15س، الاستفادة وسط. ] وعليه فهي أقدم نسخة بلاشك من النسخ التي ذكرناها ، إلا أنه لاسبيل لها والله العالم .

5- العلامة الشيخ علي بن الشيخ حسين بن محمد البلادي البحراني المذكور في أنوار البدرين ووصف الكتاب بأنه ينقل عن أسفار الدمستاني قال عنه مانصّه : [ العالم الأديب الكامل الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد البلادي البحراني (ره) كان رحمه الله تعالى فاضلا أديبا كاملا، له كتاب (وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام) مجلد حسن الترتيب والتأليف وله فيها بعض الأشعار وينقل فيها كثيرا من أسفار الدمستاني، ولم أقف على شيء من أحواله ولا تأريخ وفاته ضاعف الله حسناته. ] ، وهذه الوفاة متداولة في الكثير من مجالس التعزية ، وقد رأيت لها نسخة نجفية ، وثانية في مطبعة العلوم العامة لعبد العزيز الشهابي ، وثالثة طبعت مؤخراً ما بعد العام 2006 م ، وجاء في النسخة المطبوعة بدايتها : [ الحمد لله الذي خلق محمداً وآله من نور عظمته ، واصطفاهم بمنه وكرمه على جميع بريته .....] . وله فيها إنشاءات ، وأشعار جميلة ، إلا أنها تخلو من ذكر تاريخ وفاته أو الفراغ من تصنيف وماشابه والله تعالى العالم .

6- العلامة الشيخ سلمان بن الشيخ أحمد بن الشيخ سلمان بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ إبراهيم بن الحاج أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شيبة الدرازي البحراني ، فهو من ذرية الشيخ أحمد أخ الشيخ حسين العلامة ، عاش في البحرين ، وكان والده فقيهاً وإماما في الجمعة والجماعة وزعيماً عاش في الشاخورة وسكن المنامة ودفن في الشاخورة بجوار ضريح الشيخ حسين (1309هـ) ذكره العرب في حاشية أنوار البدرين واثني عليه ، وأما صاحب الترجمة فتذكر المصادر أنه استوطن المنامة وعاش بها وكان سكناهم قبل في الشاخورة ، أخذ العلم في البحرين ثم هاجر للعراق وحضر عند المولى محمد كاظم الخراساني ( صاحب الكفاية ) ، وشيخ الشريعة الأصفهاني ، وعاد إلى البحرين ومعه إجازة من أساتذته تنبئ عن فضله _ كما في المنتظم _ ويذكر الشيخ المبارك في ماضي البحرين عن حقبة عزل الشيخ خلف العصفور : ثم حدثت مشاغبات وهزّات تستدعي الإنقلاب القضائي وأسفرت النتيجة عن عزل الشيخ خلف وإقامة ابن عمه الشيخ سلمان بن الشيخ احمد بن سلمان مكانه ، فترك البحرين إلى العراق وأقام بها فما برح أن رجع الإنقلاب ظهراً لبطن أدى إلى استدعائه من العراق وإعادته _ انتهى _ فيظهر من كلام الشيخ إبراهيم أن فترة قضاء الشيخ سلمان كان مؤقتة حتى رجع الشيخ خلف . له من المؤلفات : ( شرح منظومة الشيخ سليمان في المنطق خ ) ، ( كتاب في الأصول خ ) ، ( وفاة الزهراء عليها السلام خ ) ، ( أجوبة مسائل متفرقة خ ) . ذكر في المنتظم أن له أخ اسمه الشيخ إبراهيم يعرف بالبصير ولكنه دون أخيه في الفضيلة ، له من الذرية ثلاثة أولاد وبنت وهم الحاج عبد الرضا العصفور وجيه الدراز المعروف وهو والد عبد الله ( أبو سلمان ) الوجيه وعضو مجلس الشورى المتوفى في 1424هـ ، ومحمد كاظم العصفور كان مسؤولاً في قسم الجوازات سابقاً ، ومحمد جعفر . وأما تلامذته فلم يُذكر غير واحد وهو الشيخ سلمان التاجر الشاعر المعروف وقد رثى أستاذه بقصيدة نقلها صاحب رياض المدح والرثاء مدحه فيها وأثنى عليه غاية الثناء ، كانت وفاته كما في منتظم الدرين في العراق ويذكر أفراد عائلته أنه توفي في النجف ودفن فيها وكانت وفاته في 1338هـ الموافق 1919م ولم يكن قد بلغ الأربعين من العمر . والمصادر [ أعلام الثقافة ج2 : 637 ، ماضي البحرين وحاضرها :90 ، أنوار البدرين 215 ، منتظم الدرين خ ، رسالة البشرى في تراجم علماء الأسرة مطبوعة مع تقويم الحياة 2003 ، مقابلة خاصة ] .

7- العلامة الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي صاحب ( أنوار البدرين ) المتوفى في العام 1340هـ ، له كتاب ( وفاة الزهراء ) ، وقد طبع في النجف الأشرف . ولم أطلع عليه .

8- المرحوم الخطيب الشيخ محمد علي الناصري رحمة الله عليه فمن مؤلفاته ( قصة الزهراء) عُدت ضمن المطبوع من تراثه رحمه الله ، كانت وفاته في 17/ 12/1999م ، الموافق بالتاريخ الهجري9 رمضان1420هـ

9- العلامة الخطيب السيد محمد صالح ابن السيد عدنان القاروني البحراني ، له كتاب ( ليلة الإسراء في فاطمة الزهراء ) يشمل أحوالها ووفاتها صلوات الله عليها وقد طبع مؤخراً ضمن مجموعته في وفيات المعصومين ، وهو جمع روايات ولا يخلو من بعض التحقيقات بحسب ذوقه ، وله مصنف آخر ضمن كتاب طبع أيضاً تضمن ( وفاة الزهراء) ضمن مجموعة وفيات ، وله أيضاً كتاب ( رياض الإمامة في سيرة فاطمة الزهراء ) ولم أره ، قرأت عنه ضمن تعداد مؤلفاته بقلمه ، ولد هذا السيد الجليل في الخامس من ربيع الأوّل سنة 1339هـ الموافق 29 نوفمبر من العام 1919م في قرية البلاد القديم. أبوه القاضي المعروف السيد عدنان بن علوي بن علي بن عبدالجبار الثالث القاروني الموسوي ، وكانت وفاة هذا السيد في 28 ذي الحجة1427هـ ، 18 يناير 2007م ، ودفن في مدفن والده آية الله السيد عدنان الموسوي قدس سره في مقبرة الشيخ راشد من جبانة أبي عنبرة المعروفة .

وبعد فهذا غيض من فيض ، وماخفي أكثر من مؤلفات حرص فيها علماء البحرين على تدوين حياة وسيرة هذه المرأة العظيمة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها . والحمد لله أولاً وآخراً
وكتب بيده الفانية
بشار بن عبد الهادي بن عيسى العالي البحراني
في 7 شهر رمضان المبارك 1431هـ

الاثنين، 16 أغسطس 2010

حباب بنت ملا حسن كشيش

إلى خادمة الحسين (ع)
خطيبة النساء الملاية حبّاب بنت ملا حسن كشيش

لعلها أشهر خطيبة في البحرين عرفتها الأوساط النسائية ، مازالت ملامح هذه المرأة مرتسمة في ذاكرتي وأنا طفل بين الأربع أو الخمس سنوات تأخذني خالتي متمسكاً بعباءتها في مأتم حسن محمود في المنامة ، إمرأة تقرأ على المنبر معصبة الرأس دائماً نبراتها لم تغادر ذاكرتي بعد إنها ( أم سعيد ) ، وتعتبر من الرعيل الأول في مجال الخطابة النسائية ،هي من مواليد البحرين من قرية توبلي وقد انتقلت للعيش مع أسرتها خارج البحرين ، تلقت مبادئ القراءة عن والدها الخطيب المعروف ملا حسن آل كشيش ، وهي تنتمي لأحدى الأسر البحرانية التي خرجت من البحرين زمن ( عيسى بن علي ) واستوطنت الإمارات العربية المتحدة ، وتزوجت بزوجها الأول من عائلة النويس وهي أسرة بحرانية عريقة هاجرت لدولة الأمارات العربية أيضاً ومحل سكناها في (أبو ظبي) ومنها رجالات تبوأت مراكز كبيرة في دولة الإمارات العربية ، وبعد وفاة زوجها الأول وانتقالها للسكن في البحرين ، تزوجها أحد السادة الموسويين من قرية (بوقوة) وأنجبت منه ذرية كما لها ذرية من زوجها الأول ، إمتازت شخصيتها بعدة نواحي أهمها : (1) شخصية تمتلك مقومات وفن الخطابة سيما في استدرار الدمعة ، (2) شخصية قوية ومؤثرة ، (3) شاعرة وتمتلك أحاسيس مرهفة في مجال تصوير الحدث وغالب شعرها باللهجة الدارجة ، (4) تمتلك صوتاً قوياً وشجياً . فكل هذه المميزات جعلت من شخصيتها شخصية مميزة في مجال الخطابة النسائية لدرجة أنها صارت مضرب المثل في فن الخطابة عند النساء ، بل تعدت حدود الوطن في البحرين حتى عرفت على مستوى الخليج العربي في المجالس النسائية في دبي وأبو ظبي وبقية دول الخليج ، وهي من النساء القلائل اللائي يصعدن منبر الخطابة وتقرأ مجلساً حسينياً بالطريقة نفسها في مآتم الرجال ، ويعتبر مأتم حسن محمود في المنامة من أكثر المآتم التي تسنّمت ذروة أعوادها لمدة تقارب الأربعين عاماً وأكثر ، سكنت (رأس رمان) فترة وانتقلت لتعيش في قرية (الديه) توفيت في شهر رمضان المبارك العام 1429هـ ، عن عمرٍ يتخطى السبعين وربما أكثر، ودفنت في قرية (بوقوة) ، تركت مجموعة من التأليفات والدواوين والقصائد لا تحضرني الآن وقد رثيتها بهذه القصيدة في مجلس تأبيني لها أقامه ( مجلس الخطباء في البحرين) تكريماً لجهودها في مجال خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه وهذه هي القصيدة :
أناعية الطفِ هيا انشدي * وفي كل ناحيةٍ رددي
سيبقى صداكِ يدوّي هنا * ليُسمِعَ يومي ويروي غدي
أراكِ تعودين في كربلا* مخلدةً في العطاء الندي
مسربلةً في بياضٍ كما * تسربلتِ في ثوبكِ الأسودِ
تعودين في كل عامٍ لنا * بعشر الحسين لكي تشهدي
معصبةَ الرأس في مأتمٍ * به الحورُ تبكي على السيدِ
وفاطمةٌ بينهم أعولت* بقلبٍ على شبلها مكمدِ
به شبّ حزنٌ على ميتٍ * بجنب الفرات ولم يُلحدِ
قضى لهفُ روحي له ظامئاً * وحرُ الصدى منهُ لم يبردِ
ألا فاْندبيه كما كنتِ في * مآتمهِ والرثاءَ اعقدي
إليكِ المنامةُ مشتاقةٌ * تحنّ إلى صوتكِ الأوحدي
ومن يكُ مقترناً بالحسين * ينلْ شربةً من هدى الموردِ
فطوبى لكِ اليوم صرتِ إلى * جوار البتول بها فاْسعدي
كما كنتِ أنت تواسينها * تواسيكِ في القبر والمرقدِ
ويبقى الحسين وخدّامُهُ * ومثلكِ في الدهر لم يفقدِ
فطوبى لأنصارهِ إنهم * وَقوهُ بأرواحهم واليدِ
يذودون عن حبه كلما * تبدت سهامٌ إلى المقصدِ
فهذي القلوبُ له سلّمت * ولاذت إلى ذلك المشهدِ
وصلت عليه السماوات في * بكاءٍ تغشّى بني أحمد
وصلّى الرسول على جسمه * صلاةً تعود كما تبتدي
فياخالداً لم يزل ذكرهُ * أذاناً تبدى من المسجدِ
*****
وكتب بيده بشار العالي
في 28 شوال 1429هـ

قراءة في فهم فتاوى الشيخ حسين في الحج

المسائل الجدليّة في فقه الحج
على ضوء فتاوى الشيخ حسين آل عصفور
هذه مجموعة من مسائل فقه الحج لآية الله العظمى الشيخ حسين العصفور(قدس سره)قام بتهذيبها يراع أستاذنا الفاضل حجة الإسلام العلامة الشيخ محمد ميرزا الخرسي ، بحكم خبرته في مجال الإرشاد الديني في الحج ، وبحكم إطلاعه على فتاوى المبرور الشيخ حسين العصفور وتدوينها فقد أوعز لجنابه المشاركة بورقة عمل في مؤتمر الشيخ حسين العصفور والذي عقد قبل فترة ، فكانت هذه الورقة التي كان لي شرف تقريرها من الأستاذ الخرسي دامت إفاضاته بمثابة قراءة نقدية في نقل فتاوى الشيخ في فقه الحج من قبل بعض العلماء في البحرين ، نسأل المولى أن يتم بها فائدة المؤمنين سيما مقلدي الشيخ في البحرين ، وأترككم مع الأستاذ الشيخ الخرسي وهو يتحدث :

إطلالة :

لا نريد في هذه الورقة طرح تمام آراء الشيخ حسين آل عصفور في الحج على غرار المناسك المعروفة فإن هذا الأمر تكفلت به أقلام الشيخ (ره) في مناسكه وأقلام العلماء والمؤلفين الناقلين للفتاوى المطابقة لآرائه . وإنما نريد أن نثير بعض المسائل في الحج التي وقعت مثاراً للجدل حول فهم رأي الشيخ (ره) ومعرفة فتواه . ومسلكنا في هذا الأمر هو خصوص ما يفهم من كلمات الشيخ (ره) وفتواه مما هو صريح في ذلك ، أو ظاهر لعموم حجية الظواهر في ما يفهم من كلام العقلاء ، ويحاول البعض أن يفهم آراء الشيخ (ره) وفتاواه من خلال أدلته التي يسوقها ويذكرها أو من خلال مبانيه في الأصول مع عدم التصريح بالفتوى منه .

وهذه المحاولة غير صحيحة لأنها اجتهاد واستنباط في آرائه وفتاواه من مبانيه فلا يصح نسبتها إلى الشيخ (ره) لأن الاستنباط والإفتاء كما يحتاج إلى العناصر المشتركة في عملية الإستنباط ، فكذلك يحتاج إلى العناصر الخاصة في العملية المذكورة ، وقد يتفق الفقهاء في العناصر المشتركة الكلية ، ولكن قد يختلفون بسبب العناصر الخاصة الداخلة في عملية الإستنباط . وعلى ضوء ذلك لدينا عدة مسائل :



المسألة الأولى :
ادعى بعض الفضلاء من علماء البحرين (ره) بأن الشيخ حسين آل عصفور(ره) يرى لزوم الإحرام بالصبيان إذا أريد إدخالهم إلى الحرم أو مكة .

الجواب : إن تمام التكاليف مرفوعة عن الصبي حتى يبلغ ومنها لزوم الإحرام لدخول مكة أو الحرم فلا يجب على الصبي الإحرام للدخول ولا يجب على الولي الإحرام به للدخول إلى الحرم أو مكة . ولم يتمسّك هذا الفاضل إلا بعبارة الشيخ (ره) في السداد ص: 19 حيث قال : [ وللولي أن يحرم عن الذي لا يميّز ] وهذه العبارة لا دلالة لها على المطلوب فإنها غاية ماتدل عليه جواز الإحرام عن غير المميز لا لزوم الإحرام على الولي عند إدخال الصبي للحرم أو مكة .

المسألة الثانية : الإحرام لحج التمتع من مكة ، هل يشمل مكة الحديثة أم لا ؟ وادعى البعض شمولها لمكة الحديثة لإطلاق عموم كلماته (ره) .

الجواب : لا إشكال على رأي الشيخ (ره) من الإحرام بحج التمتع من مكة القديمة التي حدها من عقبة المدنيين وهي المسمّاة بـ( ثنية الحجون ) لمن جاء عن طريق المدينة وعقبة ذي طوى لمن جاء من أسفلها ، ووادي ذي طوى بين مقبرة الحجون بالمعلاة وربع الكحل المسمّى بـ( الثنية الخضراء ) ، ويعرف وادي طوى اليوم بـ( بير الهندي ) _ بناء على ماذكره محقق كتاب أخبار مكة _ فلا مانع من الإحرام بحج التمتع من أي موضع منها سواء كان من مسجدها أو مساجدها الأخرى أم كان من بيوتاتها وفنادقها ولو من سككها وطرقها .
وأفضل المواضع من المسجد الحرام ، وأفضل مواضعه مقام إبراهيم أو تحت الميزاب ، وأما الإحرام من مكة المستحدثة فلا يُعلم من الشيخ (ره) جوازه ولا يمكن التمسّك بإطلاق كلامه لأنه ليس في مقام البيان من جهة الحدود وإنما هو في مقام بيان أصل المكان الذي يحرم منه لحج التمتع لا أنه في مقام حدود هذا المكان . فالأحوط لمقلديه عدم الإجتزاء بالإحرام من مكة الجديدة كالعزيزية والمعابدة .

المسألة الثالثة : وهي مسألة تقديم الطوافين _ طواف الحج وطواف النساء _ والسعي على الموقفين للمتمتع اختياراً ، وهو ما يأمر بعض المرشدين لمقلديه (ره) .

الجواب :
بالنسبة إلى المضطر والخائفة للحيض والنفاس ونحوهما من أهل الأعذار فلا إشكال في جواز تقديم الطوافين والسعي على الموقفين في حج التمتع وأما بالنسبة إلى المختار فلا إشكال في جواز تقديم طواف الحج وصلاته والسعي على الموقفين في حج التمتع على رأي الشيخ (ره) .
و إنما الكلام في جواز تقديم طواف النساء معها فعبارته في الإبتهاج ص : 94 جواز تقديمه ، ولكن رأيه في السداد ص : 17 ، وص : 179 والإبتهاج ص: 93 ، والأنوار الوضية ص : 181 ليس واضحاً إذ يحتمل أن الألف واللام للجنس فيجوز تقديم الطوافين والسعي ، ويحتمل أن الألف واللام للعهد فيحمل على طواف الحج دون طواف النساء فالأحوط لمقلديه في حال الإختيار عدم تقديم طواف النساء على الموقفين والله العالم .

المسألة الرابعة : وهي مسألة الإحرام قبل الميقات بالنذر ، فبعض المرشدين يأمر مقلديه (ره) بالإحرام قبل الميقات في العمرة المفردة في غير أشهر الحج كالعمرة الرجبية والشعبانية والرمضانية .

والجواب : لا إشكال على رأي الشيخ من جواز الإحرام قبل الميقات بالنذر في العمرة المفردة في أشهر الحج أو عمرة التمتع في أشهر الحج أيضاً .
وأما الإحرام بالنذر قبل الميقات للحج أو العمرة المفردة في غير اشهر الحج : ففي الإبتهاج ص:10 جواز الإحرام به ولكن في السداد : ص: 37 ، تخصيص الجواز بالعمرة دون الحج وأن تكون العمرة في أشهر الحج والعمل على مافي السداد لأنه هو المتأخر عن الإبتهاج .

فما يفعله البعض من الإحرام قبل الميقات بالنذر في العمرة المفردة في غير أشهر الحج كالعمرة الرجبية والشعبانية والرمضانية فمشكل ، فيلزم مقلديه في وادي قرن المنازل من الإحرام من وادي السيل الكبير والإحرام من وادي محرم في طريق الهدا .

المسألة الخامسة : وهي مسألة ضمّ الوضوء لغسل الإحرام فيأمر البعض بضم الوضوء للغسل مقدماً للوضوء على الغسل أو للغسل على الوضوء.
الجواب : فتوى الشيخ (ره) إن غسل الإحرام يجزي للصلاة والطواف بوحده ، ولا يجب ضم الوضوء له ، ولكن يستحب ضم الوضوء له فإذا أراد ضم الوضوء معه فالأحوط عنده تقديم الوضوء على الغسل لا تأخيره عن الغسل .
وهذا جارٍ في مطلق الأغسال المستحبة كغسل الجمعة ونحوه ، فالأحوط لمن أراد ضم الوضوء مع الغسل من تقديم الوضوء على الغسل .

المسألة السادسة : يأمر بعض المرشدين بالطواف بالبيت بين البيت والمقام عند الشيخ حسين (ره) فتضيق المسافة عند حجر إسماعيل فلا يبقى منه إلا خمسة أشبار من بعد الحجر فلا يجوز الطواف في أكثر من ذلك ولو كان بسبب الزحام .

الجواب : إن الخمسة الأشبار قد صرّح بها الشيخ (ره) في كتاب السداد ص: 76 ، والمنهاج ص: 23 ، وفي الإبتهاج ذكر بأن المتبقي خمسة أقدام والقدم أكبر من الشبر .
وما ينبغي أن يقال أن المسألة ليست من قبيل الأحكام التي يجب الرجوع فيها إلى الفقيه ولا من قبيل الموضوعات المستنبطة كالغناء في أنه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب ، فإن هذا الأمر لابد من الرجوع فيه إلى الفقيه ، بل هي من الموضوعات المحضة التي لا علاقة للإستنباط بها ولا يجب التقليد فيها فإن الواجب هو الطواف بين البيت والمقام من جميع الجهات وأما مقدار مايبقى فهذا موكول إلى العرف ، إذ يبقى من بعد الحجر ستة أذرع ونصف على ماقاله الكثير من المحققين وصرّح به الأزرقي في أخبار مكة . والمسافة من جدار الكعبة إلى نهاية الحجر عشرون ذراعاً فيبقى ستة أذرع ونصف ذراع يجوز الطواف فيها عند الحجر .
وليعلم أن التحديد بذلك إنما هو عند وسط الحجر وشئ مما يحيط به من الجانب الشرقي والغربي ، وأما بدايته ونهايته فيجوز الإبتعاد عنه بأكثر مما ذُكر .

المسألة السابعة : يأمر بعض المرشدين بإعادة الطواف من جديد لو شك في عدد الأشواط كما هو فتوى المشهور .

الجواب : رأي الشيخ حسين (ره) في هذه المسألة من أنه إذا شك الطائف في عدد الأشواط وكان الشك في النقيصة كما لو شك بين الخامس والسادس فهو مخيّر بين البناء على الأقل والإتمام والإعادة ، وبين الإعادة من رأس _ وهو الأحوط _ استحباباً . وهو اختياره في السداد ، ص : 77 ، والإبتهاج ص: 35 . وذهب في الأنوار : ص: 180 ، والمنهاج : ص : 24 ، إلى بطلان الطواف ووجوب الإعادة تعييناً ولكن الفتوى المتأخرة هي ماذكرناه من التخيير .

المسألة الثامنة : يأمر بعض المرشدين بعدم الإلتفات بصفحة الوجه في حال الطواف والسعي .
الجواب : المراد من الوجه المذكور في الطواف بحيث لو استقبل بوجهه الكعبة أو استدبرها بظهره بطل طوافه ، هو وجه البدن بقرينة المقابلة بالظهر ، ووجه البدن مقاديمه وهي الصدر والبطن ولا يشمل الرأس ، فلا مانع من الإلتفات بالرأس يمنة ويسرة في حال الطواف .
وكذلك الكلام في السعي حيث أفتى الشيخ (ره) بوجوب استقبال الجبل المطلوب بوجهه فإن المراد به وجه البدن وهي مقاديمه ، أعني الصدر والبطن فلا يضر الإلتفات بصفحة الوجه يميناً وشمالاً .

المسألة التاسعة
: وهي الوقوف مع العامة إذا حكم قاضيهم بثبوت هلال ذي الحجة ولم يثبت ذلك عند الشيعة ، فهل للمكلف أن يقف في عرفات والمشعر الحرام معهم أم لا ؟ وهل يصح الوقوف معهم كذلك أم لا ؟

الجواب : وهذه مسألة مهمة وقد صرّح الشيخ خلف حفيد الشيخ حسين بكفاية ذلك عند الشيخ حسين في كتاب الأنوار الجعفرية في شرح الأنوار الوضيّة حيث قال : ومراده من ذلك الهلال الظاهري عند المواقف ولو بحسب التقية عملاً بحكم الظاهر كما قدم تتمة الكلام في مبحث التقية موافقاً لقول الإمام حيث ذكر إن دارنا اليوم دار تقية ، وهي دار الإسلام لا دار كفر ولا دار إيمان .
فظهر من كلامه (ع) وكلام الجد (ره) الوقوف في عرفات منزل على مايثبت الهلال في الحجاز بحكم الشياع لا بطريق البينة العادلة وذلك بحكم الظاهر ، ولا تكليف بالفحص عن الواقع ونفس الأمر فالبحث في عصرنا خطأ محض بل إلقاء النفس في المهالك وهي محرمة _ انتهى كلامه زيد مقامه _ وهذا الكلام واضح الدلالة وصريح المقالة في الإجتزاء بالوقوف معهم وحفيده أكثر اطلاعاً ووقوفاً برأي الشيخ (ره) .
وأما قول الشيخ في السداد : ص: 125 حيث قال : فلوا وقفوا ثامنة غلطاً لم يجز ، ولو وقفوا عاشره فكذلك على الأشهر .
وكذلك قوله في الإبتهاج :ص: 56 حيث قال : [ فلو وقف بثامنه لم يجز ، وكذلك العاشر في الأصح . ] .
فالجواب عنه أن هذه الكلمات ناظرة إلى الحكم الأولي للمكلف ، وأما التقيّة فهي حكم ثانوي لها أحكام خاصة كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ونظر في الآراء والآثار

المسألة العاشرة : ذكر بعض المرشدين أن رأي الشيخ حسين (ره) في الصرورة هو التخيير بين الحلق والتقصير .

الجواب : المراد من الصرورة هو الذي يحج لأول مرة ولم يحج قبل هذه الحجة لا واجباً ولا مستحباً ، لاعن نفسه ولا نائباً عن غيره .

وحكم الصرورة عند الشيخ حسين (ره) هو تعيّن الحلق عليه ، وعدم كفاية التقصير له . وهو صريحه في الأنوار الوضيّة : ص: 185 ، والمنهاج : ص: 103 ، وظاهره في السداد ص: 170



الأحد، 15 أغسطس 2010

قرية (قزقز) وكانت هنا قرية


وكانت هنا تسمى (قزقز)

_( قرية قزقز) : وهي إحدى المناطق التي اندثرت الآن على خارطة البحرين ولم تعد تذكر ، وقد أرخها أكثر من مصدر وفيما يلي نتعرض لهذه المصادر فمنها :

الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه ماضي البحرين وحاضرها فقد ذكر هذه القرية وقال عنها : قزقز جنوبا عن الجفير وشرقا عن ام الحصم على ساحل البحر ، وذكرها التاجر في ( عقد اللآل في تاريخ أوال ) فقال عنها بعد ذكر الجفير مباشرة : وشرقيها إلى الجنوب قرية (قزقز) وهي على رأس ممتد في البحر جهة الشرق وبها سكنى الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة .

وبحسب المعلومات التي بحثت عنها وبعد سؤال أهالي الجفير وكبار السن فيها يتبيّن لي أن ( قزقز ) منطقة ساحلية ، تطلق على قسم الساحل الممتد من المنطقة مابعد الجفير إلى جهة الجنوب ، وهي مجموعة من النخل وبعض الأراضي الغير زراعية ومنها موقع فندق ( الخليج ) في الوقت الحالي قبل أن يحصل الدفان الذي غير معالم البحرين حالياً خصوصاً نواحي الجفير ، وقد كانت قرية وبها سكان إلا أن ساكنيها عفى أمرهم الزمن الذي يحمل الشقاء معه ، لتدور رحاه على هؤلاء الفقراء الذين كانوا ضحايا حروب ومطامع ، فقد هجروا الديار اللهم إلا القليل ممن يمتهن الزراعة ولازم مزارعه في تلك المنطقة ، أو كان يعمل أجيراً عند ملاك الأراضي في تلك المنطقة .
وهنا نبحث أمرين مما حصلت عليه من المعلومات الموثقة حول هذه المنطقة وهي نقطتان مهمتان وكلاهما ذات علاقة بتاريخ آل خليفة والعتوب وتاريخنا في البحرين عامة ، نذكرها حسب تسلسلهما التاريخي :

النقطة الأولى : واقعة قزقز الشهيرة
النقطة الثانية: علاقة المنطقة بشخصية الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة .

النقطة الأولى : ( واقعة قزقز ) : وهي إحدى الوقائع المهمة في تاريخ البحرين ، وتاريخ آل خليفة حتى أنها حملت إسم هذه المنطقة ودونتها لأنها وقعت على ساحل هذه المنطقة المندثرة ونحن ننقلها من عدة مصادر في محاولة لإيجاد صورة متكاملة عن هذه الواقعة وخلفياتها التاريخية .
والواقعة محور بحثنا هي إحدى ثلاث وقائع خاضها آل خليفة وأهل البحرين ضد الغزو العماني ، ودفع من خلالها شعب البحرين ثمناً باهضاً ضد الغزو العماني .

فيحدثنا التاريخ أنه بعد دخول آل خليفة البحرين وبعد أن استتب الحكم فيها للشيخ أحمد الملقب بالفاتح والذي توفى في العام (1209هـ ـ 1794م )، استلم الحكم فيها ابنه سلمان وفي عهد سلمان وقعت الواقعة الأولى وذلك في العام ( 1215هـ وهي بين 1800م أو1801م) حيث غزا البحرين حاكم عمان سلطان بن أحمد بن سعيد البو سعيدي بجيشه الذي غزا مناطق البحرين وأسر الشيخ محمد بن أحمد الفاتح رهينة وهو أخ الحاكم الشيخ سلمان وأخذه إلى عمان ، وعاث جنوده في الأرض نهباً وقتلاً ، وفر الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح ( الحاكم ) وأخذ معه عائلة آل خليفة على الزبارة . وفي هذه الواقعة وما تلاها من غزو العمانيين قُتل علامة البحرين الكبير الشيخ حسين بن محمد آل عصفور في العام 1216هـ وذلك بعد تاريخ الإحتلال العماني في غضون عام حيث كان يدافع عن أرضه من الغزو الغاشم.

وأما الواقعة الثانية فتعرف بواقعة الـ(المقطع ) وكانت في العام ( 1230 هـ ـ 1814م ) ، حيث توجه السيد سعيد بن سلطان ومعه ارحمة بن جابر لغزو البحرين ، واحتلوا جزيرة سترة وكانت المواجهة بينهم وبين آل خليفة بقيادة الشيخ خليفة بن سلمان حتى انتصر آل خليفة وولى سلطان عمان هارباً وتعرف أيضاً بـ( دولة الإمام في سترة ) ، وكانت البحرين في حكم الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح ، وكانت المرجعية الشيعية آنذاك في سترة بزعامة الشيخ عبد الله بن الشيخ عباس الستري البحراني المعروف بالمقلد . وأما المرجعية التي جمعت بين الجانبين السياسي والفقهي فهو آية الله الشيخ محمد بن خلف الستري رحمة الله عليه الذي كان له دور بارز في تلك الفترة بعد رحيل الشيخ حسين العصفور ، كما كان اسمه متكرراً في الوثائق العمانية التي تعود لتلك الحقبة وربما نحتاج لبحث مستقل حول هذه الشخصية لتسليط الضوء بشكل أكبر .
وواقعة أو معركة ( قزقز ) هي الثالثة والأخيرة في سلسلة الغزو العماني لجزيرة البحرين إبان حكم الدولة الخليفية ونحن ننقلها كاملة من كتاب ( عقد اللآل في تاريخ أوال ) وذلك لكون المؤلف قد استفاد من كتابي النبهاني والخيري وأضاف عليهما فهو أكثر تكاملاً ثم أضفت مايؤرخ لهذه الحادثة من بعض المصادر فيقول التاجر :
وفي سنة 1244هـ ، بعد مرور سنتين على قتل ارحمة بن جابر الجلاهمة _ وهو قرصان بحري انتحر 1242هـ في إحدى المعارك مع آل خليفة بقيادة الشيخ عبد الله بن أحمد والشيخ أحمد بن سلمان ، وكان قد أثار القلاقل ضدهم فحاربوه ولما أحس بالهزيمة انتحر _ توجه ابنه بشر على مسقط لإغراء حاكمها السيد سعيد بن سلطان على مهاجمة البحرين وإشهار الحرب على آل خليفة إنتقاماً لأبيه متخذاً امتناع حكومة البحرين عن دفع الخراج المقرر الذي صار عليه الصلح بعد واقعة سترة وسيلة لإيغار صدر السيد سعيد . فحازت أقواله موقعها من القبول حيث قد أغاظه وأغضبه امتناع آل خليفة من أداء الخراج اللازم له عليهم ، فأخذ هذه المرة يستعد لغزو البحرين استعداداً كبيراً . فدأب على جمع الرجال والذخيرة والعتاد والمال وترتيب شؤون الحملة مدة شهر كامل حتى أنه لم يترك أحداً يقدر على حمل السلاح إلا وضمه إلى الجيش من جميع جهات عمان وصور وصحار والجبل ومسقط وغيرها ، واجتمع لديه من السفن مايربوا على ثلاثمائة سفينة فأركب جموعه فيها واقلع قاصداً مهاجمة البحرين بهذه الحملة العظيمة . فلما بلغ آل خليفة في البحرين خبره جمعوا رؤساء القبائل ، وكبار العشائر وتشاوروا ، فمنهم من اقترح باستنجاد الأصدقاء والأحلاف والأكثرية أبوا إلا الإعتماد بعد الله على أنفسهم لئلا يقال لم يكن لهم كفاية فاستعانوا بغيرهم ، فأجمعوا على الرأي الأخير وقر قرارهم عليه . وأخذوا يجمعون قواهم ويعدون عدتهم ويصلحون شؤون سفنهم ويرتبون أسلحتهم وعمارتهم فاجتمع لديهم من الفرسان ثلاثمائة فارس ومن المشاة زهاء ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل ومائة وستين قطعة من السفن فيها من المقاتلة ألف وستمائة جندي وأناطوا القيادة البرية بالشيخ خليفة بن سلمان والقيادة البحرية بالشيخ عبد الله بن أحمد ثم اشتغلوا بتحصين البلاد كالمنامة والمحرق وأقاموا على القلاع الرجال بالسلاح الكامل والمؤنة ، والذخيرة . وقسم خليفة جيشه إلى ثلاثة أقسام جعل قسماً من داخل الأسوار والقسم الثاني أخفاه في غياض البساتين ، وقلعة الديوان وهم جل الخيّالة وترك القسم الثالث وهو أقل الأقسام منتشراً حول البلاد خارج الأسوار للمدافعة وهم معظم الرماة وأوصى هؤلاء بتسديد الرمي حين مقابلة العدو فإذا دخل عليهم يتقهقرون متخذين خطة الدفاع وسيطمع فيهم لقلة عددهم ، وأوصى جميع الرجال بما يلزم في مواقف الحروب ومصادمة الأهوال ، أما عبد الله بن أحمد فقد قسم أسطوله قسمين جعل القسم الأول في ( المزروعية ) خوفاً من مباغتة العدو للبلاد من تلك الجهات ، وجعل القسم الثاني في الخور بين المحرق والمنامة ثم جمع كثيراً من السفن الصغيرة وملأها بالحجارة والتراب وأخفاها في جزيرة سترة ، وفي جهات أخرى وأوعز لها بما يلزم في حينه ، ولما أتموا ترتيب شؤونهم الحربية واستعدادهم وتدابيرهم أقاموا ينتظرون قدوم العدو عليهم الذي وصل بعد أيام وأشرعة (قلوع) سفنه قد حجبت الفضاء وتلاحقت سفنه العظيمة بعضها ببعض ومازالت تقترب حتى احتلت مضيق ( القليعة ) وهنا اجتمعت ببعضها ، تحيط بمركب السيد سعيد الكبير المملوء بالألوية والأعلام وحين وصوله أطلق المدافع إنذاراً وإشعاراً بالحرب ، ثم أرسل رسولاً بكتاب إلى حكومة البحرين يخيرهم فيه بين تسليم الخراج الممنوع والرجوع إلى طاعته وبذلك تحقن الدماء ويعود عنهم إلى بلاده . أو الحرب فوصل الرسول وقدموه إلى (مشهور) وهي سفينة القائد فركبه وعرض الكتاب على الشيخ عبد الله بن أحمد . فلما وقف على معناه لم يجب بغير الحرب. وحينئذ شمرت الحرب عن ساعدها وأبرزت نابها ومخلابها وبدأت المهاجمات وازدحمت سفن آل بوسعيد عند رأس (قزقز) وصدرت الأوامر للعساكر بالنزول فنزلت الكتائب يتلو بعضها بعضاً . بمحل يقال له ( الجفير ) وقد امتلأت نخوة وحماسة فتصدت لقتالهم شرذمة الرماة التي رتبها الشيخ خليفة لهذا الغرض وأوصاها بان تقاتل القوم وهي تتقهقر ، فلما رأى آل بوسعيد قلة المدافعين طمعوا فيهم فأطبقوا عليهم من كل ناحية ومكان ، وتأججت نيران الضرب والطعان فما كان من فرقة الرماة إلا التأخر والتقهقر متخذين خطة الدفاع والإنسحاب بنظام حسبما رسمه لهم قائدهم الباسل فازداد طمع آل بوسعيد فيهم وألهبوا نيران الحرب شدة بالحملات عليهم ابتغاء تطويقهم بالإلتفاف واستئصالهم من ميدان المصاف ، فلما توسطوا ساحة بر ( الجفير ) واتسع المجال للحرب والطعن والضرب ورأى الشيخ خليفة أن ساعة الإنجاز قد دنت والفرصة قد سنحت إليهم أشرك بقية جنوده الكامنين خلف الأسوار وفي البساتين بالهجوم على الأعداء والإنتصاف منهم فخرجوا من مكانهم مثل الصقور وانقضّوا على آل بوسعيد انقضاض البواشق على الحمام وجودوا فيهم الضرب بالحسام الصمصام ، ثم كرت الفرقة الأولى المدافعة واستبدلت التقهقر بالهجوم فلما شعر هؤلاء بالمكيدة علموا أن الخطب جلل وأنهم وقعوا في معضل وأنه لا ينجيهم منه إلا الثبات لكل هول والصبر على لقاء الخطب المهول فثبتوا في محل الضرب بثبات الرواسي غير أن آل خليفة لم يرعهم ثبات خصمهم فصمدوا له وناجزوه القتال وصافحوه ببيض الصفاح ، وسلب الآجال فتزعزع ثبات آل بوسعيد وداخلهم الفزع والهلع فتغيرت مواقفهم وارتبكوا في أمورهم فهال السيد سعيد ذلك الوهن فصاح في رجاله وحمّاهم وحرك نخوتهم ، وأجج حماسهم ثم التفت إلى جهة البحر فرأى ما يفت في العضد ويقطع عليه خط الرجعة ، فزاد ذلك في بلباله وتفاقمت أهواله . وذلك انه رأى السفن الخليفية العظيمة قد انقضّت على أسطوله تدمره وترسله إلى قاع البحر ليسبر غوره ، فخاف عاقبة الفشل فالهزيمة ، فنخى رجاله وثبتهم ولكن أين الثبات وقد انحلت منهم العزائم ، فلم يجد ذلك فيهم ، إذ لم تبق فيهم بقية من القوة للنخوة فاضطر للرجوع إلى البحر لحماية أسطوله الذي أشرف على البواد من هجمات الأسطول الخليفي فانكسر جيشه شر كسرة وتشتت عقد نظامهم وانهزموا يطلبون الشواطئ ابتغاء السلامة من الفناء المحتوم الذي أمامهم ، فتأثّرهم جيش البحرين يقتل فيهم قتلاً ذريعاً ففروا لا يلوون على شئ ، وغرق معظمهم ، ومن نجا منهم وهو أقل القليل توصل إلى السفن وهو على آخر رمق ، وما وقع على الجيش البري فقد حصل مثله للأسطول والجيش البحري حيث ان الأسطول السعيدي لم يقو على صد هجمات الأسطول الخليفي فانكسر وانهزمت سفنه تطلب طريق النجاة . وهناك رأت أن خدعة الشيخ عبد الله قد أوقعتها في الفخ الذي نصبه لصيدها ، لأن المذكور ساعة التحام القتال واشتعال الفريقين بالنضال أصدر أوامره إلى السفن الصغيرة التي شحنها صخوراً بإلقاء حملها في المضيق لردم المعبر ليمتنع على العدو المرور منه لوعوّل على الإنهزام وهكذا كان . فإن الأعداء لما رأوا أن لا قبل لهم بمحاربة أهل البحرين اقلعوا يطلبون المرور من ذلك المضيق للنجاة بأنفسهم . فرأوا أن المرور منه أصبح ممتنعاً بفضل ما ألقي فيه من الصخور المتراكمة كالجبال فحاروا في أمورهم وخارت عزائمهم وتيقنوا أنهم قد أحيط بهم لا محالة وأن لا سبيل إلى نجاتهم ، فقاتلوا قتال المستميت ودافعوا عن أنفسهم دفاع من لا أمل له في الحياة ولكنه دفاع غير مجد . حيث ان العمارة الخليفية قد تفوقت عليهم وتلفت أكثر سفنهم وأسرت جانباً عظيماً منها فعض السيد سعيد أصابعه قهراً ، واسودت الدنيا في عينيه وأجهد نفسه في أن يمر من ذلك المضيق وبعد الجهد الجهيد تمكن من عبوره في سفينة صغيرة والتحق به بيخته الخاص الراسي على بعد من الميناء فامتطاه وتمكن من النجاة بنفسه ورجال حاشيته وخواصه وطلب عرض البحار لا يلوي على شئ ، وهو يلعن الأطماع التي أوقعته في هذا المأزق الذي لم يخلص منه والذي غررت به وبناموسه . أما بقية جيشه لما لم يروا لهم مقدرة على القتال ولا مفر ولا ملجأ ألقوا السلاح وطلبوا الأمان فأمنهم الشيخ عبد الله على أرواحهم ، وسلب مامعهم من مال وسلاح ومؤنة وذخيرة ، وجمعهم وأركبهم فيما يحملهم من السفن وسفرهم على بلادهم بعد أن أصحبهم بكتاب إلى السيد سعيد فحواه : إنه بإمكاني لحوقك والإيقاع بك ولكني تركت ذلك حرمة لك واعتباراً لمقامك . وهاقد علمت أن مشترانا لأمارة البحرين كان بثمن غالٍ جداً وهو الدم الزكي ولذلك لا تباع برخيص من مال أو نوالٍ بل بدماء تخضب البطاح وضرب يسلب الأرواح فثب على رشدك واكفنا شرك . وعلى هذا الوجه انتهت هذه الوقعة المشؤومة وقد أرخوها بقولهم ( بالله سعيد وغُلب ) سنة 1244هـ وتعرف بواقعة ( قزقز ) نسبة للموضع الذي وقع القتال البحري فيه ، وقد قدرت خسائر الطرفين بثلاثة آلاف بين قتيل وجريح أكثرهم من آل بوسعيد ، وفي نقل آخر أن قتلى وغرقى أهل مسقط وعمان يزيدون على ثلاثة آلاف شخص ، وأما خسارة أهل البحرين فقتيل واحد يقال له ابن عرفة والجرحى كثيرون ، ويستشهدون لذلك بقول أهل مسقط أنفسهم من قصيدة نبطية :
عجايب يا بني عتبة عجايب ثلاثة آلاف مافيهم شايب
وغنم أهل البحرين منهم مركباً شراعياً كان خاصاً لركوب السيد سعيد . ثم إن بعض صغار آل خليفة تشاجروا على امتلاكه فأمر الشيخ عبد الله عليه فأحرق قطعاً للنزاع ، وقد حضر هذه الوقعة نصيراً لآل خليفة مزيد بن هذال مع خمسين رجلاً من قومه العمارات وهذه آخر وقعة جرت بين أهل البحرين وآل بوسعيد وبعدها قطعوا الأمل من امتلاك البحرين . ( 118) . _ انتهى _

أقول : ويبدو أن الشيخ التاجر أخذ معلوماته هذه عن كتاب (التحفة النبهانية ) كما يلاحظ هذا عند مقارنة النصوص ، إلا أن صاحب كتاب ( مجموع الفضائل ) وهو الشيخ راشد فاضل آل بن علي قد انتقد معلومات النبهاني في جزئية واحدة حيث قال : وأما من قتل من أهل البحرين بالنسبة للمسقطيين فقليل ، وقيل مائة وخمسون سوى المصابين ، أما ماذكره ابن نبهان أنه ماقتل من أهل البحرين إلا رجل واحد يسمى ابن عرفة فهذا غلط من المملي عليه في أمله أنه مدح وليس كذلك .
والنفس تركن لنقولات صاحب مجموع الفضائل أكثر من النبهاني فهو ابن بجدتها في الحفظ والتاريخ علاوة على انه من سلالة العتوب وقام بتدوين وحفظ كل مالأسلافه من تراث وماض والله تعالى العالم بحقائق الأمور .

النقطة الثانية : علاقة المنطقة بشخصية الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة .
لهذه المنطقة علاقة وثيقة بالشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة ، سيما في زمن عيسى بن علي حاكم البحرين في تلك الفترة من ، ويمكن أن نلمس هذا واضحاً في الوثائق التي تعود لتلك الحقبة فقد جاء في بعض المصادر: [الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة عين وزيراً لسمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين عام 1888م، ويذكر أنه قد عمل بتجارة السلاح لفترة ليست بالقصيرة ] ، ولا يخفى أن الشيخ عيسى بن علي ، قام بتوزيع مناطق البحرين على أولاده وأقاربه ، وهو نظام إقطاعي عمل به في البحرين وأشار إليه النبهاني في تحفته ، وكانت قرية (قزقز) تقع تحت سلطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب ، وقد تملك فيها المزارع والبيوت ، إلا أنني أرجح ببعض القرائن أن هذه القرية قد فقدت عنوان القرية في فترته بل ربما فقدت هذا العنوان منذ الغزو العماني الذي ذكرناه وكان في فترة حكمه عليها فاقدة لعنوان القرية ، حتى أنها مفقودة من ذاكرة الكثيرين من أهالي (رأس رمان) ، و(الجفير والغريفة) و(الماحوز) مما يوحي أنها كانت أبعد بكثير من زمن عيسى بن علي ، وزوالها كان أبعد من زمانه وهذه وثيقة عرضها الأخ بشار الحادي ضمن وثائقه التي عرضت في جريدة الوقت في العدد ( 1098) بتاريخ : 13 فبراير 2009م وهي وثيقة هبة من الشيخ المذكور لأولاده وزوجته لبعض (الحضور) وجاء في المصدر : [وثيقة يهب فيها الشيخ عبدالرحمن الحظرتين الكائنتين في بحر الغريفة من البحرين والمسماة ''أم رطل'' و''الحبابية'' لزوجته موزة بنت محمد بن سعيد آل بو حمير آل القبيسي وأولادها محمد، ورزق، وعطية الله وهذا نص ما ورد فيها: بسم الله الرحمن الرحيم :أقول وأنا عبدالرحمن بن عبدالوهاب بن سلمان آل خليفة بأني أعطيت وأوهبت الحظرتين الكائنتين في بحر الغريفة في بحر البحرين المسماة ''أم رطل'' و''الحبابية'' بجميع ما للحظرتين المذكورتين من الحدود والحقوق والتوابع واللواحق من أرض وسماء وما يعد فيهما وينسب إليهما أوهبتها لزوجتي موزة بنت محمد بن سعيد آل بو حمير وأولادها محمد ورزق وعطية الله وما تناسل لي من الأولاد والذكور منها أي موزة بنت محمد بن سعيد المذكورة جارياً مني هذه الوهيبة في حالتي الصحة والاختيار من غير إكراه ولا إجبار، بالتخلية الشرعية مراعي فيه التقرب إلى رب البرية، وهباً مؤبداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم.حرر في 28 جمادى الثاني سنة 1334هـ ، 2/5/1916م ، نعم صدر مني ما ذكر في هذه الورقة وهذا خطي بيدي وأنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة وأنجزته مهر. أشهدني بما في باطن هذه الورقة من الهبة وحيازتها الرجل المكرم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب فأنا أشهد بذلك وأنا الأقل سعيد بن أحمد بوبشيت مهر.شهد بذلك عبدالله بن سعد بن شملان على الهبة والحوز مهر.شهد بذلك عبدالعزيز بن عبدالعزيز بن عبدالوهاب آل سلمان مهر.أشهد بما في هذه الورقة من الهبة والحيازة وأنا سعد بن عبدالله بن شملان مهر.وأيضاً أوهبت زوجتي موزة بنت محمد بن سعيد حظرتي المسماة ''المقصوصة'' الكائنة في بندر الغريفة من أعمال البحرين مع أولادها هبة مُنجزة حتى لا يخفى حرر في 28 جمادى 2 سنة 1334هجري ،2/5/1916م ، نعم صدر مني ما ذكر في هذه الورقة وأنجزته وأنا عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة مهر.يخرج منها الحظرة (الحبابية )التي عاوضت مالكيها حكومة البحرين ـ وهي التي أعدمتها فرضة الأسطول البريطاني في 4 رمضان سنة 1355هـ ، (18/11/1936م) ـ التعليق من كاتب المقال ـ .مدير الطابو /التوقيع . ] . أقول ومازالت المنطقة تحمل بصمات من شخصية الشيخ عبد الرحمن كالمسجد الذي بناه وبعض البساتين المهجورة ، وبعض البيوت القديمة التي تمكنا من تصويرها . وأما السكان الذين كانوا في هذه المنطقة فلم أتمكن من الحصول على أي معلومات عنهم سوى أنه كانت هنا قرية تعرف بإسم (قزقز) ، وبحسب المصدر فإن وفاته كانت في تاريخ 29 محرم 1352هـ ، 24/5/1933م ، ودفن بجزيرة المحرق ، والحديث يطول وأكتفي بهذا المقدار على أن أواصل في جانب آخر إن شاء الله تعالى .

السبت، 6 فبراير 2010

مرثية الحسين

هذه قصيدة نظمتها في رثاء الإمام الحسين عليه السلام
*******
مالجفني أمسى حليف السهادِ* إذ نسيت الكرى وطيب الرقادِ
قلبتني خواطر الطف حتى * أتقنت رمي رمحها في فؤادي
حيث رسم الحسين في العين شلوٌ * ونواعيه فوق سبعٍ شدادِ
عين جودي عليه بوركت هذا * خيرة الله وهو أي جوادِ
لست أنساه والنبوة ترعا* هُ وليداً في حجر أكرم هادِ
طالما قبّلَ النبيُ لنحرٍ * هبّر السيف نوره بالعنادِ
من ترى يبلغ البتولَ وينعى * شبلها الطهر وهو فوق الوهادِ
يا ابنة الطاهرين هذا حسينٌ * ماله غير نسوة من منادِ
تلك تنعاه والدموع غزارٌ* ساكباتٌ مثل الحيا في البوادي
وعلى رأسها أرى تلك تحثو * وهي ثكلى مروعةٌ ياعمادي
ثم أخرى تشم نحراً قطيعاً *صار يبكي عليه قلب الجمادِ
وهي ترنو لثغره فوق رمحٍ * ياترى وجهوه في أي وادِ
واليتامى يلوذ بعضٌ ببعضٍ * بعدما أُحرقت خيامُ الرشادِ
يالجسمٍ مضرّجٍ في دماهُ * وعليه تجول تلك العوادي
هشّمت صدره وكان محلاً * عنه جبريل رائحٌ ثم غاد
واحسيناهُ مابرحت انادي * وهي عندي مناحة للمعادِ
تمت في 20 صفر 1431هـ

زيارة الشيخ القرشي للبحرين

زار البحرين سماحة العلامة المحقق الكبير الشيخ باقر شريف القرشي ( دامت بركاته ) وحط رحاله ضيفاً في البحرين قادماً من رحلة علاجية من الهند ، وكان لي شرف اللقاء معه فرحبت به بهذه الأبيات المتواضعة ، في مجلس ضم كوكبة من علماء البحرين في حسينية بن سلوم في يوم 18 صفر1431هـ وهذه هي الأبيات :

حلَلْت بأرضنا ضيفاً حفيّا * أحلّت في مرابعنا الثريّا ! ؟
أم الأشواقُ هبّت من أوال ٍ * لتطويَ أرضَها بالحب طيّا ؟
فريحُك عابقٌ طُبعت عليه ِ * معانيَ حيدر ٍ ترويه ريّا
وما قد جئتنا بل نحن جئنا * بأشواقٍ لمن سكن الغريّا
فأهلاً شيخنا إنا قلوب ٌ * بكم أنست لأهل البيت هديا
وأهلاً شيخنا القرشيَ طابت* بكم أرواحُنا وأتتك سعيا

الثلاثاء، 26 يناير 2010

الحنينية في ذاكرة البحرين

نبذة تعريفية :

الحنينية ، عين ماء- بئر- ،و واد يقع في الرفاعين من جهة الرفاع الشرقي واسم لموقعة أيضاً . وتعتبر عين الحنينية إحدى أشهر عيون الماء في البحرين فهي تأتي بعد عين عذاري ، وقصّاري من حيث الشهرة ، وإحدى ثلاث عيون مشهورة في تلك الناحية وهي عين أم غويفة وعين العتيقة ، وكان ماؤها عذب بحيث يضرب فيه المثل لشدة عذوبته في البحرين فيقال ( كأنه ماي حنيني ) ويمكن أن يقال أن ماءها من أعذب مياه البحرين . وأما الوادي المجاور لها من جهة الجنوب وتطل عليه قلعة الرفاع فهو واد جميل إلا أنه يعتبر من المناطق الممنوعة تقريباً ولا يحتوي هذا الوادي على أي مواقع أثرية بحسب المسح الذي أجرته الكثير من البعثات في البحرين وهو واد صحراوي تكثر فيه أشجار العوسج ولا يرتاده إلا القليل سوى القاطنين في الرفاع . ويضم بعض المنشآت النفطية وناد رياضي .
الماء الحنيني في ذاكرة المنامة :
حكى لي أكثر من رجل من كبار السن ان جماعة من العمانيين وبعض القاطنين في الرفاع كان يمتهن مهنة نقل الماء والمعروف قديماً بالسقّاي ، وكانوا يحملونه على البغال والحمير ليوصلوه لأهل المنامة وكان المشرب المفضل عند علية القوم وحتى بقية الناس لكونه أعذب مياه البحرين

في كتب التاريخ والمصادر :

1- لعل أقدم مصدر ذكر هذه العين في المصادر التاريخية يرجع للعام 1604م للرحالة البرتغالي [ بيدرو تنهسيرا] حيث يقول في وصفه للبحرين : ( وتوجد آبار في البحرين ولكن أغلبها ليس عذباً ، ومع ذلك يصلح ماؤها للشرب ، وأحسن هذه الآبار الحنينية ، وهذا البئر عميق ويقع في وسط الجزيرة ، وتأتي بعده في الجودة تلك الينابيع التي تتواجد تحت سطح البحر .. ) ويلاحظ على كلامه حصره عين الحنينية كأفضل ماء عذب في بر البحرين وهذا الكلام صحيح حيث كان هذا الماء يطلب ويصل حتى أهل المنامة فإن العوائل المرفهة منهم يجعلونه منهلهم الأول . ولا شك إن بئر الحنينية أو عين الحنينية تعود لتاريخ أقدم من هذه السنوات بكثير فلهذه العين وجود قبل قدوم الأسرة الخليفية للرفاع واستيطانهم فيها .

2- وذكرها النبهاني في كتابه [ التحفة النبهانية ] في ذكره للمدينة الرابعة _ بحسب تصنيفه _ وهي الرفاع فقال مانصّه : ( وشرب أهله من أربعة آبار ثلاثة منها جهة الجنوب في الروضة ، وهي من حفر الأقدمين ، والرابعة جهة الشمال وتسمى الحنينية المشهورة بالعذوبة ، والآمر بحفرها الشيخ سلمان بن أحمد _ المذكور _ ( ابن احمد الفاتح ) وعمقها نحو ثمانية أبوع . وأوقف عليها نخلاً لتعميرها ولإظهار الماء منها إلى بركة بحذائها لتستقي منها النساء والفقراء ) .

وذكر في موضع آخر مانصّه : [ وجعل الشيخ سلمان بلدة الرفاع قصبة حكمه وحفر غربي القلعة المذكورة البئر المشهورة ( بالحنينية ) ... ]

الملاحظات على كلامه :

ويلاحظ من هذا الكلام بعض الأمور المهمة وهي :

- إن في الرفاع أربع عيون ماء
- يذكر أن ثلاث من العيون كانت قد حفرها الأقدمون
- يذكر أن عين الحنينية المعروفة قد حفرها الشيخ سلمان بن الشيخ أحمد ، وهذا لا يصح حيث ورد في التقرير السابق الذي ذكرناه أن هذه العين موجودة قبل نزول آل خليفة للبحرين واستيطانهم فيها فقد كانت هذه العين بدرجة من الشهرة لعذوبة مائها ، بحيث ذكرها ( بيدرو تنهسيرا ) في كلامه عن البحرين ، كأبرز عيون الماء في جزيرة البحرين وإلا فالرفاع لم تكن بتلك الشهرة قبل نزول آل خليفة فيها . فكلامه من إن الشيخ سلمان هو الذي حفرها غير صحيح نعم ربما أمر بإصلاح شأن هذه العين لأهميتها بالنسبة للقاطنين في الرفاع ومن حولها . ونفس كلام النبهاني نقله التاجر في كتابه عقد اللآل دون تعليق أو إضافة . ومن ناحية أخرى لا ننسى ان هذه القلعة _ قلعة الرفاع _ هي أقدم من زمن دخول آل خليفة البحرين وبالتالي فالحاجة للماء كانت اقدم بالنسبة لقلعة محصنة فقدم القلعة التي بنيت زمن فرير بن رحال ينبئ عن ان البئر او العين اقدم تاريخياً .
ثم إن التقرير السابق كان في مطلع القرن السابع عشر ، واستقرار الشيخ سلمان بن أحمد في الرفاع كان في القرن التاسع عشر فلاحظ الفرق بين الفترة الزمنية بين الطرفين ولا غرابة فإن صاحب التحفة النبهانية ليس من أهل البحرين وقد دوّن ما أملي عليه دون تحقيق واطلاع .

تعليق ورد في مجلة الوثيقة :

وتحت هذا العنوان وكلام النبهاني لا يفوتني أن أنقل ماجاء في مجلة الوثيقة العدد 55 للعام 2009م / للدكتور علي أبا حسين حول هذه النقطة في كلامه عن الرفاع الشرقي : ( وفيها عين الحنينية ، وماؤها عذب ، وهي عميقة ، وأوقفت هذه العين على جميع الناس وكانت النساء يرتدنها ويسبحن فيها ، ويشرب منها الفقراء .) .
ويلاحظ في كلامه أن عين الحنينية كانت موقوفة ، فلعل الواقف هو الذي قام باستصلاحها على نفقته بعد أن كانت موجودة في الأصل وقام بوقف النخيل على إصلاحها وبالتالي قام بوقف هذا المشروع برمته وإلا فلا وجه للوقفية فيما لايملك ( لأن الوقف فرع الملكية والتصرف ناشئ من قاعدة السلطنة الفقهية ) ، وإلا فكيف يوجه كلام صاحب التحفة النبهانية .
والمستفاد بحسب نقل الدكتور أبا حسين الذي بلا شك أنه اطلع على الوقفية أو نقلها من مصدر موثوق فالدكتور هو الذي يدير قسم الوثائق التاريخية منذ سنوات . نقول أن المستفاد أن عين الحنينية هي وقف لهذا الشعب وللناس جميعاً وليست ملكاً لأحد .

3- وذكرها في قلائد النحرين ، ناصر الخيري ( المتوفى 1925م ) مستطرداً في ضمن حديثه عن الرفاع الشرقي فقال : وبها أبيار ماء الحنيني المشهور بعذوبته ) ولا فرق بين البئر والعين فالمقصود واحد ، ولكن الغريب تعبيره بصفة الجمع في كلمة أبيار ، وربما من باب تغليب عين الحنينية بإسم الوادي الذي لا يبعد أن يكون بالقرب منها غيرها فيأخذون اسمها تغليباً .

4- وذكرها أيضاً الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه ( ماضي البحرين وحاضرها ) في ذكر الرفاع الشرقي قال : وفي الرفاعين الحنينية الشهيرة وهما عينان عذبتان ليس في البحرين ولا غيرها من الينابيع الطبيعية عذوبتهما بل هما وماء المطر سيّان .

إقامة متنزه الحنينية :

لقد ضلت عين الحنينية لسنوات طويلة تقدر بأكثر من خمسة عشر عاماً من عامنا هذا 2010م مغلقة ومحاطة بحيث لا يصل لها أحد ،علامة على كونها من الأملاك الخاصة ، وقد شربنا من مائها إلى حوالي أواخر الثمانينات من القرن الماضي حيث كانت متاحة للناس يملؤون منها ما يشاؤون ، ثم أحيطت بسور وبعدها لا نعلم مالأمر ، إلى أن قرأت في جريدة الوطن عن فكرة مشروع إعادة تأهيل العين وقد جاء في الخبر مايلي : أشار رئيس بلدي الجنوبية علي المهندي إلى بدء العمل فعلياً على إعادة تأهيل عين الحنينية وعين أم غويفه والعين العتيقة بالتعاون مع وزارة شئون البلديات والزراعة، حيث من المرجح أن تصبح تلك العيون واجهة سياحية هامة في ديسمبر المقبل تزامناً مع احتفالات البلاد بعيد جلوس جلالة الملك والعيد الوطني. وقال المهندي إن ''تلك العيون الواقعة في وادي الحنينية والرفاع الغربي تعد من العيون التراثية القديمة التي كانت مقصداً لجلب المياه العذبة وتزويد المنازل القريبة والبعيدة، والتي لا تزال تنبع بالمياه العذبة بالرغم من الإهمال التي تعرضت له خلال السنوات الماضية، الأمر الذي سيسهل عملية إعادة تأهيل تلك العيون. وفيما يتعلق بمراحل التأهيل، نوّه المهندي بقيام المجلس البلدي بالتعاون مع وزارة البلديات والمقاول المختص بالمشروع بتصميم خرائط لتنفيذ المشروع وبالشكل القديم لتلك العيون وبما يترجم رغبة جميع المعنيين في تأهيل وترميم تلك العيون دون المساس بتصاميمها الأصلية. وأضاف أن ''المجلس البلدي بالمنطقة الجنوبية حريص على إتمام هذا العمل في وقت قريب والعمل سيتواصل مع المناطق المحيطة بالعيون من حيث تجميلها وإعادة إحيائها بحيث تصبح واجهه ومعالم سياحية هامة في المنطقة الجنوبية''.

بين الوادي والعين معركة الحنينية :

ذكرت في بداية تعريفي بالحنينية أنها بئر أو عين وقد تحدثت عنها ، وهي كذلك واد يقع غربي الرفاع الشرقي ويمتد حتى تخوم سافرة من جهة الغرب ومن جهة الجنوب يمتد بالممشى الجديد وفيه بعض المنشئات النفطية والأنابيب ويرتاده بعض المتنفذين كما أسلفنا ، إلا أن القلعة عند فئة من الناس تعرف أيضاً بقلعة الحنينية نسبة للواد ولكن هذه التسمية غير مشهورة و بين هذه المنطقة وقعت معركة في يوم من الأيام لا يفوتنا أن نذكرها :
تعرف هذه المعركة بـ( وقعة الحنينية ) وقعت بالقرب من العين وكانت في العام 1258هـ ، بحسب نقل صاحب التحفة النبهانية ، وطرفا المعركة هما من آل خليفة والسبب هو كرسي الحكم ، فالطرف الأول هو الشيخ عبد الله بن أحمد الفاتح من آل خليفة وقد كان الحاكم الفعلي للبحرين وهو ثالث حكام آل خليفة تولى الحكم في البلاد في العام 1236هـ بعد وفاة أخيه سلمان بن أحمد ، والطرف الثاني هما الشيخ محمد بن خليفة بن سلمان بن أحمد الفاتح وهو حفيد أخيه ( أي حفيد أخ الحاكم الشيخ عبد الله ) ، وأخوه الشيخ علي بن خليفة ، وبدأت هذه المعارك على أكثر من ناحية من نواحي البحرين منها ( الناصفة ) بالقرب من سند وتعرف بوقعة الناصفة ، و ( وقعة سوق الخميس ) بالقرب من البلاد ، والثالثة هي ( وقعة الحنينية ) وبعدها وقعة ( الساية ) بالمحرق وكل هذه الوقائع في نفس الفترة إنما ميزها تبدل المواقع على جزيرة البحرين وقد وقف بجنب الشيخ محمد بن خليفه أخوه الشيخ علي الذي انتصر عل الشيخ عبد الله في موقعة الحنينية وتمكنا من هزيمة عم أبيهم الحاكم الشيخ عبد الله وانتزعا الحكم منه بعد أن استعانا بالعتوب من آل بن علي المتواجدين في جزيرة قيس ( كيش ) حالياً واستعانا بقبيلة النعيم وآل بوكوارة والجلاهمة حيث اجتمعوا على الحاكم الشيخ عبد الله فانهزم من أمامهم ، وتولى الشيخ محمد بن خليفة مقاليد الحكم كحاكم رابع من عائلة آل خليفة وقد قتل في هذه المواقع جماعة من آل خليفة ذكرهم النبهاني في التحفة ، وذكر النبهاني أيضاً من أرخ لهذه الحادثة بقوله ( شر نحر شر ) أي في العام 1258هـ ، أما الحاكم الشيخ عبد الله فقد خرج من البحرين ومات بمسقط وكانت مدة حكمه 22 عاماً .

المصادر والمراجع :


- عقد اللآل في تاريخ أوال : 42
- مجلة الوثيقة العدد 55 : 63
- التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية : 47 ، 98 ، 108 .
- قلائد النحرين في تاريخ البحرين : 435
- ماضي البحرين وحاضرها للشيخ إبراهيم المبارك .
- جريدة الوطن العدد :1342 بتاريخ 13 – 8 -- 2009 .
وكتب بيمينه
بشار عبد الهادي عيسى العالي البحراني

الأربعاء، 20 يناير 2010

البحرين تودّع الشيخ حسن الباقري

ارتحل عن الدنيا الفانية في يوم الأربعاء الموافق 4 صفر من العام 1431هـ ، 20 يناير 2010م ، خادم الإمام الحسين الخطيب العلامة الشيخ حسن بن الشيخ علي الديهي ( الباقري ) البحراني ،من مواليد الديه العام 1931م، أخذ الخطابة عن والده وكان ذا سمعة خطابية متقدمة ، ونقل أحد معاصريه أنه بدأ تعلم الخطابة وله اثنا عشر عاماً ، ثم تتلمذ في البحرين وأخذ بعض المقدمات فيها في مدرسة الشيخ عبد الحسن آل طفل الجدحفصي كأحد التلامذة ومن ثم كأحد المدرسين، وهاجر للنجف لتحصيل العلوم الدينية حيث نقل عنه اقرانه أنه كان من المحصلين المجدين في طلب العلم ، ويعتبر الشيخ الباقري من تيار الخطابة التجديدي الذي اهتم بطرح الرؤى والأفكار المعاصرة والدفاع عن العقيدة والفكر الإسلامي وهو أحد أساتذة المنبر الحسيني الخطابي وروّاده الذين أثروه خلال عقود مضت قضاها في خدمة المنبر الحسيني وتبليغ رسالته ، ومن غريب الموافقات إن و فاته كانت قبل ذكرى وفاة الإمام الحسن المجتبى بيومين وهو نفس التاريخ الهجري الذي نوفي فيه والده أيضاً كما أخبرني بعض ذويه من أهل قريته ، وهذه أبيات من الشعر قلتها في يوم وفاته :

إن دمع العين أوهى ناظري * وهو ينعى بالخطيب الباقري
شيخنا رزؤك أردى خاطري * ماتوهمتك نعشاً ياهمامْ
عدت من ذكراك تهوى النجفا* حينما صليت في فرض الوفا
جارك المولى علي وكفى* فهنيئاً لك في دار السلامْ
حن وادي المرتضى يبكي عليك * حيـنما مدّ أياديه إليك
وعليٌ إسمه في مقلتيك* دمعة رقراقةٌ تحوي المرامْ
عد إلى الرضوان في جنب الأمير* من يديه سوف يسقيك الغدير
إنـه خير ولـي ونصير* لم يزل يرعاك مابين الزحامْ
إنها البحرين تنعى فخرها* خادم الزهراء من قد برها
بث حب الآل أذكى جمرها* صادحاً في حبها بين الظلامْ
حسنٌ أنت وفي عين الحسن * من كريم الآل وهو المؤتمن
من قراه حيث لا تلقى الحزن * كيف وهو الجود من آلٍ كرامْ
وعلى المنبر كنت الأسدا* تقرأ النعي فتبكي أحمدا
أيها الشيخ فما ضاعت سدى * ذخرك الدمعات من عام لعام ْ
( مدنً ) تبكي أسىً أعوادهُ * في انتظار ترتجي روادهُ
ياخطـيباً هـذه أورادهُ * أحيت الموتى وتشفي للسقامْ
لم يخب والله من رام الحسين * أو بكى العباس مقطوع اليدين
أو بكى الحوراء بنت النيرين * واغتدى من كربلا ينعى الإمامْ
سوف يلقاك حسين في الجنانْ * وطن الآل وآفاق الأمانْ
فهنيئاً لك في هذا الضمان * عند أهل البيت يانعم المقامْ
شيخنا تبكيك بالدمع العيون * عد إلى الرضوان يا قلب الحنون
حيث لا خوف ولا هم يحزنون * وغداً نلقاك في يوم القيامْ

تمت في 4 صفر 1431هـ
وكتبها بشار عبد الهادي العالي البحراني