البحرين كما وصفها العاملي الجزيني
كان أحد العلماء الذين جابوا بلاد الله الواسعة في طلب العلم ، هاجر من جبل عامل ، وطاف في الحواضر الشيعية المكتظة بالعلم والعلماء ، ولولا أنه عالم لما كان لتقييمه للعلم والعلماء أهمية تذكر . عاش في القرن الثاني عشر الهجري ومن حسن الحظ أنه ألقى عصاه في جزيرة أوال حيث تشرفت البحرين بأن يعفر هذا العابد جبهته الشريفة على ترابها في صلواته ، كما كان له أن ينال من ينابيع البحرين الدافقة فشرب من زلال علمائها الأتقياء ونهل من علومهم ومن حسن الحظ ثانية أنه دون جزءاً كبيراً من رحلته المباركة في كتاب ألّفه حول البحرين وأسماه ( مرآة البحرين ) وهذه وقفة مع العالم وأثره الخالد .
1- نسبه وموطنه
أما نسبه فقد ذكره الشيخ يوسف العصفور كاملاً وكان من معاصريه نقله في الكشكول عنه شخصياً فقال: [ الشيخ مكي بن محمد بن شمس الدين بن الحسن بن زين الدين بن محمد بن علي بن شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن شمس الدين بن محمد بن بهاء الدين بن علي بن ضياء الدين محمد بن شمس الدين محمد الشهيد بن شرف الدين مكي والد السعيد الشهيد هكذا نسب نفسه أطال الله عمره ]([1]) .وقد نقل السيد الأمين في الأعيان نسبه هكذا [ الشيخ شرف الدين محمد مكي أو محمد علي _ التردد منه _ ابن ضياء الدين محمد ابن شمس الدين بن الحسن بن زين الدين الشهيد العاملي الجزيني ]([2]) ، وقال عنه وهو في طبقة الشيخ يوسف صاحب الحدائق ، مما يفيد أن الشخصية واحدة ولكن وقع اختلاف في تعدد سلسلة نسبه واتصاله بالشهيد والله العالم بحقيقة الحال.
أما موطنه فقد عرف عن هذه الأسرة أنها من جزين وهكذا ينسب نفسه هو كما في مخطوطة كتابه ( مرآة البحرين ) العاملي الجزيني ، فأما كلمة العاملي نسبة لجبل عامل وهو المعروف الآن بالبنان وهي من الحواضر الشيعية العريقة خرج منها فطاحل العلماء الذين رفدوا التشيّع وأمدوه بدمائهم وعلومهم كالشهيدين الأول والثاني ، والشيخ البهائي ووالده الذي دفن في البحرين ( أوال ) في مقبرة (أبي عنبرة ) ، والحر العاملي صاحب الوسائل ، والسيد شرف الدين صاحب المراجعات ومازالوا يرفدون التشيع بمدهم الخلاق وجهادهم يتقدمهم في زماننا السيد حسن نصر الله نصره الله وأيده . أما لقب ( الجزيني ) فهي قرية من جبل عامل وهي تقع الآن في جنوب لبنان ، وهي مسقط رأس الشهيد الأول المولود في 734هـ والمستشهد في العام 786هـ وهو جد الشيخ صاحب الترجمة .
ترجمته في الأعيان :
وذكره الأمين في الأعيان ج 14 : 378 وقال عنه : [ عالم فاضل محدث لغوي شاعر من مشايخ الإجازة طرقه كثيرة نقية جيدة يظهر من بعض إجازته أنه تجول في البلاد وتحمل من علماء البحرين والعراق واليمن وإيران والقدس والخليل ومكة المشرفة ، له مصنفات منها سفينة نوح ذات الأعاجيب ، جمع فيها من كل شئ أحسنه ، والروضة العلية ، والدرة المضية في الدعوات ، كان حياً سنة 1178هـ ]
2- الزمن الذي وصل فيه البحرين :
ومن خلال الأرقام التي ذكرها في المخطوطة لا نستطيع بالضبط حصر السنوات التي قضاها في البحرين على وجه الدقة إلا أنها تقريباً بين الأعوام 1160 إلى 1162 والله تعالى العالم ، وهذا يعني أن هذه الفترة التي قضاها كانت في فترة العصر الذهبي للعلم في جزيرة أوال والذي بدأ ماقبل الشيخ سليمان الماحوزي وامتد لما بعد وفاته حيث كان تلامذته وناهلو مدرسته المباركة يخوضون معترك العلم في شتى أصنافه كاللغة والأدب والفقه والكلام وغيره من المعارف الإسلامية المنتشرة في ذلك العصر . ويظهر أن لقاؤه مع الشيخ يوسف الذي سنتعرض له كان سابقاً على مجيئه للبحرين ولما كان بها كان الشيخ يوسف غائباً والله العالم .
3- حضوره عند علماء البحرين :
وقد نال هذا العالم قسطاً من فيوضات أعلام هذه الأرض ووصفهم بما هم أهله من الوصف وذكر من هؤلاء :
1- آية الله الشيخ حسين الماحوزي :
وقد حضر بحث الشيخ حسين الماحوزي وهو أستاذ صاحب الحدائق مدة عامين من الزمان ووصف الشيخ الماحوزي بقوله :
[ وأقل من اجتمعت به من لـه الفضل الفاضل، الذي لـه على أهل عصره الفضل، البحر الزاخر، حاوي الفضائل والمفاخر، شيخنا المحقق وأستاذنا المدقق، المبرّء من كلّ عيب وشين، بن محمّد جعفر الشيخ حسين الماحوزي. وهذا الشيخ لا أقدر على حصر فضله وفواضله، ولا يبلغ كنه غزارة علمه ودقة فهمه، قد مَنَّ الله تعالى به على أهل زمانه، فراج به الدين والعلم، وانتفع بجاهه المساكين، وقرَّت به عيون العلماء والمستفيدين. ولقد أقمت عنده سنتين فكان بمجالسته بلوغ المُنى وقرَّة العين، وقرأتُ عنده التهذيب والإستبصار، وسمعتُ عنده بقراءة غيري لديه من الأبرار الشرائع والكافي والغنية وتفسير الصافي. وهذا الشيخ ثقة ، ثقة ، ثقة محتاط في أقواله، متأملاً في أفعاله، ولقد أجازني إجازة عامة في كلّما يجوز روايته مما للرواية فيه مدخل، وذَكَرَنِي فيها بكلمات شريفة لطيفة جميلة جليلة ] ([3]).
2- آية الله الشيخ ياسين البلادي :
وحضر كذلك بحث الشيخ ياسين البلادي في قرية البلاد فقال فيه : [وفي أيام إقامتي بهذه البلدة قد ترددت إلى شيخ المشايخ، وهو فيها العمدة، أعني الشيخ الجليل الشيخ ياسين بن الشيخ صلاح الدين، وكنتُ كلما ترددت إلى ذاته الشريفة فاحت عليَّ روائح كلماته اللطيفة، وأتحفني بمصنفاته النفيسة التي تغني الناظر اللبيب عن منادمة الحبيب ] ويذكر أنه قد استجاز منه أيضاً فقال : [ولقد أجازني في أيام ترددي إليه فيما يصح روايته عن الائمة المعصومين وجميع مصنفاته وسائر منثوره ومنظومه، ولقد كتبت منها شطراً في هذا الكتاب في فصل يُذكر فيه كلّ مستطرف عن أولي الالباب ] .
4- وصفه للشيخ يوسف ولقاؤه معه :
وقد ذكر الشيخ يوسف صاحب الحدائق في كتابه وذكر لقاءه معه خارج البحرين فقال : [ ومنهم : العالم العلامة شيخنا الشيخ يوسف ، فهو وحيد دهره وفريد عصره عديم النظر في كلّ علم لـه القدح المعلّى والرقيب، قد أحاط بما لم يحط به غيره من غرائب العلوم والكتب، قد احتوت خزانة كتبه على قرب من عشرة آلاف كتاب، ونقل لي بعض الطلبة قال ربما كان عنده في شيراز قرب عشرين ألف كتاب وقد أصيب بهذه الكتب مع ما أصاب أهل شيراز من النوازل والمصائب التي يطول ذكرها، وقد سكن شيراز مدة من الزمان فراج به الدين وانتفعت به عامة المسلمين، ليله في العبادة ونهاره في التدريس والتأليف والإفادة، ولقد اجتمعت به في النجف سنة 1154 تقريباً وقد أمرني بالتماس لطيف شريف بان أقابل معه الكفاية فقابل نسخته على نسخة مصححة، وقد كتب جزء كراس بخط يده تصحيحاً لبعض الكلمات التي صدرت عن مصنف الكفاية، فقلت لـه كيف هذه الكلمات أفردتها فقال لعلننا نتأملها ونصححها بالعربية الفصيحة الصحيحة، ولقد أطلعت لـه على أشعار وقصائد كثيرة ومسائل وأجوبه لا تحصى، وعندي من أجوبة مسائله قرب ثمانين مسألة تقريباً ، ولما سافر أخوه الشيخ الفاضل الشيخ عبد علي إلى الهند قد كتب إليه مكاتيب شريفة وأشعاراً لطيفة وكتب لـه أخوه كذلك، وقد جمعت من مكاتبيهما وأشعارهما قرب جزء ذكرته في الفصل المشار إليه سابقاً، ولما سافرتُ إلى بلاد العجم لزيارة الرضا عليه السلام أقمتُ قرب ستة عشر سنة، ثمّ أني رجعت إلى النجف الأشرف فرأيت الشيخ المذكور أيده الله وزيد في عمره مجاوراً في كربلاء وترك الدنيا وشيراز وبلاد فارس وأقام في كربلاء للعبادة والإفادة والتدريس والتأليف وله مؤلفات جليلة وتحقيقات شريفة جميلة، منها: حاشية على المدارك لم ينسج على منوالها فله فيها التحقيق والتدقيق التام الذي لم يسبقه إليه سابق، وله رسائل مفيدة عديدة لا يحضرني أسماؤها، وله كشكول عظيم يفوق على كشكول الشيخ بهاء الدين، ولو شرحت جميع فضائله ومناقبه ومحاسنه وزهده وورعه وحسن أخلاقه لجف المداد والله رؤوف بالعباد .
5- وتجد وصفه لعلماء أوال :
يقول في بدايات كتابه عن أعلام البحرين ممن عاصرهم أو سمع بذكرهم : [ ثمّ إني في خلال إقامتي في جزيرة أوال قد تتبعت علمائها من أولي الفضل والأفضال، مما كان في زماني مما رأيتهم أو في غابر الأزمان، فكانوا بحمد الله جمّاً غفيراً ] وفي خاتمة كتابه يذكر مكانة علماء البحرين بحسب تقديره فيقول : [ واعلم ان علماء كثيرة قد خرجت من قرى البحرين فمنهم من لم أطلع على حالهم وأسمائهم ولا على شيء من آثارهم قدّس الله أرواحهم أجمعين. وبالجملة ان جزيرة أوال معدن الجود والإيمان والأفضال لم أر قط أحسن من معرفتهم في العلوم الدينية، وهم أحسن قوم في الفرقة الامامية، ولهم إخلاص زائد، واعتقاد في أهل جبل عامل كثيراً كثيراً، ورفعوا لي عندهم مقاماً خطيراً فجزاهم الله خير الجزاء انه أجود الأجودين ] .
6- ووصف بعض القرى أيضاً :
قال في وصف قرية البلاد : [ ثمّ ارتحلنا وعلى الله توكلنا إلى البلد القديم، وذلك بتقدير العزيز القدير العليم، أعني المشهورة بالبلاد، التي هي معدن العلم ومسكن الامجاد، فسرنا في تلك الأرض قليلاً، وكان مع العلماء سيراً جميلاً، فلما دخلتها فإذا هي بلدة عظيمة، طِيبها يحي النفوس، ومياهها جارية تذهب عن القلب الصدا والبوس، فعيونها تجري بين قصورها الشاهقة، وفيها أهلها الشموس والبدور الفائقة، وهي بلدة بالعلم مغمورة، ومساجدها بذكر الله معمورة، تسر الناظر وتشرح الخاطر ] .
7- مصير هذا الكتاب :
وأما هذا الكتاب الذي استعرضناه معكم فقد وجده الأخ الفاضل الشيخ إسماعيل الكلداري البحراني حفظه الله في إحدى زوايا مكتبات قم العامرة بالمخطوطات وهو كتاب يحتوي على تراجم كثيرة لعلماء البحرين والأحساء والقطيف والغالبية للبحرين ، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ البحرين ، وللأسف الشديد فإن النسخة ناقصة من بدايتها وأتمنى من الإخوة المهتمين بالمخطوطات في لبنان أن يزودونا بالنسخة الثانية إن وجدت حتى يتم طبع الكتاب كاملاً ، وقد قام الأخ الشيخ إسماعيل ضمن إهتمامه بتاريخ البحرين ومخطوطاتها بتحقيق الكتاب تحقيقاً جميلاً إطلعت على جزء كبير منه وقد أعطاني منه نسخة ونقلت منها أسأل الله أن يوفقه لإتمامه وإكماله .
مصادر المقالة :
1- الكشكول / الشيخ يوسف
2- مخطوطة ( مرآة البحرين ) / الجزيني ، تحت التحقيق
3- أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 14 دار التعارف
4- الفقه في جنوب لبنان / محمد الحسيني ، دار المحجة البيضاء
5- جبل عامل في التاريخ / محمد تقي الفقيه
6- لقاء مع الشيخ إسماعيل الكليداري حفظه الله
كان أحد العلماء الذين جابوا بلاد الله الواسعة في طلب العلم ، هاجر من جبل عامل ، وطاف في الحواضر الشيعية المكتظة بالعلم والعلماء ، ولولا أنه عالم لما كان لتقييمه للعلم والعلماء أهمية تذكر . عاش في القرن الثاني عشر الهجري ومن حسن الحظ أنه ألقى عصاه في جزيرة أوال حيث تشرفت البحرين بأن يعفر هذا العابد جبهته الشريفة على ترابها في صلواته ، كما كان له أن ينال من ينابيع البحرين الدافقة فشرب من زلال علمائها الأتقياء ونهل من علومهم ومن حسن الحظ ثانية أنه دون جزءاً كبيراً من رحلته المباركة في كتاب ألّفه حول البحرين وأسماه ( مرآة البحرين ) وهذه وقفة مع العالم وأثره الخالد .
1- نسبه وموطنه
أما نسبه فقد ذكره الشيخ يوسف العصفور كاملاً وكان من معاصريه نقله في الكشكول عنه شخصياً فقال: [ الشيخ مكي بن محمد بن شمس الدين بن الحسن بن زين الدين بن محمد بن علي بن شهاب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن شمس الدين بن محمد بن بهاء الدين بن علي بن ضياء الدين محمد بن شمس الدين محمد الشهيد بن شرف الدين مكي والد السعيد الشهيد هكذا نسب نفسه أطال الله عمره ]([1]) .وقد نقل السيد الأمين في الأعيان نسبه هكذا [ الشيخ شرف الدين محمد مكي أو محمد علي _ التردد منه _ ابن ضياء الدين محمد ابن شمس الدين بن الحسن بن زين الدين الشهيد العاملي الجزيني ]([2]) ، وقال عنه وهو في طبقة الشيخ يوسف صاحب الحدائق ، مما يفيد أن الشخصية واحدة ولكن وقع اختلاف في تعدد سلسلة نسبه واتصاله بالشهيد والله العالم بحقيقة الحال.
أما موطنه فقد عرف عن هذه الأسرة أنها من جزين وهكذا ينسب نفسه هو كما في مخطوطة كتابه ( مرآة البحرين ) العاملي الجزيني ، فأما كلمة العاملي نسبة لجبل عامل وهو المعروف الآن بالبنان وهي من الحواضر الشيعية العريقة خرج منها فطاحل العلماء الذين رفدوا التشيّع وأمدوه بدمائهم وعلومهم كالشهيدين الأول والثاني ، والشيخ البهائي ووالده الذي دفن في البحرين ( أوال ) في مقبرة (أبي عنبرة ) ، والحر العاملي صاحب الوسائل ، والسيد شرف الدين صاحب المراجعات ومازالوا يرفدون التشيع بمدهم الخلاق وجهادهم يتقدمهم في زماننا السيد حسن نصر الله نصره الله وأيده . أما لقب ( الجزيني ) فهي قرية من جبل عامل وهي تقع الآن في جنوب لبنان ، وهي مسقط رأس الشهيد الأول المولود في 734هـ والمستشهد في العام 786هـ وهو جد الشيخ صاحب الترجمة .
ترجمته في الأعيان :
وذكره الأمين في الأعيان ج 14 : 378 وقال عنه : [ عالم فاضل محدث لغوي شاعر من مشايخ الإجازة طرقه كثيرة نقية جيدة يظهر من بعض إجازته أنه تجول في البلاد وتحمل من علماء البحرين والعراق واليمن وإيران والقدس والخليل ومكة المشرفة ، له مصنفات منها سفينة نوح ذات الأعاجيب ، جمع فيها من كل شئ أحسنه ، والروضة العلية ، والدرة المضية في الدعوات ، كان حياً سنة 1178هـ ]
2- الزمن الذي وصل فيه البحرين :
ومن خلال الأرقام التي ذكرها في المخطوطة لا نستطيع بالضبط حصر السنوات التي قضاها في البحرين على وجه الدقة إلا أنها تقريباً بين الأعوام 1160 إلى 1162 والله تعالى العالم ، وهذا يعني أن هذه الفترة التي قضاها كانت في فترة العصر الذهبي للعلم في جزيرة أوال والذي بدأ ماقبل الشيخ سليمان الماحوزي وامتد لما بعد وفاته حيث كان تلامذته وناهلو مدرسته المباركة يخوضون معترك العلم في شتى أصنافه كاللغة والأدب والفقه والكلام وغيره من المعارف الإسلامية المنتشرة في ذلك العصر . ويظهر أن لقاؤه مع الشيخ يوسف الذي سنتعرض له كان سابقاً على مجيئه للبحرين ولما كان بها كان الشيخ يوسف غائباً والله العالم .
3- حضوره عند علماء البحرين :
وقد نال هذا العالم قسطاً من فيوضات أعلام هذه الأرض ووصفهم بما هم أهله من الوصف وذكر من هؤلاء :
1- آية الله الشيخ حسين الماحوزي :
وقد حضر بحث الشيخ حسين الماحوزي وهو أستاذ صاحب الحدائق مدة عامين من الزمان ووصف الشيخ الماحوزي بقوله :
[ وأقل من اجتمعت به من لـه الفضل الفاضل، الذي لـه على أهل عصره الفضل، البحر الزاخر، حاوي الفضائل والمفاخر، شيخنا المحقق وأستاذنا المدقق، المبرّء من كلّ عيب وشين، بن محمّد جعفر الشيخ حسين الماحوزي. وهذا الشيخ لا أقدر على حصر فضله وفواضله، ولا يبلغ كنه غزارة علمه ودقة فهمه، قد مَنَّ الله تعالى به على أهل زمانه، فراج به الدين والعلم، وانتفع بجاهه المساكين، وقرَّت به عيون العلماء والمستفيدين. ولقد أقمت عنده سنتين فكان بمجالسته بلوغ المُنى وقرَّة العين، وقرأتُ عنده التهذيب والإستبصار، وسمعتُ عنده بقراءة غيري لديه من الأبرار الشرائع والكافي والغنية وتفسير الصافي. وهذا الشيخ ثقة ، ثقة ، ثقة محتاط في أقواله، متأملاً في أفعاله، ولقد أجازني إجازة عامة في كلّما يجوز روايته مما للرواية فيه مدخل، وذَكَرَنِي فيها بكلمات شريفة لطيفة جميلة جليلة ] ([3]).
2- آية الله الشيخ ياسين البلادي :
وحضر كذلك بحث الشيخ ياسين البلادي في قرية البلاد فقال فيه : [وفي أيام إقامتي بهذه البلدة قد ترددت إلى شيخ المشايخ، وهو فيها العمدة، أعني الشيخ الجليل الشيخ ياسين بن الشيخ صلاح الدين، وكنتُ كلما ترددت إلى ذاته الشريفة فاحت عليَّ روائح كلماته اللطيفة، وأتحفني بمصنفاته النفيسة التي تغني الناظر اللبيب عن منادمة الحبيب ] ويذكر أنه قد استجاز منه أيضاً فقال : [ولقد أجازني في أيام ترددي إليه فيما يصح روايته عن الائمة المعصومين وجميع مصنفاته وسائر منثوره ومنظومه، ولقد كتبت منها شطراً في هذا الكتاب في فصل يُذكر فيه كلّ مستطرف عن أولي الالباب ] .
4- وصفه للشيخ يوسف ولقاؤه معه :
وقد ذكر الشيخ يوسف صاحب الحدائق في كتابه وذكر لقاءه معه خارج البحرين فقال : [ ومنهم : العالم العلامة شيخنا الشيخ يوسف ، فهو وحيد دهره وفريد عصره عديم النظر في كلّ علم لـه القدح المعلّى والرقيب، قد أحاط بما لم يحط به غيره من غرائب العلوم والكتب، قد احتوت خزانة كتبه على قرب من عشرة آلاف كتاب، ونقل لي بعض الطلبة قال ربما كان عنده في شيراز قرب عشرين ألف كتاب وقد أصيب بهذه الكتب مع ما أصاب أهل شيراز من النوازل والمصائب التي يطول ذكرها، وقد سكن شيراز مدة من الزمان فراج به الدين وانتفعت به عامة المسلمين، ليله في العبادة ونهاره في التدريس والتأليف والإفادة، ولقد اجتمعت به في النجف سنة 1154 تقريباً وقد أمرني بالتماس لطيف شريف بان أقابل معه الكفاية فقابل نسخته على نسخة مصححة، وقد كتب جزء كراس بخط يده تصحيحاً لبعض الكلمات التي صدرت عن مصنف الكفاية، فقلت لـه كيف هذه الكلمات أفردتها فقال لعلننا نتأملها ونصححها بالعربية الفصيحة الصحيحة، ولقد أطلعت لـه على أشعار وقصائد كثيرة ومسائل وأجوبه لا تحصى، وعندي من أجوبة مسائله قرب ثمانين مسألة تقريباً ، ولما سافر أخوه الشيخ الفاضل الشيخ عبد علي إلى الهند قد كتب إليه مكاتيب شريفة وأشعاراً لطيفة وكتب لـه أخوه كذلك، وقد جمعت من مكاتبيهما وأشعارهما قرب جزء ذكرته في الفصل المشار إليه سابقاً، ولما سافرتُ إلى بلاد العجم لزيارة الرضا عليه السلام أقمتُ قرب ستة عشر سنة، ثمّ أني رجعت إلى النجف الأشرف فرأيت الشيخ المذكور أيده الله وزيد في عمره مجاوراً في كربلاء وترك الدنيا وشيراز وبلاد فارس وأقام في كربلاء للعبادة والإفادة والتدريس والتأليف وله مؤلفات جليلة وتحقيقات شريفة جميلة، منها: حاشية على المدارك لم ينسج على منوالها فله فيها التحقيق والتدقيق التام الذي لم يسبقه إليه سابق، وله رسائل مفيدة عديدة لا يحضرني أسماؤها، وله كشكول عظيم يفوق على كشكول الشيخ بهاء الدين، ولو شرحت جميع فضائله ومناقبه ومحاسنه وزهده وورعه وحسن أخلاقه لجف المداد والله رؤوف بالعباد .
5- وتجد وصفه لعلماء أوال :
يقول في بدايات كتابه عن أعلام البحرين ممن عاصرهم أو سمع بذكرهم : [ ثمّ إني في خلال إقامتي في جزيرة أوال قد تتبعت علمائها من أولي الفضل والأفضال، مما كان في زماني مما رأيتهم أو في غابر الأزمان، فكانوا بحمد الله جمّاً غفيراً ] وفي خاتمة كتابه يذكر مكانة علماء البحرين بحسب تقديره فيقول : [ واعلم ان علماء كثيرة قد خرجت من قرى البحرين فمنهم من لم أطلع على حالهم وأسمائهم ولا على شيء من آثارهم قدّس الله أرواحهم أجمعين. وبالجملة ان جزيرة أوال معدن الجود والإيمان والأفضال لم أر قط أحسن من معرفتهم في العلوم الدينية، وهم أحسن قوم في الفرقة الامامية، ولهم إخلاص زائد، واعتقاد في أهل جبل عامل كثيراً كثيراً، ورفعوا لي عندهم مقاماً خطيراً فجزاهم الله خير الجزاء انه أجود الأجودين ] .
6- ووصف بعض القرى أيضاً :
قال في وصف قرية البلاد : [ ثمّ ارتحلنا وعلى الله توكلنا إلى البلد القديم، وذلك بتقدير العزيز القدير العليم، أعني المشهورة بالبلاد، التي هي معدن العلم ومسكن الامجاد، فسرنا في تلك الأرض قليلاً، وكان مع العلماء سيراً جميلاً، فلما دخلتها فإذا هي بلدة عظيمة، طِيبها يحي النفوس، ومياهها جارية تذهب عن القلب الصدا والبوس، فعيونها تجري بين قصورها الشاهقة، وفيها أهلها الشموس والبدور الفائقة، وهي بلدة بالعلم مغمورة، ومساجدها بذكر الله معمورة، تسر الناظر وتشرح الخاطر ] .
7- مصير هذا الكتاب :
وأما هذا الكتاب الذي استعرضناه معكم فقد وجده الأخ الفاضل الشيخ إسماعيل الكلداري البحراني حفظه الله في إحدى زوايا مكتبات قم العامرة بالمخطوطات وهو كتاب يحتوي على تراجم كثيرة لعلماء البحرين والأحساء والقطيف والغالبية للبحرين ، وهو جزء لا يتجزأ من تاريخ البحرين ، وللأسف الشديد فإن النسخة ناقصة من بدايتها وأتمنى من الإخوة المهتمين بالمخطوطات في لبنان أن يزودونا بالنسخة الثانية إن وجدت حتى يتم طبع الكتاب كاملاً ، وقد قام الأخ الشيخ إسماعيل ضمن إهتمامه بتاريخ البحرين ومخطوطاتها بتحقيق الكتاب تحقيقاً جميلاً إطلعت على جزء كبير منه وقد أعطاني منه نسخة ونقلت منها أسأل الله أن يوفقه لإتمامه وإكماله .
مصادر المقالة :
1- الكشكول / الشيخ يوسف
2- مخطوطة ( مرآة البحرين ) / الجزيني ، تحت التحقيق
3- أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 14 دار التعارف
4- الفقه في جنوب لبنان / محمد الحسيني ، دار المحجة البيضاء
5- جبل عامل في التاريخ / محمد تقي الفقيه
6- لقاء مع الشيخ إسماعيل الكليداري حفظه الله
7- أنوار البدرين
8- منتظم الدرين
9- لؤلؤة البحرين
10 تكملة أمل الآمل / للسيد حسن الصدر
11- روضات الجنات
والحمد لله أولاً وآخراً
وكتب بيمينه الداثرة
بشار عبد الهادي العالي البحراني
في 25 ذي القعدة 1430هـ
([1]) كشكول الشيخ يوسف ج2 : 149
([2]) أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج 14 : 378
(1) – راجع ترجمته في المصادر التالية : لؤلؤة البحرين:6، أعيان الشيعة143:6،تكملة أمل الآمل 229، روضات الجنات204:8و14:4، خاتمة المستدرك 388:3، منتظم الدرّين:خـ ، أنوار البدرين:176 .