الخميس، 19 أغسطس 2010

سيدة النساء في الفكر والتراث البحراني

فاطمة الزهراء (ع) في تراث البحرين

كان للحضور الدائم للسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام في يوميات أهل البحرين منذ مئات السنين أثر واضح انعكس في تراث هذا الشعب المفعم بمحبة أهل البيت عليهم السلام ، وسوف أتجاوز الجدل العقيم الذي يستهدف سلب هوية هذا الشعب وقدم انتماء هذه الأرض وميلها لأهل البيت صلوات الله عليهم ، لأن هذا النوع من الجدل ابتعد عن منطق الحقائق والعقل واسترسل في منحى سياسي وطائفية مقيتة مازالت نارها تلامس واقع هذه الأرض .
وهذه الورقة تلقي الضوء على نتاج ثقافي امتد منذ مئات السنين حول قضية الزهراء صلوات الله عليها وظلامتها التي كان لها انعكاسات واضحة في تراث هذه الأرض . وسنقسّم هذا التراث عبر ثلاثة اتجاهات مهمة متجاوزين الكثير من المقدمات كمكانة الزهراء في القرآن وفي السنة على ضوء التراث النصي لكلا الفريقين وغير ذلك مما له صلة في جانب الإثبات للوقائع وعدمه لنلقي بالضوء على جانب شخصية الزهراء في التراث الفكري لعلماء البحرين وشعبها . ومنه تعالى وحده نستمد المدد .

الإتجاه الأول :
الدعم المادي اللاّ محدود لنشر ثقافة ومبادئ أهل البيت (ع).

لعل من غريب المصادفات التي رأيتها في مجال وثائق ( البحارنة) كثرة الموقوفات عند هذا الشعب على الأمور الدينية ، مما يكفل حركة ومسيرة المراكز التي تغذي الفكر الشيعي في أرض البحرين منذ مئات السنوات ، وهي الحسينيات ، وكذلك المدارس الدينية ، فقد كثرت الأوقاف الداعمة لهذه المؤسسات ودعم إقامة ذكريات ومناسبات أهل البيت عليهم السلام ولو استثمرت بشكل مناسب لكانت هذه الوقفيات حصناً جيداً لمشاريعنا الإسلامية ، وفي قضية الزهراء عليها السلام وجدت الكثير من مسميات ( المزارع مثلاً) يقال : ( دالية الزهراء) أي أنها موقوفة فقط على إقامة وإحياء وفاة الزهراء ، وفي جدحفص مثلاً ونظراً لتعدد مناسبة وفاة الزهراء(ع) بحسب الروايات المتعددة في وفاتها عليها السلام بين ( 13 جمادى الأولى) و( 8 ربيع الثاني ) و( 3 جمادى الثانية ) كأشهر الروايات من بين ما يذكره أرباب السير من السنة والشيعة في تاريخها ، رأيت بعض الموقوفات في جدحفص وقفاً خاصاً بإحياء يوم 8 ربيع الثاني ، حتى لاتنسى هذه المناسبة ويستمر إحياؤها ، رغم كونها من أقل الروايات عملاً بها بين الأوساط الشيعية . وماهذا إلا تأصيلاً لثقافة الإنتماء المذهبي بوعي تاريخي يتواصل فيه الأجيال في دعم مسألة تاريخية نالت جانباً من الأهمية في حياتنا الدينية كشعب موالي لأهل البيت صلوات الله عليهم . وحينما تأتي مناسبة وفاة الزهراء تنشغل مآتم البحرين وحسينياتها خصوصاً في السنوات المتأخرة بإقامة مايُعرف بـ(العشرة الفاطمية) حيث سرت هذه العادة مكرسة طاقات الكثير من الخطباء والرواديد والمحاضرين من النساء والرجال في قضية الزهراء عليها السلام .


الإتجاه الثاني :
شخصية الزهراء في الأدب البحراني .

لقد كانت شخصية الزهراء مرتبطة بهويتنا وثقافتنا كشعب إرتباطاً وثيقاً مؤصلاً يظهر بين خفايا أدبيات هذا الشعب من عمق ذاكرته ، ويمكن أن نتدرج في فهم هذه المظاهر من تراثنا كشعب بحراني من عدة نواحٍ وهي كالتالي :
1- أناشيد الزاجرة ، والغوص : وهي مايستخرج به الماء من العيون ويستخدم عادة بها الثور لري الزرع ، وهي طريقة تقليدية موجودة من مئات السنين ، وقد اعتاد أهل البحرين أن يلقوا نوعاً من الشعر أثناء استخراج الماء بالطريقة السابقة ، بشكل إنشادي مميز ، ذكر المرحوم الناصري هذا النوع في بعض مؤلفاته ولم تغب شخصية الزهراء عن الذكر أثناء الكدح والعمل ومنه على سبيل المثال قولهم :
البضعة الزهرا علي نالها * والصخرة الصم عن بير العلم زالها
ومنه على سبيل المثال أيضاً قولهم :
أمس الضحى ريت ريمٍ يرتعي ياعلي
ويصيح يابا الفضايل يا إمامي علي
يامظهر الدين بدروب الهدى ياعلي
من حين ماعودت تبغي علي فاطمة
جابت وربت ومن بعد الربا فاطمة
أم الحسن والحسين امفضّلة فاطمة
بنت الرسول المكرّم زوجتك ياعلي
وهو من نوع الموال المعروف . هو مما يتعاطاه ( النهّام ) وهو الذي يقوم بدور المنشد في رحلة البحر ولا تخلو هذه الأدبيات أيضاً من ذكر مولاتنا فاطمة عليها السلام .
2- دخول الزهراء كشخصية مقدسة في ( الأقسام ) ولانريد أن ندخل في بحث فقهي حول هذه المسألة ، وإنما نتحدث عن حالة عفوية لدى أهل البحرين في إجراء صيغة الحلف والقسم ، إعتاد (البحارنة) على الحلف بها تضمنت شخصية الزهراء صلوات الله عليها ، لما لها من مكانة مقدسة عند هذا الشعب ، الموالي لأهل البيت صلوات الله عليهم
فمن هذه الأقسام الشائعة :
أ‌- وحرمة الزهراء
ب‌- وحرمة الزهراء أم الحسن والحسين
ج- وحق فاطمة الزهراء
د- وحق ضلع الزهراء
وكلها تدل على مدى الإرتباط بشخص السيدة الزهراء عليها السلام ، فهذا جزء من تراثنا الفاطمي .
3- على ألسنة الأطفال في ألعابهم الشعبية :
مما يتناقله الأطفال من تراثهم الشعبي ومازال متداول ، أثناء تقسيمهم أو عدهم لبعضهم وإخراج المقسوم بهذه الكلمات :
الله ، محمد، وعلي.....
يافاطمة بنت النبي.....
إخذي كتابش ( كتابك) وانزلي....
على محمد وعلي .....
4- أقلام الأدباء : وهو بحث في حد ذاته واسع فإن استقصاء الأدباء الذين تناولوا قضية الزهراء أمر صعب لكثرة من كتب ولو شئت الإستقصاء لخرج مجلد أو مجلدان في هذا المجال ويكفي أن نضع رؤوس الأقلام في هذا الجانب فإن الأدباء على قسمين :
الأول : الأدب العربي الفصيح ، يتقدمهم شعر الشيخ سلمان التاجر بقصيدته التي لم تزل تتردد في المحافل عند ذكرى استشهاد مولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وهي القصيدة المشهورة والتي مطلعها :
قف على قبر فاطمٍ في البقيعِ * بعد مزق الحشا وسكب الدموع
وهي من روائع الأدب الرثائي البحراني في مجال وفاة الزهراء
الثاني : الأدب باللهجة الدارجة ( البحرانية)
يتقدمهم المرحوم الملا علي بن فايز ، والمرحوم الملا عطية الجمري والعشرات من شعراء المنبر وشعراء المواكب والكثير الكثير






الإتجاه الثالث :

مجال التأليف والكتابة عن سيدة نساء العالمين
وفيه قسمان :
أ‌- المؤلفات في التراث الفاطمي
واستعرض هنا أنموذجين لعالمين من أهل الفضل المعروفين وأهل الكمال المبرزين وهما :
1- آية الله العظمى الشيخ يوسف العصفور المتوفى في العام 1186هـ ، حيث قام بشرح الخطبة الفاطمية ، وشرحه عليها موجز ولم يفرد له المؤلف عنواناً مستقلاً بل جاء ضمن كتابه [ سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد ] قال عنه مؤلفه : [ والرد عليه في شرحه لكتاب نهج البلاغة ، الذي رام فيه أن يشرحه على رأي المعتزلة ، وأصولهم ومذاهبهم قواعدهم ، وذكرت في أوله مقدمة شافية في الإمامة تصلح أن تكون كتاباً مستقلاً ، ثم نقلت من كلامه في الشرح المذكور مايتعلق بالإمامة وأحوال الخلفاء والصحابة ومما يناسب ذلك ويدخل تحته ...] _ كما في اللؤلؤة _ وقد قام الشيخ محمد عيسى المكباس بطبع شرحه على خطبة الزهراء مستقلاً ، كما حقق الكتاب هذا بكامله فجزاه الله خيراً .
2- العالم المحدث المتتبع الخبير الشيخ عبد الله بن نورالدين أو نور الله البحراني ، أحد تلامذة صاحب البحار الشيخ المجلسي ، فقد أفرد في موسوعته القيمة ( العوالم ) ماخصصه لسيدة النساء ، وتصل موسوعته هذه لأكثر من مائة مجلد وهو من المعاصرين للعلامة المجلسي المتوفى في ( 1110هـ ) فيعلم قرب التاريخ وإلا فلم نظفر له بتاريخ وفاة على وجه التحديد ، وكتابه موسوعي يتضمن أحاديث الزهراء وأحوالها ، وغير ذلك من فيض نورها صلوات الله تعليها .
ب‌- المؤلفات في مجال شهادتها عليها السلام

لقد دأب أعلام البحرين على تأليف الكتب حول النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، مما كان له أبلغ الأثر في تثبيت عقيدة الولاء لأهل البيت عليهم السلام ، حتى أصبح ذلك جزءاً لا يتجزأ من يوميات الإنسان البحراني تراه متمثلاً في منطوقاته ، وفيما يلي نرى هذه التأليفات التي تعرضت لهذه الشخصية ذات المكانة العالية في الإسلام فأولتها عناية هي أهل لها بل وأقل من حقها ، فمن هؤلاء المؤلفين :

1- آية الله المفتي الفقيه الشيخ يحيى بن حسين بن عشيرة البحراني , له كتاب ( وفاة الزهراء ) ذكره في الذريعة ، وذكره الأفندي في رياض العلماء إلا أنه ذكر أن من مؤلفاته ( كتاب مقتل فاطمة عليها السلام ) ، ولم يتعرض لذكره في أنوار البدرين لأن ترجمته كانت مقتضبة وبسيطة جداً ، وهذا الشيخ من فقهاء القرن العاشر الهجري وكان له دور ريادي في حركة مرجعية المحقق الكركي أبان حكومة الصفويين في الساحة الفارسية وفي يزد ، ويظهر هذا من لقبه ( المفتي ) .
2- آية الله العلامة المحدث السيد هاشم بن السيد سليمان بن السيد إسماعيل التوبلاني البحراني المتوفى في العام 1107 هـ أو 1109هـ ، له كتاب ( وفاة الزهراء ) وقد وصف هذا الكتاب المحقق الشيخ محمد باقر الكجوري في كتابه ( الخصائص الفاطمية ) بقوله : فيه مجموعة من الأخبار المفجعة المبكية. _انتهى _ ولم أطلع عليه ، ذكره الأمين في الأعيان ، وآغا بزرك في الذريعة لدى تعديدهما لمؤلفات السيد هاشم . ووثقه الشيخ عباس القمي في الفوائد الرضوية أيضاً .
3- (العلامة السيد ماجد البحراني) ، بحسب مانقله فارس تبريزيان في كتابه ( العلامة السيد هاشم البحراني) ضمن حديثه عن تراث السيد هاشم قال وبالتحديد عن نسخة وفاة الزهراء الموجودة في مكتبة جامعة طهران ، [ مجموعة مشكاة ، ذكر في فهرس المكتبة :5/1241 بأنها وفاة الزهراء للسيد هاشم ، وبعد مراجعة المخطوطة في المكتبة تبين أنها ليست للسيد هاشم البحراني ، والظاهر أنها للسيد ماجد البحراني . وهنا لابد من الإشارة لتردد إسم السيد ماجد البحراني بين شخصيتين هما (1) سيد ماجد آل أبي شبانة ، جاء في أنوار البدرين مانصه : [ (ومنهم) السيد السند السيد ماجد ابن السيد محمد البحراني (ره) قال الشيخ في الأمل كان السيد ماجد ابن السيد محمد البحراني عالما فاضلا جليل القدر وكان قاضيا بشيراز ثم بأصفهان وكان شاعرا أديبا منشئا له (شرح نهج البلاغة) لم يتم من المعاصرين كتبت له مرة أبياتا من جملتها:
قصدت فتى فريدا في المعالي * حماء ظل للآمال قصدا
ولم أطلب لنفسي بل لشخص * عزيز في الكمال أراه فردا
دعوتك لاكتساب الأجر أرجو * إجابة (ماجد) كم حاز مجدا
ومثلك من تناط به الأماني * ويرضى بالندى والجود وفدا
يهزك هزة الهندي شعر * يذكر جودك المأمول وعدا
أما تبغي بذي الأيام شكري * أما ترضى بهذا (الحر) عبدا
انتهى كلامه علا في الجنان مقامه . (أقول) وقد ذكره السيد الجليل صاحب تتمة الأمل وهو من أهل بيته المعروفين بآل أبي شبانة بل يمكن أن يكون من ذريته تغمده الله برحمته. ] ويظهر جيداً مما سبق فضل هذا السيد وكونه معاصراً للحر العاملي المتوفى في العام 1104هـ ، والشخصية الثانية هو (2) السيد ماجد الصادقي ، وهو نار على علم وهنا ننقل ترجمته مقتضبة من أنوار البدرين بتصرف : [السيد العلامة الفهامة محرز قصب السبق في جميع الفضائل والفائز بالرقيب والمعلى من قداح الكمالات الكسبية والوهبية من بين فحول الأواخر والأوائل السيد أبو علي السيد ماجد ابن السيد العالم السيد هاشم ابن العريض الصادقي البحراني (ره) كان أوحد زمانه في العلوم أحفظ أهل عصره، نادرة في الذكاء والفطنة وهو أول من نشر علم الحديث في دار العلم شيراز المحروسة وله مع علمائها مجالس عديدة ومقامات مشهورة أخبرني شيخنا الفقيه ببعضها وأقبل أهلها عليه إقبالا شديدا وتلمذ عليه العلماء الأعيان مثل مولانا العلامة محمد محسن الكاشاني صاحب (الوافي) والشيخ الفقيه ذو المرتبة الرفيعة في الفضل والكمال الشيخ محمد بن حسن بن رجب البحراني والشيخ الفاضل المتبحر الشيخ محمد ابن علي البحراني والشيخ زين الدين الشيخ علي بن سليمان البحراني والشيخ العلامة الأديب الخطيب الشيخ أحمد بن عبد السلام البحراني والسيد العلامة السيد عبد الرضا البحراني والشيخ الفاضل الشيخ أحمد بن جعفر البحراني وغيرهم ... إلى أن قال : وبالجملة فمحاسنه كثيرة وعلومه غزيرة روح الله روحه وتابع فتوحه توفي (قدس سره) بالليلة الحادية والعشرين من شهر رمضان بدار العلم شيراز سنة 11028 هـ‍ انتهى كلام شيخنا العلامة الشيخ سليمان البحراني. (قلت): وهذا السيد الجليل من نوادر الزمان علما وأدبا وعملا وكمالا ويكفيه أنه تلمذ مثل الكاشاني وأضرابه من فحول العلماء عليه وذكره السيد الأديب النجيب السيد علي في السلافة وبالغ في الثناء والتقريظ عليه وذكره كل من تأخر عنه من علماء الرجال والإجازات ] _انتهى_ فهذه الوفاة المذكورة مرددة بين هاتين الشخصيتين التين لهما باعاً في مجال التأليف والله العالم بحقيقة الحال فأنا شخصياً لم أطلع على النسخة المخطوطة هذه .


4- آية الله الشيخ حسين آل عصفور البحراني ، الشهيد في سنة 1216هـ له كتاب ( وفاة الزهراء ) في بدايته : [ الحمد لله ابتلى أولياءه في هذه الدار بأجل المصائب والأخطار ... ] رأيت له بعض المخطوطات في أماكن متفرقة تاريخ نسخ بعضها في 1361هـ ونسخة أخرى مخطوطة في 1371هـ ، والجدير بالذكر أنه قد طبع كتاب تحت مسمى وفاة الزهراء للشيخ حسين وهو ليس كذلك بل هو لعالم آخر . وبحسب بحثي فيما طبع وما هو مخطوط فإن وفاة الزهراء للشيخ حسين لم تطبع بعد ، وقد ذكرها في أنوار البدرين و الأمين في الأعيان في تعدادهما لمؤلفات الشيخ حسين ولكن أسمياه ( الدرة الغراء في وفاة الزهراء ) ولكنني لم أجد هذه التسمية في المخطوط على عادة الشيخ حسين في تسمية مؤلفاته في مقدمات الكتب التي ألفها . فلم أجده في كلتا النسختين اللتين حصلت عليها .ثم عدت لأجد نفس المسمى في فهرست مكتبة آل عصفور في بوشهر ولم يتسن لي أن اراه جاء ضمن الكلام عنه : [ فرغ من تأليفه في شهر ذي الحجة سنة 1211هـ، الناسخ عبد النبي بن حسين بن عبدالله الأصبعي البحراني بتاريخ 10 جمادى الأولى سنة 1212هـ، أوله: (الحمد لله الذي ابتلى أوليائه في هذه الدار بأجل المصائب ولأخطار…) ق21×14.5سم، 15س، الاستفادة وسط. ] وعليه فهي أقدم نسخة بلاشك من النسخ التي ذكرناها ، إلا أنه لاسبيل لها والله العالم .

5- العلامة الشيخ علي بن الشيخ حسين بن محمد البلادي البحراني المذكور في أنوار البدرين ووصف الكتاب بأنه ينقل عن أسفار الدمستاني قال عنه مانصّه : [ العالم الأديب الكامل الشيخ علي ابن الشيخ حسين ابن الشيخ محمد البلادي البحراني (ره) كان رحمه الله تعالى فاضلا أديبا كاملا، له كتاب (وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام) مجلد حسن الترتيب والتأليف وله فيها بعض الأشعار وينقل فيها كثيرا من أسفار الدمستاني، ولم أقف على شيء من أحواله ولا تأريخ وفاته ضاعف الله حسناته. ] ، وهذه الوفاة متداولة في الكثير من مجالس التعزية ، وقد رأيت لها نسخة نجفية ، وثانية في مطبعة العلوم العامة لعبد العزيز الشهابي ، وثالثة طبعت مؤخراً ما بعد العام 2006 م ، وجاء في النسخة المطبوعة بدايتها : [ الحمد لله الذي خلق محمداً وآله من نور عظمته ، واصطفاهم بمنه وكرمه على جميع بريته .....] . وله فيها إنشاءات ، وأشعار جميلة ، إلا أنها تخلو من ذكر تاريخ وفاته أو الفراغ من تصنيف وماشابه والله تعالى العالم .

6- العلامة الشيخ سلمان بن الشيخ أحمد بن الشيخ سلمان بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ إبراهيم بن الحاج أحمد بن صالح بن أحمد بن عصفور بن أحمد بن عبد الحسين بن عطية بن شيبة الدرازي البحراني ، فهو من ذرية الشيخ أحمد أخ الشيخ حسين العلامة ، عاش في البحرين ، وكان والده فقيهاً وإماما في الجمعة والجماعة وزعيماً عاش في الشاخورة وسكن المنامة ودفن في الشاخورة بجوار ضريح الشيخ حسين (1309هـ) ذكره العرب في حاشية أنوار البدرين واثني عليه ، وأما صاحب الترجمة فتذكر المصادر أنه استوطن المنامة وعاش بها وكان سكناهم قبل في الشاخورة ، أخذ العلم في البحرين ثم هاجر للعراق وحضر عند المولى محمد كاظم الخراساني ( صاحب الكفاية ) ، وشيخ الشريعة الأصفهاني ، وعاد إلى البحرين ومعه إجازة من أساتذته تنبئ عن فضله _ كما في المنتظم _ ويذكر الشيخ المبارك في ماضي البحرين عن حقبة عزل الشيخ خلف العصفور : ثم حدثت مشاغبات وهزّات تستدعي الإنقلاب القضائي وأسفرت النتيجة عن عزل الشيخ خلف وإقامة ابن عمه الشيخ سلمان بن الشيخ احمد بن سلمان مكانه ، فترك البحرين إلى العراق وأقام بها فما برح أن رجع الإنقلاب ظهراً لبطن أدى إلى استدعائه من العراق وإعادته _ انتهى _ فيظهر من كلام الشيخ إبراهيم أن فترة قضاء الشيخ سلمان كان مؤقتة حتى رجع الشيخ خلف . له من المؤلفات : ( شرح منظومة الشيخ سليمان في المنطق خ ) ، ( كتاب في الأصول خ ) ، ( وفاة الزهراء عليها السلام خ ) ، ( أجوبة مسائل متفرقة خ ) . ذكر في المنتظم أن له أخ اسمه الشيخ إبراهيم يعرف بالبصير ولكنه دون أخيه في الفضيلة ، له من الذرية ثلاثة أولاد وبنت وهم الحاج عبد الرضا العصفور وجيه الدراز المعروف وهو والد عبد الله ( أبو سلمان ) الوجيه وعضو مجلس الشورى المتوفى في 1424هـ ، ومحمد كاظم العصفور كان مسؤولاً في قسم الجوازات سابقاً ، ومحمد جعفر . وأما تلامذته فلم يُذكر غير واحد وهو الشيخ سلمان التاجر الشاعر المعروف وقد رثى أستاذه بقصيدة نقلها صاحب رياض المدح والرثاء مدحه فيها وأثنى عليه غاية الثناء ، كانت وفاته كما في منتظم الدرين في العراق ويذكر أفراد عائلته أنه توفي في النجف ودفن فيها وكانت وفاته في 1338هـ الموافق 1919م ولم يكن قد بلغ الأربعين من العمر . والمصادر [ أعلام الثقافة ج2 : 637 ، ماضي البحرين وحاضرها :90 ، أنوار البدرين 215 ، منتظم الدرين خ ، رسالة البشرى في تراجم علماء الأسرة مطبوعة مع تقويم الحياة 2003 ، مقابلة خاصة ] .

7- العلامة الشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي صاحب ( أنوار البدرين ) المتوفى في العام 1340هـ ، له كتاب ( وفاة الزهراء ) ، وقد طبع في النجف الأشرف . ولم أطلع عليه .

8- المرحوم الخطيب الشيخ محمد علي الناصري رحمة الله عليه فمن مؤلفاته ( قصة الزهراء) عُدت ضمن المطبوع من تراثه رحمه الله ، كانت وفاته في 17/ 12/1999م ، الموافق بالتاريخ الهجري9 رمضان1420هـ

9- العلامة الخطيب السيد محمد صالح ابن السيد عدنان القاروني البحراني ، له كتاب ( ليلة الإسراء في فاطمة الزهراء ) يشمل أحوالها ووفاتها صلوات الله عليها وقد طبع مؤخراً ضمن مجموعته في وفيات المعصومين ، وهو جمع روايات ولا يخلو من بعض التحقيقات بحسب ذوقه ، وله مصنف آخر ضمن كتاب طبع أيضاً تضمن ( وفاة الزهراء) ضمن مجموعة وفيات ، وله أيضاً كتاب ( رياض الإمامة في سيرة فاطمة الزهراء ) ولم أره ، قرأت عنه ضمن تعداد مؤلفاته بقلمه ، ولد هذا السيد الجليل في الخامس من ربيع الأوّل سنة 1339هـ الموافق 29 نوفمبر من العام 1919م في قرية البلاد القديم. أبوه القاضي المعروف السيد عدنان بن علوي بن علي بن عبدالجبار الثالث القاروني الموسوي ، وكانت وفاة هذا السيد في 28 ذي الحجة1427هـ ، 18 يناير 2007م ، ودفن في مدفن والده آية الله السيد عدنان الموسوي قدس سره في مقبرة الشيخ راشد من جبانة أبي عنبرة المعروفة .

وبعد فهذا غيض من فيض ، وماخفي أكثر من مؤلفات حرص فيها علماء البحرين على تدوين حياة وسيرة هذه المرأة العظيمة الصديقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها . والحمد لله أولاً وآخراً
وكتب بيده الفانية
بشار بن عبد الهادي بن عيسى العالي البحراني
في 7 شهر رمضان المبارك 1431هـ

الاثنين، 16 أغسطس 2010

حباب بنت ملا حسن كشيش

إلى خادمة الحسين (ع)
خطيبة النساء الملاية حبّاب بنت ملا حسن كشيش

لعلها أشهر خطيبة في البحرين عرفتها الأوساط النسائية ، مازالت ملامح هذه المرأة مرتسمة في ذاكرتي وأنا طفل بين الأربع أو الخمس سنوات تأخذني خالتي متمسكاً بعباءتها في مأتم حسن محمود في المنامة ، إمرأة تقرأ على المنبر معصبة الرأس دائماً نبراتها لم تغادر ذاكرتي بعد إنها ( أم سعيد ) ، وتعتبر من الرعيل الأول في مجال الخطابة النسائية ،هي من مواليد البحرين من قرية توبلي وقد انتقلت للعيش مع أسرتها خارج البحرين ، تلقت مبادئ القراءة عن والدها الخطيب المعروف ملا حسن آل كشيش ، وهي تنتمي لأحدى الأسر البحرانية التي خرجت من البحرين زمن ( عيسى بن علي ) واستوطنت الإمارات العربية المتحدة ، وتزوجت بزوجها الأول من عائلة النويس وهي أسرة بحرانية عريقة هاجرت لدولة الأمارات العربية أيضاً ومحل سكناها في (أبو ظبي) ومنها رجالات تبوأت مراكز كبيرة في دولة الإمارات العربية ، وبعد وفاة زوجها الأول وانتقالها للسكن في البحرين ، تزوجها أحد السادة الموسويين من قرية (بوقوة) وأنجبت منه ذرية كما لها ذرية من زوجها الأول ، إمتازت شخصيتها بعدة نواحي أهمها : (1) شخصية تمتلك مقومات وفن الخطابة سيما في استدرار الدمعة ، (2) شخصية قوية ومؤثرة ، (3) شاعرة وتمتلك أحاسيس مرهفة في مجال تصوير الحدث وغالب شعرها باللهجة الدارجة ، (4) تمتلك صوتاً قوياً وشجياً . فكل هذه المميزات جعلت من شخصيتها شخصية مميزة في مجال الخطابة النسائية لدرجة أنها صارت مضرب المثل في فن الخطابة عند النساء ، بل تعدت حدود الوطن في البحرين حتى عرفت على مستوى الخليج العربي في المجالس النسائية في دبي وأبو ظبي وبقية دول الخليج ، وهي من النساء القلائل اللائي يصعدن منبر الخطابة وتقرأ مجلساً حسينياً بالطريقة نفسها في مآتم الرجال ، ويعتبر مأتم حسن محمود في المنامة من أكثر المآتم التي تسنّمت ذروة أعوادها لمدة تقارب الأربعين عاماً وأكثر ، سكنت (رأس رمان) فترة وانتقلت لتعيش في قرية (الديه) توفيت في شهر رمضان المبارك العام 1429هـ ، عن عمرٍ يتخطى السبعين وربما أكثر، ودفنت في قرية (بوقوة) ، تركت مجموعة من التأليفات والدواوين والقصائد لا تحضرني الآن وقد رثيتها بهذه القصيدة في مجلس تأبيني لها أقامه ( مجلس الخطباء في البحرين) تكريماً لجهودها في مجال خدمة الإمام الحسين سلام الله عليه وهذه هي القصيدة :
أناعية الطفِ هيا انشدي * وفي كل ناحيةٍ رددي
سيبقى صداكِ يدوّي هنا * ليُسمِعَ يومي ويروي غدي
أراكِ تعودين في كربلا* مخلدةً في العطاء الندي
مسربلةً في بياضٍ كما * تسربلتِ في ثوبكِ الأسودِ
تعودين في كل عامٍ لنا * بعشر الحسين لكي تشهدي
معصبةَ الرأس في مأتمٍ * به الحورُ تبكي على السيدِ
وفاطمةٌ بينهم أعولت* بقلبٍ على شبلها مكمدِ
به شبّ حزنٌ على ميتٍ * بجنب الفرات ولم يُلحدِ
قضى لهفُ روحي له ظامئاً * وحرُ الصدى منهُ لم يبردِ
ألا فاْندبيه كما كنتِ في * مآتمهِ والرثاءَ اعقدي
إليكِ المنامةُ مشتاقةٌ * تحنّ إلى صوتكِ الأوحدي
ومن يكُ مقترناً بالحسين * ينلْ شربةً من هدى الموردِ
فطوبى لكِ اليوم صرتِ إلى * جوار البتول بها فاْسعدي
كما كنتِ أنت تواسينها * تواسيكِ في القبر والمرقدِ
ويبقى الحسين وخدّامُهُ * ومثلكِ في الدهر لم يفقدِ
فطوبى لأنصارهِ إنهم * وَقوهُ بأرواحهم واليدِ
يذودون عن حبه كلما * تبدت سهامٌ إلى المقصدِ
فهذي القلوبُ له سلّمت * ولاذت إلى ذلك المشهدِ
وصلت عليه السماوات في * بكاءٍ تغشّى بني أحمد
وصلّى الرسول على جسمه * صلاةً تعود كما تبتدي
فياخالداً لم يزل ذكرهُ * أذاناً تبدى من المسجدِ
*****
وكتب بيده بشار العالي
في 28 شوال 1429هـ

قراءة في فهم فتاوى الشيخ حسين في الحج

المسائل الجدليّة في فقه الحج
على ضوء فتاوى الشيخ حسين آل عصفور
هذه مجموعة من مسائل فقه الحج لآية الله العظمى الشيخ حسين العصفور(قدس سره)قام بتهذيبها يراع أستاذنا الفاضل حجة الإسلام العلامة الشيخ محمد ميرزا الخرسي ، بحكم خبرته في مجال الإرشاد الديني في الحج ، وبحكم إطلاعه على فتاوى المبرور الشيخ حسين العصفور وتدوينها فقد أوعز لجنابه المشاركة بورقة عمل في مؤتمر الشيخ حسين العصفور والذي عقد قبل فترة ، فكانت هذه الورقة التي كان لي شرف تقريرها من الأستاذ الخرسي دامت إفاضاته بمثابة قراءة نقدية في نقل فتاوى الشيخ في فقه الحج من قبل بعض العلماء في البحرين ، نسأل المولى أن يتم بها فائدة المؤمنين سيما مقلدي الشيخ في البحرين ، وأترككم مع الأستاذ الشيخ الخرسي وهو يتحدث :

إطلالة :

لا نريد في هذه الورقة طرح تمام آراء الشيخ حسين آل عصفور في الحج على غرار المناسك المعروفة فإن هذا الأمر تكفلت به أقلام الشيخ (ره) في مناسكه وأقلام العلماء والمؤلفين الناقلين للفتاوى المطابقة لآرائه . وإنما نريد أن نثير بعض المسائل في الحج التي وقعت مثاراً للجدل حول فهم رأي الشيخ (ره) ومعرفة فتواه . ومسلكنا في هذا الأمر هو خصوص ما يفهم من كلمات الشيخ (ره) وفتواه مما هو صريح في ذلك ، أو ظاهر لعموم حجية الظواهر في ما يفهم من كلام العقلاء ، ويحاول البعض أن يفهم آراء الشيخ (ره) وفتاواه من خلال أدلته التي يسوقها ويذكرها أو من خلال مبانيه في الأصول مع عدم التصريح بالفتوى منه .

وهذه المحاولة غير صحيحة لأنها اجتهاد واستنباط في آرائه وفتاواه من مبانيه فلا يصح نسبتها إلى الشيخ (ره) لأن الاستنباط والإفتاء كما يحتاج إلى العناصر المشتركة في عملية الإستنباط ، فكذلك يحتاج إلى العناصر الخاصة في العملية المذكورة ، وقد يتفق الفقهاء في العناصر المشتركة الكلية ، ولكن قد يختلفون بسبب العناصر الخاصة الداخلة في عملية الإستنباط . وعلى ضوء ذلك لدينا عدة مسائل :



المسألة الأولى :
ادعى بعض الفضلاء من علماء البحرين (ره) بأن الشيخ حسين آل عصفور(ره) يرى لزوم الإحرام بالصبيان إذا أريد إدخالهم إلى الحرم أو مكة .

الجواب : إن تمام التكاليف مرفوعة عن الصبي حتى يبلغ ومنها لزوم الإحرام لدخول مكة أو الحرم فلا يجب على الصبي الإحرام للدخول ولا يجب على الولي الإحرام به للدخول إلى الحرم أو مكة . ولم يتمسّك هذا الفاضل إلا بعبارة الشيخ (ره) في السداد ص: 19 حيث قال : [ وللولي أن يحرم عن الذي لا يميّز ] وهذه العبارة لا دلالة لها على المطلوب فإنها غاية ماتدل عليه جواز الإحرام عن غير المميز لا لزوم الإحرام على الولي عند إدخال الصبي للحرم أو مكة .

المسألة الثانية : الإحرام لحج التمتع من مكة ، هل يشمل مكة الحديثة أم لا ؟ وادعى البعض شمولها لمكة الحديثة لإطلاق عموم كلماته (ره) .

الجواب : لا إشكال على رأي الشيخ (ره) من الإحرام بحج التمتع من مكة القديمة التي حدها من عقبة المدنيين وهي المسمّاة بـ( ثنية الحجون ) لمن جاء عن طريق المدينة وعقبة ذي طوى لمن جاء من أسفلها ، ووادي ذي طوى بين مقبرة الحجون بالمعلاة وربع الكحل المسمّى بـ( الثنية الخضراء ) ، ويعرف وادي طوى اليوم بـ( بير الهندي ) _ بناء على ماذكره محقق كتاب أخبار مكة _ فلا مانع من الإحرام بحج التمتع من أي موضع منها سواء كان من مسجدها أو مساجدها الأخرى أم كان من بيوتاتها وفنادقها ولو من سككها وطرقها .
وأفضل المواضع من المسجد الحرام ، وأفضل مواضعه مقام إبراهيم أو تحت الميزاب ، وأما الإحرام من مكة المستحدثة فلا يُعلم من الشيخ (ره) جوازه ولا يمكن التمسّك بإطلاق كلامه لأنه ليس في مقام البيان من جهة الحدود وإنما هو في مقام بيان أصل المكان الذي يحرم منه لحج التمتع لا أنه في مقام حدود هذا المكان . فالأحوط لمقلديه عدم الإجتزاء بالإحرام من مكة الجديدة كالعزيزية والمعابدة .

المسألة الثالثة : وهي مسألة تقديم الطوافين _ طواف الحج وطواف النساء _ والسعي على الموقفين للمتمتع اختياراً ، وهو ما يأمر بعض المرشدين لمقلديه (ره) .

الجواب :
بالنسبة إلى المضطر والخائفة للحيض والنفاس ونحوهما من أهل الأعذار فلا إشكال في جواز تقديم الطوافين والسعي على الموقفين في حج التمتع وأما بالنسبة إلى المختار فلا إشكال في جواز تقديم طواف الحج وصلاته والسعي على الموقفين في حج التمتع على رأي الشيخ (ره) .
و إنما الكلام في جواز تقديم طواف النساء معها فعبارته في الإبتهاج ص : 94 جواز تقديمه ، ولكن رأيه في السداد ص : 17 ، وص : 179 والإبتهاج ص: 93 ، والأنوار الوضية ص : 181 ليس واضحاً إذ يحتمل أن الألف واللام للجنس فيجوز تقديم الطوافين والسعي ، ويحتمل أن الألف واللام للعهد فيحمل على طواف الحج دون طواف النساء فالأحوط لمقلديه في حال الإختيار عدم تقديم طواف النساء على الموقفين والله العالم .

المسألة الرابعة : وهي مسألة الإحرام قبل الميقات بالنذر ، فبعض المرشدين يأمر مقلديه (ره) بالإحرام قبل الميقات في العمرة المفردة في غير أشهر الحج كالعمرة الرجبية والشعبانية والرمضانية .

والجواب : لا إشكال على رأي الشيخ من جواز الإحرام قبل الميقات بالنذر في العمرة المفردة في أشهر الحج أو عمرة التمتع في أشهر الحج أيضاً .
وأما الإحرام بالنذر قبل الميقات للحج أو العمرة المفردة في غير اشهر الحج : ففي الإبتهاج ص:10 جواز الإحرام به ولكن في السداد : ص: 37 ، تخصيص الجواز بالعمرة دون الحج وأن تكون العمرة في أشهر الحج والعمل على مافي السداد لأنه هو المتأخر عن الإبتهاج .

فما يفعله البعض من الإحرام قبل الميقات بالنذر في العمرة المفردة في غير أشهر الحج كالعمرة الرجبية والشعبانية والرمضانية فمشكل ، فيلزم مقلديه في وادي قرن المنازل من الإحرام من وادي السيل الكبير والإحرام من وادي محرم في طريق الهدا .

المسألة الخامسة : وهي مسألة ضمّ الوضوء لغسل الإحرام فيأمر البعض بضم الوضوء للغسل مقدماً للوضوء على الغسل أو للغسل على الوضوء.
الجواب : فتوى الشيخ (ره) إن غسل الإحرام يجزي للصلاة والطواف بوحده ، ولا يجب ضم الوضوء له ، ولكن يستحب ضم الوضوء له فإذا أراد ضم الوضوء معه فالأحوط عنده تقديم الوضوء على الغسل لا تأخيره عن الغسل .
وهذا جارٍ في مطلق الأغسال المستحبة كغسل الجمعة ونحوه ، فالأحوط لمن أراد ضم الوضوء مع الغسل من تقديم الوضوء على الغسل .

المسألة السادسة : يأمر بعض المرشدين بالطواف بالبيت بين البيت والمقام عند الشيخ حسين (ره) فتضيق المسافة عند حجر إسماعيل فلا يبقى منه إلا خمسة أشبار من بعد الحجر فلا يجوز الطواف في أكثر من ذلك ولو كان بسبب الزحام .

الجواب : إن الخمسة الأشبار قد صرّح بها الشيخ (ره) في كتاب السداد ص: 76 ، والمنهاج ص: 23 ، وفي الإبتهاج ذكر بأن المتبقي خمسة أقدام والقدم أكبر من الشبر .
وما ينبغي أن يقال أن المسألة ليست من قبيل الأحكام التي يجب الرجوع فيها إلى الفقيه ولا من قبيل الموضوعات المستنبطة كالغناء في أنه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب ، فإن هذا الأمر لابد من الرجوع فيه إلى الفقيه ، بل هي من الموضوعات المحضة التي لا علاقة للإستنباط بها ولا يجب التقليد فيها فإن الواجب هو الطواف بين البيت والمقام من جميع الجهات وأما مقدار مايبقى فهذا موكول إلى العرف ، إذ يبقى من بعد الحجر ستة أذرع ونصف على ماقاله الكثير من المحققين وصرّح به الأزرقي في أخبار مكة . والمسافة من جدار الكعبة إلى نهاية الحجر عشرون ذراعاً فيبقى ستة أذرع ونصف ذراع يجوز الطواف فيها عند الحجر .
وليعلم أن التحديد بذلك إنما هو عند وسط الحجر وشئ مما يحيط به من الجانب الشرقي والغربي ، وأما بدايته ونهايته فيجوز الإبتعاد عنه بأكثر مما ذُكر .

المسألة السابعة : يأمر بعض المرشدين بإعادة الطواف من جديد لو شك في عدد الأشواط كما هو فتوى المشهور .

الجواب : رأي الشيخ حسين (ره) في هذه المسألة من أنه إذا شك الطائف في عدد الأشواط وكان الشك في النقيصة كما لو شك بين الخامس والسادس فهو مخيّر بين البناء على الأقل والإتمام والإعادة ، وبين الإعادة من رأس _ وهو الأحوط _ استحباباً . وهو اختياره في السداد ، ص : 77 ، والإبتهاج ص: 35 . وذهب في الأنوار : ص: 180 ، والمنهاج : ص : 24 ، إلى بطلان الطواف ووجوب الإعادة تعييناً ولكن الفتوى المتأخرة هي ماذكرناه من التخيير .

المسألة الثامنة : يأمر بعض المرشدين بعدم الإلتفات بصفحة الوجه في حال الطواف والسعي .
الجواب : المراد من الوجه المذكور في الطواف بحيث لو استقبل بوجهه الكعبة أو استدبرها بظهره بطل طوافه ، هو وجه البدن بقرينة المقابلة بالظهر ، ووجه البدن مقاديمه وهي الصدر والبطن ولا يشمل الرأس ، فلا مانع من الإلتفات بالرأس يمنة ويسرة في حال الطواف .
وكذلك الكلام في السعي حيث أفتى الشيخ (ره) بوجوب استقبال الجبل المطلوب بوجهه فإن المراد به وجه البدن وهي مقاديمه ، أعني الصدر والبطن فلا يضر الإلتفات بصفحة الوجه يميناً وشمالاً .

المسألة التاسعة
: وهي الوقوف مع العامة إذا حكم قاضيهم بثبوت هلال ذي الحجة ولم يثبت ذلك عند الشيعة ، فهل للمكلف أن يقف في عرفات والمشعر الحرام معهم أم لا ؟ وهل يصح الوقوف معهم كذلك أم لا ؟

الجواب : وهذه مسألة مهمة وقد صرّح الشيخ خلف حفيد الشيخ حسين بكفاية ذلك عند الشيخ حسين في كتاب الأنوار الجعفرية في شرح الأنوار الوضيّة حيث قال : ومراده من ذلك الهلال الظاهري عند المواقف ولو بحسب التقية عملاً بحكم الظاهر كما قدم تتمة الكلام في مبحث التقية موافقاً لقول الإمام حيث ذكر إن دارنا اليوم دار تقية ، وهي دار الإسلام لا دار كفر ولا دار إيمان .
فظهر من كلامه (ع) وكلام الجد (ره) الوقوف في عرفات منزل على مايثبت الهلال في الحجاز بحكم الشياع لا بطريق البينة العادلة وذلك بحكم الظاهر ، ولا تكليف بالفحص عن الواقع ونفس الأمر فالبحث في عصرنا خطأ محض بل إلقاء النفس في المهالك وهي محرمة _ انتهى كلامه زيد مقامه _ وهذا الكلام واضح الدلالة وصريح المقالة في الإجتزاء بالوقوف معهم وحفيده أكثر اطلاعاً ووقوفاً برأي الشيخ (ره) .
وأما قول الشيخ في السداد : ص: 125 حيث قال : فلوا وقفوا ثامنة غلطاً لم يجز ، ولو وقفوا عاشره فكذلك على الأشهر .
وكذلك قوله في الإبتهاج :ص: 56 حيث قال : [ فلو وقف بثامنه لم يجز ، وكذلك العاشر في الأصح . ] .
فالجواب عنه أن هذه الكلمات ناظرة إلى الحكم الأولي للمكلف ، وأما التقيّة فهي حكم ثانوي لها أحكام خاصة كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ونظر في الآراء والآثار

المسألة العاشرة : ذكر بعض المرشدين أن رأي الشيخ حسين (ره) في الصرورة هو التخيير بين الحلق والتقصير .

الجواب : المراد من الصرورة هو الذي يحج لأول مرة ولم يحج قبل هذه الحجة لا واجباً ولا مستحباً ، لاعن نفسه ولا نائباً عن غيره .

وحكم الصرورة عند الشيخ حسين (ره) هو تعيّن الحلق عليه ، وعدم كفاية التقصير له . وهو صريحه في الأنوار الوضيّة : ص: 185 ، والمنهاج : ص: 103 ، وظاهره في السداد ص: 170



الأحد، 15 أغسطس 2010

قرية (قزقز) وكانت هنا قرية


وكانت هنا تسمى (قزقز)

_( قرية قزقز) : وهي إحدى المناطق التي اندثرت الآن على خارطة البحرين ولم تعد تذكر ، وقد أرخها أكثر من مصدر وفيما يلي نتعرض لهذه المصادر فمنها :

الشيخ إبراهيم المبارك في كتابه ماضي البحرين وحاضرها فقد ذكر هذه القرية وقال عنها : قزقز جنوبا عن الجفير وشرقا عن ام الحصم على ساحل البحر ، وذكرها التاجر في ( عقد اللآل في تاريخ أوال ) فقال عنها بعد ذكر الجفير مباشرة : وشرقيها إلى الجنوب قرية (قزقز) وهي على رأس ممتد في البحر جهة الشرق وبها سكنى الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة .

وبحسب المعلومات التي بحثت عنها وبعد سؤال أهالي الجفير وكبار السن فيها يتبيّن لي أن ( قزقز ) منطقة ساحلية ، تطلق على قسم الساحل الممتد من المنطقة مابعد الجفير إلى جهة الجنوب ، وهي مجموعة من النخل وبعض الأراضي الغير زراعية ومنها موقع فندق ( الخليج ) في الوقت الحالي قبل أن يحصل الدفان الذي غير معالم البحرين حالياً خصوصاً نواحي الجفير ، وقد كانت قرية وبها سكان إلا أن ساكنيها عفى أمرهم الزمن الذي يحمل الشقاء معه ، لتدور رحاه على هؤلاء الفقراء الذين كانوا ضحايا حروب ومطامع ، فقد هجروا الديار اللهم إلا القليل ممن يمتهن الزراعة ولازم مزارعه في تلك المنطقة ، أو كان يعمل أجيراً عند ملاك الأراضي في تلك المنطقة .
وهنا نبحث أمرين مما حصلت عليه من المعلومات الموثقة حول هذه المنطقة وهي نقطتان مهمتان وكلاهما ذات علاقة بتاريخ آل خليفة والعتوب وتاريخنا في البحرين عامة ، نذكرها حسب تسلسلهما التاريخي :

النقطة الأولى : واقعة قزقز الشهيرة
النقطة الثانية: علاقة المنطقة بشخصية الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة .

النقطة الأولى : ( واقعة قزقز ) : وهي إحدى الوقائع المهمة في تاريخ البحرين ، وتاريخ آل خليفة حتى أنها حملت إسم هذه المنطقة ودونتها لأنها وقعت على ساحل هذه المنطقة المندثرة ونحن ننقلها من عدة مصادر في محاولة لإيجاد صورة متكاملة عن هذه الواقعة وخلفياتها التاريخية .
والواقعة محور بحثنا هي إحدى ثلاث وقائع خاضها آل خليفة وأهل البحرين ضد الغزو العماني ، ودفع من خلالها شعب البحرين ثمناً باهضاً ضد الغزو العماني .

فيحدثنا التاريخ أنه بعد دخول آل خليفة البحرين وبعد أن استتب الحكم فيها للشيخ أحمد الملقب بالفاتح والذي توفى في العام (1209هـ ـ 1794م )، استلم الحكم فيها ابنه سلمان وفي عهد سلمان وقعت الواقعة الأولى وذلك في العام ( 1215هـ وهي بين 1800م أو1801م) حيث غزا البحرين حاكم عمان سلطان بن أحمد بن سعيد البو سعيدي بجيشه الذي غزا مناطق البحرين وأسر الشيخ محمد بن أحمد الفاتح رهينة وهو أخ الحاكم الشيخ سلمان وأخذه إلى عمان ، وعاث جنوده في الأرض نهباً وقتلاً ، وفر الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح ( الحاكم ) وأخذ معه عائلة آل خليفة على الزبارة . وفي هذه الواقعة وما تلاها من غزو العمانيين قُتل علامة البحرين الكبير الشيخ حسين بن محمد آل عصفور في العام 1216هـ وذلك بعد تاريخ الإحتلال العماني في غضون عام حيث كان يدافع عن أرضه من الغزو الغاشم.

وأما الواقعة الثانية فتعرف بواقعة الـ(المقطع ) وكانت في العام ( 1230 هـ ـ 1814م ) ، حيث توجه السيد سعيد بن سلطان ومعه ارحمة بن جابر لغزو البحرين ، واحتلوا جزيرة سترة وكانت المواجهة بينهم وبين آل خليفة بقيادة الشيخ خليفة بن سلمان حتى انتصر آل خليفة وولى سلطان عمان هارباً وتعرف أيضاً بـ( دولة الإمام في سترة ) ، وكانت البحرين في حكم الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح ، وكانت المرجعية الشيعية آنذاك في سترة بزعامة الشيخ عبد الله بن الشيخ عباس الستري البحراني المعروف بالمقلد . وأما المرجعية التي جمعت بين الجانبين السياسي والفقهي فهو آية الله الشيخ محمد بن خلف الستري رحمة الله عليه الذي كان له دور بارز في تلك الفترة بعد رحيل الشيخ حسين العصفور ، كما كان اسمه متكرراً في الوثائق العمانية التي تعود لتلك الحقبة وربما نحتاج لبحث مستقل حول هذه الشخصية لتسليط الضوء بشكل أكبر .
وواقعة أو معركة ( قزقز ) هي الثالثة والأخيرة في سلسلة الغزو العماني لجزيرة البحرين إبان حكم الدولة الخليفية ونحن ننقلها كاملة من كتاب ( عقد اللآل في تاريخ أوال ) وذلك لكون المؤلف قد استفاد من كتابي النبهاني والخيري وأضاف عليهما فهو أكثر تكاملاً ثم أضفت مايؤرخ لهذه الحادثة من بعض المصادر فيقول التاجر :
وفي سنة 1244هـ ، بعد مرور سنتين على قتل ارحمة بن جابر الجلاهمة _ وهو قرصان بحري انتحر 1242هـ في إحدى المعارك مع آل خليفة بقيادة الشيخ عبد الله بن أحمد والشيخ أحمد بن سلمان ، وكان قد أثار القلاقل ضدهم فحاربوه ولما أحس بالهزيمة انتحر _ توجه ابنه بشر على مسقط لإغراء حاكمها السيد سعيد بن سلطان على مهاجمة البحرين وإشهار الحرب على آل خليفة إنتقاماً لأبيه متخذاً امتناع حكومة البحرين عن دفع الخراج المقرر الذي صار عليه الصلح بعد واقعة سترة وسيلة لإيغار صدر السيد سعيد . فحازت أقواله موقعها من القبول حيث قد أغاظه وأغضبه امتناع آل خليفة من أداء الخراج اللازم له عليهم ، فأخذ هذه المرة يستعد لغزو البحرين استعداداً كبيراً . فدأب على جمع الرجال والذخيرة والعتاد والمال وترتيب شؤون الحملة مدة شهر كامل حتى أنه لم يترك أحداً يقدر على حمل السلاح إلا وضمه إلى الجيش من جميع جهات عمان وصور وصحار والجبل ومسقط وغيرها ، واجتمع لديه من السفن مايربوا على ثلاثمائة سفينة فأركب جموعه فيها واقلع قاصداً مهاجمة البحرين بهذه الحملة العظيمة . فلما بلغ آل خليفة في البحرين خبره جمعوا رؤساء القبائل ، وكبار العشائر وتشاوروا ، فمنهم من اقترح باستنجاد الأصدقاء والأحلاف والأكثرية أبوا إلا الإعتماد بعد الله على أنفسهم لئلا يقال لم يكن لهم كفاية فاستعانوا بغيرهم ، فأجمعوا على الرأي الأخير وقر قرارهم عليه . وأخذوا يجمعون قواهم ويعدون عدتهم ويصلحون شؤون سفنهم ويرتبون أسلحتهم وعمارتهم فاجتمع لديهم من الفرسان ثلاثمائة فارس ومن المشاة زهاء ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل ومائة وستين قطعة من السفن فيها من المقاتلة ألف وستمائة جندي وأناطوا القيادة البرية بالشيخ خليفة بن سلمان والقيادة البحرية بالشيخ عبد الله بن أحمد ثم اشتغلوا بتحصين البلاد كالمنامة والمحرق وأقاموا على القلاع الرجال بالسلاح الكامل والمؤنة ، والذخيرة . وقسم خليفة جيشه إلى ثلاثة أقسام جعل قسماً من داخل الأسوار والقسم الثاني أخفاه في غياض البساتين ، وقلعة الديوان وهم جل الخيّالة وترك القسم الثالث وهو أقل الأقسام منتشراً حول البلاد خارج الأسوار للمدافعة وهم معظم الرماة وأوصى هؤلاء بتسديد الرمي حين مقابلة العدو فإذا دخل عليهم يتقهقرون متخذين خطة الدفاع وسيطمع فيهم لقلة عددهم ، وأوصى جميع الرجال بما يلزم في مواقف الحروب ومصادمة الأهوال ، أما عبد الله بن أحمد فقد قسم أسطوله قسمين جعل القسم الأول في ( المزروعية ) خوفاً من مباغتة العدو للبلاد من تلك الجهات ، وجعل القسم الثاني في الخور بين المحرق والمنامة ثم جمع كثيراً من السفن الصغيرة وملأها بالحجارة والتراب وأخفاها في جزيرة سترة ، وفي جهات أخرى وأوعز لها بما يلزم في حينه ، ولما أتموا ترتيب شؤونهم الحربية واستعدادهم وتدابيرهم أقاموا ينتظرون قدوم العدو عليهم الذي وصل بعد أيام وأشرعة (قلوع) سفنه قد حجبت الفضاء وتلاحقت سفنه العظيمة بعضها ببعض ومازالت تقترب حتى احتلت مضيق ( القليعة ) وهنا اجتمعت ببعضها ، تحيط بمركب السيد سعيد الكبير المملوء بالألوية والأعلام وحين وصوله أطلق المدافع إنذاراً وإشعاراً بالحرب ، ثم أرسل رسولاً بكتاب إلى حكومة البحرين يخيرهم فيه بين تسليم الخراج الممنوع والرجوع إلى طاعته وبذلك تحقن الدماء ويعود عنهم إلى بلاده . أو الحرب فوصل الرسول وقدموه إلى (مشهور) وهي سفينة القائد فركبه وعرض الكتاب على الشيخ عبد الله بن أحمد . فلما وقف على معناه لم يجب بغير الحرب. وحينئذ شمرت الحرب عن ساعدها وأبرزت نابها ومخلابها وبدأت المهاجمات وازدحمت سفن آل بوسعيد عند رأس (قزقز) وصدرت الأوامر للعساكر بالنزول فنزلت الكتائب يتلو بعضها بعضاً . بمحل يقال له ( الجفير ) وقد امتلأت نخوة وحماسة فتصدت لقتالهم شرذمة الرماة التي رتبها الشيخ خليفة لهذا الغرض وأوصاها بان تقاتل القوم وهي تتقهقر ، فلما رأى آل بوسعيد قلة المدافعين طمعوا فيهم فأطبقوا عليهم من كل ناحية ومكان ، وتأججت نيران الضرب والطعان فما كان من فرقة الرماة إلا التأخر والتقهقر متخذين خطة الدفاع والإنسحاب بنظام حسبما رسمه لهم قائدهم الباسل فازداد طمع آل بوسعيد فيهم وألهبوا نيران الحرب شدة بالحملات عليهم ابتغاء تطويقهم بالإلتفاف واستئصالهم من ميدان المصاف ، فلما توسطوا ساحة بر ( الجفير ) واتسع المجال للحرب والطعن والضرب ورأى الشيخ خليفة أن ساعة الإنجاز قد دنت والفرصة قد سنحت إليهم أشرك بقية جنوده الكامنين خلف الأسوار وفي البساتين بالهجوم على الأعداء والإنتصاف منهم فخرجوا من مكانهم مثل الصقور وانقضّوا على آل بوسعيد انقضاض البواشق على الحمام وجودوا فيهم الضرب بالحسام الصمصام ، ثم كرت الفرقة الأولى المدافعة واستبدلت التقهقر بالهجوم فلما شعر هؤلاء بالمكيدة علموا أن الخطب جلل وأنهم وقعوا في معضل وأنه لا ينجيهم منه إلا الثبات لكل هول والصبر على لقاء الخطب المهول فثبتوا في محل الضرب بثبات الرواسي غير أن آل خليفة لم يرعهم ثبات خصمهم فصمدوا له وناجزوه القتال وصافحوه ببيض الصفاح ، وسلب الآجال فتزعزع ثبات آل بوسعيد وداخلهم الفزع والهلع فتغيرت مواقفهم وارتبكوا في أمورهم فهال السيد سعيد ذلك الوهن فصاح في رجاله وحمّاهم وحرك نخوتهم ، وأجج حماسهم ثم التفت إلى جهة البحر فرأى ما يفت في العضد ويقطع عليه خط الرجعة ، فزاد ذلك في بلباله وتفاقمت أهواله . وذلك انه رأى السفن الخليفية العظيمة قد انقضّت على أسطوله تدمره وترسله إلى قاع البحر ليسبر غوره ، فخاف عاقبة الفشل فالهزيمة ، فنخى رجاله وثبتهم ولكن أين الثبات وقد انحلت منهم العزائم ، فلم يجد ذلك فيهم ، إذ لم تبق فيهم بقية من القوة للنخوة فاضطر للرجوع إلى البحر لحماية أسطوله الذي أشرف على البواد من هجمات الأسطول الخليفي فانكسر جيشه شر كسرة وتشتت عقد نظامهم وانهزموا يطلبون الشواطئ ابتغاء السلامة من الفناء المحتوم الذي أمامهم ، فتأثّرهم جيش البحرين يقتل فيهم قتلاً ذريعاً ففروا لا يلوون على شئ ، وغرق معظمهم ، ومن نجا منهم وهو أقل القليل توصل إلى السفن وهو على آخر رمق ، وما وقع على الجيش البري فقد حصل مثله للأسطول والجيش البحري حيث ان الأسطول السعيدي لم يقو على صد هجمات الأسطول الخليفي فانكسر وانهزمت سفنه تطلب طريق النجاة . وهناك رأت أن خدعة الشيخ عبد الله قد أوقعتها في الفخ الذي نصبه لصيدها ، لأن المذكور ساعة التحام القتال واشتعال الفريقين بالنضال أصدر أوامره إلى السفن الصغيرة التي شحنها صخوراً بإلقاء حملها في المضيق لردم المعبر ليمتنع على العدو المرور منه لوعوّل على الإنهزام وهكذا كان . فإن الأعداء لما رأوا أن لا قبل لهم بمحاربة أهل البحرين اقلعوا يطلبون المرور من ذلك المضيق للنجاة بأنفسهم . فرأوا أن المرور منه أصبح ممتنعاً بفضل ما ألقي فيه من الصخور المتراكمة كالجبال فحاروا في أمورهم وخارت عزائمهم وتيقنوا أنهم قد أحيط بهم لا محالة وأن لا سبيل إلى نجاتهم ، فقاتلوا قتال المستميت ودافعوا عن أنفسهم دفاع من لا أمل له في الحياة ولكنه دفاع غير مجد . حيث ان العمارة الخليفية قد تفوقت عليهم وتلفت أكثر سفنهم وأسرت جانباً عظيماً منها فعض السيد سعيد أصابعه قهراً ، واسودت الدنيا في عينيه وأجهد نفسه في أن يمر من ذلك المضيق وبعد الجهد الجهيد تمكن من عبوره في سفينة صغيرة والتحق به بيخته الخاص الراسي على بعد من الميناء فامتطاه وتمكن من النجاة بنفسه ورجال حاشيته وخواصه وطلب عرض البحار لا يلوي على شئ ، وهو يلعن الأطماع التي أوقعته في هذا المأزق الذي لم يخلص منه والذي غررت به وبناموسه . أما بقية جيشه لما لم يروا لهم مقدرة على القتال ولا مفر ولا ملجأ ألقوا السلاح وطلبوا الأمان فأمنهم الشيخ عبد الله على أرواحهم ، وسلب مامعهم من مال وسلاح ومؤنة وذخيرة ، وجمعهم وأركبهم فيما يحملهم من السفن وسفرهم على بلادهم بعد أن أصحبهم بكتاب إلى السيد سعيد فحواه : إنه بإمكاني لحوقك والإيقاع بك ولكني تركت ذلك حرمة لك واعتباراً لمقامك . وهاقد علمت أن مشترانا لأمارة البحرين كان بثمن غالٍ جداً وهو الدم الزكي ولذلك لا تباع برخيص من مال أو نوالٍ بل بدماء تخضب البطاح وضرب يسلب الأرواح فثب على رشدك واكفنا شرك . وعلى هذا الوجه انتهت هذه الوقعة المشؤومة وقد أرخوها بقولهم ( بالله سعيد وغُلب ) سنة 1244هـ وتعرف بواقعة ( قزقز ) نسبة للموضع الذي وقع القتال البحري فيه ، وقد قدرت خسائر الطرفين بثلاثة آلاف بين قتيل وجريح أكثرهم من آل بوسعيد ، وفي نقل آخر أن قتلى وغرقى أهل مسقط وعمان يزيدون على ثلاثة آلاف شخص ، وأما خسارة أهل البحرين فقتيل واحد يقال له ابن عرفة والجرحى كثيرون ، ويستشهدون لذلك بقول أهل مسقط أنفسهم من قصيدة نبطية :
عجايب يا بني عتبة عجايب ثلاثة آلاف مافيهم شايب
وغنم أهل البحرين منهم مركباً شراعياً كان خاصاً لركوب السيد سعيد . ثم إن بعض صغار آل خليفة تشاجروا على امتلاكه فأمر الشيخ عبد الله عليه فأحرق قطعاً للنزاع ، وقد حضر هذه الوقعة نصيراً لآل خليفة مزيد بن هذال مع خمسين رجلاً من قومه العمارات وهذه آخر وقعة جرت بين أهل البحرين وآل بوسعيد وبعدها قطعوا الأمل من امتلاك البحرين . ( 118) . _ انتهى _

أقول : ويبدو أن الشيخ التاجر أخذ معلوماته هذه عن كتاب (التحفة النبهانية ) كما يلاحظ هذا عند مقارنة النصوص ، إلا أن صاحب كتاب ( مجموع الفضائل ) وهو الشيخ راشد فاضل آل بن علي قد انتقد معلومات النبهاني في جزئية واحدة حيث قال : وأما من قتل من أهل البحرين بالنسبة للمسقطيين فقليل ، وقيل مائة وخمسون سوى المصابين ، أما ماذكره ابن نبهان أنه ماقتل من أهل البحرين إلا رجل واحد يسمى ابن عرفة فهذا غلط من المملي عليه في أمله أنه مدح وليس كذلك .
والنفس تركن لنقولات صاحب مجموع الفضائل أكثر من النبهاني فهو ابن بجدتها في الحفظ والتاريخ علاوة على انه من سلالة العتوب وقام بتدوين وحفظ كل مالأسلافه من تراث وماض والله تعالى العالم بحقائق الأمور .

النقطة الثانية : علاقة المنطقة بشخصية الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة .
لهذه المنطقة علاقة وثيقة بالشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة ، سيما في زمن عيسى بن علي حاكم البحرين في تلك الفترة من ، ويمكن أن نلمس هذا واضحاً في الوثائق التي تعود لتلك الحقبة فقد جاء في بعض المصادر: [الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة عين وزيراً لسمو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين عام 1888م، ويذكر أنه قد عمل بتجارة السلاح لفترة ليست بالقصيرة ] ، ولا يخفى أن الشيخ عيسى بن علي ، قام بتوزيع مناطق البحرين على أولاده وأقاربه ، وهو نظام إقطاعي عمل به في البحرين وأشار إليه النبهاني في تحفته ، وكانت قرية (قزقز) تقع تحت سلطة الشيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب ، وقد تملك فيها المزارع والبيوت ، إلا أنني أرجح ببعض القرائن أن هذه القرية قد فقدت عنوان القرية في فترته بل ربما فقدت هذا العنوان منذ الغزو العماني الذي ذكرناه وكان في فترة حكمه عليها فاقدة لعنوان القرية ، حتى أنها مفقودة من ذاكرة الكثيرين من أهالي (رأس رمان) ، و(الجفير والغريفة) و(الماحوز) مما يوحي أنها كانت أبعد بكثير من زمن عيسى بن علي ، وزوالها كان أبعد من زمانه وهذه وثيقة عرضها الأخ بشار الحادي ضمن وثائقه التي عرضت في جريدة الوقت في العدد ( 1098) بتاريخ : 13 فبراير 2009م وهي وثيقة هبة من الشيخ المذكور لأولاده وزوجته لبعض (الحضور) وجاء في المصدر : [وثيقة يهب فيها الشيخ عبدالرحمن الحظرتين الكائنتين في بحر الغريفة من البحرين والمسماة ''أم رطل'' و''الحبابية'' لزوجته موزة بنت محمد بن سعيد آل بو حمير آل القبيسي وأولادها محمد، ورزق، وعطية الله وهذا نص ما ورد فيها: بسم الله الرحمن الرحيم :أقول وأنا عبدالرحمن بن عبدالوهاب بن سلمان آل خليفة بأني أعطيت وأوهبت الحظرتين الكائنتين في بحر الغريفة في بحر البحرين المسماة ''أم رطل'' و''الحبابية'' بجميع ما للحظرتين المذكورتين من الحدود والحقوق والتوابع واللواحق من أرض وسماء وما يعد فيهما وينسب إليهما أوهبتها لزوجتي موزة بنت محمد بن سعيد آل بو حمير وأولادها محمد ورزق وعطية الله وما تناسل لي من الأولاد والذكور منها أي موزة بنت محمد بن سعيد المذكورة جارياً مني هذه الوهيبة في حالتي الصحة والاختيار من غير إكراه ولا إجبار، بالتخلية الشرعية مراعي فيه التقرب إلى رب البرية، وهباً مؤبداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم.حرر في 28 جمادى الثاني سنة 1334هـ ، 2/5/1916م ، نعم صدر مني ما ذكر في هذه الورقة وهذا خطي بيدي وأنا عبد الرحمن بن عبد الوهاب آل خليفة وأنجزته مهر. أشهدني بما في باطن هذه الورقة من الهبة وحيازتها الرجل المكرم الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب فأنا أشهد بذلك وأنا الأقل سعيد بن أحمد بوبشيت مهر.شهد بذلك عبدالله بن سعد بن شملان على الهبة والحوز مهر.شهد بذلك عبدالعزيز بن عبدالعزيز بن عبدالوهاب آل سلمان مهر.أشهد بما في هذه الورقة من الهبة والحيازة وأنا سعد بن عبدالله بن شملان مهر.وأيضاً أوهبت زوجتي موزة بنت محمد بن سعيد حظرتي المسماة ''المقصوصة'' الكائنة في بندر الغريفة من أعمال البحرين مع أولادها هبة مُنجزة حتى لا يخفى حرر في 28 جمادى 2 سنة 1334هجري ،2/5/1916م ، نعم صدر مني ما ذكر في هذه الورقة وأنجزته وأنا عبدالرحمن بن عبدالوهاب آل خليفة مهر.يخرج منها الحظرة (الحبابية )التي عاوضت مالكيها حكومة البحرين ـ وهي التي أعدمتها فرضة الأسطول البريطاني في 4 رمضان سنة 1355هـ ، (18/11/1936م) ـ التعليق من كاتب المقال ـ .مدير الطابو /التوقيع . ] . أقول ومازالت المنطقة تحمل بصمات من شخصية الشيخ عبد الرحمن كالمسجد الذي بناه وبعض البساتين المهجورة ، وبعض البيوت القديمة التي تمكنا من تصويرها . وأما السكان الذين كانوا في هذه المنطقة فلم أتمكن من الحصول على أي معلومات عنهم سوى أنه كانت هنا قرية تعرف بإسم (قزقز) ، وبحسب المصدر فإن وفاته كانت في تاريخ 29 محرم 1352هـ ، 24/5/1933م ، ودفن بجزيرة المحرق ، والحديث يطول وأكتفي بهذا المقدار على أن أواصل في جانب آخر إن شاء الله تعالى .