الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

نبذة من حياة المؤرخ الشيخ محمد علي الناصري

مؤرخ البحرين الشيخ الناصري



مقدمة :
تعد شخصية المرحوم ملا محمد علي الناصري أحد أجزاء تاريخ البحرين ونكهته التراثية والثقافية ، جمعت إلى جانب العلم والأدب أخلاقاً قل نظيرها وطيبة كطيبة الأرض التي نشأ عليها وبين القوم الصالحين الذين عمروا المساجد بذكر الله تعالى ، ومن جانب آخر فأنت تقرأ التاريخ والتراث مع رجل أديب قضى جل عمره المديد في خدمة الدين والتاريخ ، وها أنذا أقف وقفة إجلال مع هذه الشخصية الفريدة أتصفح وإياكم بعض جوانبها ونتنزه في حدائقها ...

1-          الإسم والنشأة :
هو الملا والشيخ محمد علي بن الحاج ناصر بن محمد بن يوسف بن عبد المهدي بن عبد النبي وتلقب هذه العائلة بعائلة ( الصفّار ) وهي مهنة معروفة عند أهل المنامة وتجمع في كلمة  ( صفافير )  وهم الذين يعملون في مجال تصفير النحاس ، أما لقب الناصري فقد أضافه صاحب الترجمة لإسمه فأصبح يعرف به وقد أخذه من اسم والده الحاج ناصر والآن أصبح لقباً لعائلة الملا محمد علي الناصري ولا يعرفون إلا به ، ولد المترجم له في المنامة عاصمة البحرين في الحي الذي يقطنه الآن أكثر عائلة الصفّار بالقرب من ( فريق الحطب ) كما أنه لهم حسينية تعرف بحسينية الصفافير وهي مشهورة بالمنامة ، وقد حدد تاريخ ولادته أنه في 29 جمادى الثانية في العام 1338هـ أي مايوافق بالتاريخ الميلادي 20 مارس 1920 م أو مايقاربها ، وكانت المنامة في تلك الفترة مركزاً تجارياً نشطاً لا تخلو منازلها القديمة من أنفاس العلم والأدب والشعر فالذي يمشي بين طرقاتها وأزقتها يقرأ أشياء كثيرة ، وكأنه يعيش مع شخصيات التاريخ العريقة من تجار اللؤلؤ الذين يجوبون ( الزرانيق ) الضيقة ، إنك تدرك أن من ورائك زمن لابد أن تنظر إليه وتبحث في طياته عن جذور لو تركت لتلاشت في أرض جرداء وفي زمن كئيب. وبحسب نشرة ( قبسات ) تذكر أن ولادته كانت في الماحوز لأن والدته هي أيضاً من قرية الماحوز ومن عائلة ( عنان ) ثم انتقل للمنامة وقطن ( فريق الحطب ) وكان جده خياطاً ووالده صفّاراً .   

2-  جانب من حياته الشخصية :
لصاحب الترجمة ستة عشر بين ولد وبنت من زوجتين أكبرهم إبراهيم وبه كان يُكنّى ، ومن أولاده سماحة الشيخ محمد باقر ، وهو أحد طلبة العلم المجدين ، يواصل دراسته في حوزة العلمين في قرية بوري بالبحرين وهو نشط من ناحية التأليف و يواصل درب والده في إثراء المكتبة العلمية والأدبية بمؤلفاته في أكثر من فن كما ويقوم بجمع أمور كثيرة من تراث وتاريخ هذه الأرض وله كتاب تاريخي عن مزارات البحرين وهو مجهود قيّم أسماه      ( المزارات في البحرين ) وغيرها من الكتب ، ومن أبنائه أيضاً الشيخ محمود وهو يواصل دراسته في حوزات سوريا وفقه الله ، ومنهم الرادود حسن وهو صاحب صوت شجي يصدح به في خدمة أهل البيت ، وجميع أولاده يميزهم الأخلاق العالية التي استقوها منه رحمة الله عليه .   
3-         حياته العلمية والأدبية :
بحسب النشرة التي نشرها صندوق الماحوز عن حياته وترجمته وأضاف لها ابنه فضيلة الشيخ محمد باقر يذكر عنه  : لم يدخل المترجم له المدارس الحكومية ولم يتعلم تعليماً نظامياً ولكنه أخذ مبادئ العلم من عدة أساتذة ونهل من فيضهم وهم :
( أساتذته )
1-  المرحوم الأديب ، والخطيب الملا عطية الجمري المولود في العام 1317هـ والمتوفى في العام 1401 هـ : درس عنده خمس سنوات ثم        ( تصنّع ) عنده في فن الخطابة ، ولازمه مدة أربعين عاماً حتى فرقهم الموت فكانت ملازمته له في السفر والحضر وهو معلمه الأول ، وهذه الملازمة بينهما مما يضرب به المثل بين الخطباء ، وعن ابن صاحب الترجمة أن عمر والده حين التحق بالمرحوم ملا عطية كان ثمانية عشر عاماً ، قد نهل من آدابه وأخلاقة ، وكثيراً ماعبر عنه المرحوم الملا عطية بالإبن كما هو في مقدمات دواووينه .
2-   المرحوم الشيخ محمد علي بن أحمد  آل حميدان ، المولود في العام 1319 هـ ، والمتوفى في العام 1374هـ  : فقد تعلم على يديه اللغة والنحو ، وغير ذلك من المعارف ، ويعد الشيخ محمد علي آل حميدان من أشهر خطباء المنبر الحسيني في البحرين في زمنه ، وهو صاحب مدرسة خطابية متميزة تأثر بها صاحب الترجمة كثيراً .   
3-   العلامة الكبير الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد صالح آل طعان الستري أصلاً ثم المنامي ، المولود في 1321 هـ  ،  والمتوفى في 1381 هـ والمدفون في شيراز بالقرب من ضريح أحمد بن الإمام موسى الكاظم (ع) والمعروف بشاه جراغ ، ولا ريب فإن مجاورة العلماء ومصاحبتهم مغنم كبير للمرء . وكان هذا الشيخ فاضلاً دقيق النظر في الفقه واللغة وغيرها من المعارف وقد تتلمذ عليه جملة من فضلاء البحرين  
4-  العلامة الكبير السيد العلوي بن السيد أحمد بن السيد هاشم  بن السيد أحمد بن السيد علي بن السيد أحمد الموسوي الغريفي صاحب الحوزة الغريفية في منطقة النعيم وكانت هذه الحوزة عامرة بالعلم والعلماء وأنتجت على مدى عقود شخصيات علمية كان لها دور فاعل في الحركة العلمية في البحرين وهذه الحوزة أو المدرسة اليوم إحدى أكبر وأعرق الحوزات العلمية في البحرين وما ازدهرت إلا بفضل مؤسسها العالم الكبير السيد علوي الغريفي ، ولد السيد علوي في 15 شعبان 1339 ه الموافق للعام  1919م  ، وتوفي رحمه الله في جمادى الأولى 1432 ه الموافق 14 أبريل 2011 م ودفن في مقبرة عالي بجوار ضريح ابنه الشهيد السيد أحمد
5-  سماحة الخطيب الكبير الشيخ حسن بن الشيخ علي الباقري المتوفى في مطلع صفر من العام 1431هـ ، فقد درس عنده الشيخ الناصري في اللغة والنحو وكان هذا الشيخ يمتاز بهما وبقوة تحصيله العلمي حيث درس في النجف الأشرف ، ومدة تحصيله عند هذا الشيخ كما أخبرني به ابنه الشيخ محمد باقر ثلاث سنوات .      
ولذلك فكثير من الناس يطلق على صاحب الترجمة لقب   ( شيخ ) فقد كان من العلماء ، ولكنه مع ذلك لم يكن ليتزيا بزي العلماء من العمامة ونحوها ، وظل يلبس ما يعرف بـ(عقال القصبة ) أو ( الشطفة ) كحال أستاذه المرحوم ملا عطية الجمري رحمه الله . وكأن لقب الملا كان أحب إلى قلبه   
( تلامذته )
لقد استثمر المرحوم المترجم الحصيلة التي نالها من أساتذته من المعارف ، وفنون الخطابة وقام بحفظها عن طريق تدريسها وإيداعها لدى تلامذته الذين ما زالوا يؤثرون عنه الكثير من فنون الخطابة ومعطياتها ، إلا أن مشكلة عدم التدوين قد ضيعت علينا الكثير من النتاج الفكري _ على المستوى الخطابي _ بل الكثير من المعارف ، وبعد التقصي والبحث تم التعرف على مجموعة من التلامذة الذين نهلوا من المترجم المرحوم وهم :

1-  ملا عباس علي العلوان ، من المنامة من ( فريق الحطب ) ، لازم المرحوم الناصري فترة طويلة تمتد إلى النصف الثاني من السبعينات من القرن العشرين ، حتى وفاة الأستاذ ،  وقد وجدت عند هذا التلميذ الكثير من الأدبيات والأشعار والطرف ، وكذلك الفنون التي أثرها عن أستاذه المرحوم الناصري ( كبعض الصناعات ) و ( أطوار الخطباء القدامى ) حفظاً و أداءاً .   
2-  ملا عبد الرزاق بن ملا عبد الحسين بن علي بن عنان ، من قرية ( الماحوز ) ، كان والده خطيباً ، ومعلماً للقرآن في قرية الماحوز ، توفي حوالي 1976م ، و ملا عبد الرزاق من مواليد العام  1962م ، وهو خطيب وموظف يعمل في إحدى الشركات ، وقد أخذ شيئاً من مبادئ الخطابة من المرحوم المترجم له، وكان له عدة أنشطة في تعليم القرآن والصلاة في القرية .

3-  ملا أحمد بن ملا ناصر ( المعلم ) ، من قرية السنابس ، وكان تلميذاً للمرحوم ملا عطية الجمري ، إلا أنه قد لازم الناصري فترة استفاد منه فيها وكان الملا أحمد يعبر عن  الناصري بالأستاذ .
4-         ملا حسن ، من المنامة لم أطلع على أحواله
5-         ملا حسين الزاكي من أبو صيبع
6-  الشيخ أحمد بن عبد الحسن القيدوم الماحوزي ، من مواليد ( 1385 هـ _ 1965م ) أخذ بعض المبادئ عن المترجم له إلا انه لم يستمر في هذا السلك وقد هاجر بعدها لقم المقدسة حيث دأب على التحصيل وفتح الله له آفاقاً كبيرة وهو اليوم أحد أكثر علماء البحرين نشاطاً على مستوى التأليف ، ومستواه العلمي متقدم جداً ومعروف لدى الفضلاء وفقه الله تعالى لخدمة الدين .  
7-  الشيخ محمد باقر الناصري ، ابن المترجم له ، وهو من مواليد العام 1970 م ، أخذ شيئاً من فنون الخطابة عن والده ،  ولكنه للأسف الشديد لم يواصل الخطابة وقطعها لإنشغالاته ، إلا أنه يمتلك من تراث ومعلومات عن والده الشئ الكثير ، كما انه انشغل بالتأليف وطلب العلم ، ومازال منهمكاًَ فيهما وفقه الله .
8-   الحاج ملا هلال بن أحمد بن عبد الله . خطيب ، وشاعر من ( قرية جد الحاج ) وهو من مواليد العام 1940 م وعاش خطيباً مدة خمس وثلاثين عاماً ، وقد لازم أستاذه المرحوم الناصري مدة من عمره ، ونهل منه الكثير من فنون الخطابة وقد امتازت قراءة هذا الخطيب الحاج هلال بكونها شجية وتراثية ، توفي رحمة الله عليه في 10 / 11/ 2009 م ، ودفن في مقبرة قرية جد الحاج ، بعد عمر قضاه في خدمة المنبر الحسيني .    
مؤلفاته :
1-         من تراث شعب البحرين / مطبوع
2-         زواج القاسم / مطبوع
3-         حياة القاسم بن الإمام الكاظم / مطبوع
4-         وفاة الحمزة بن عبد المطلب / مطبوع
5-         النص الجلي في مولد العباس بن علي / مطبوع وفيه القصيدة القافية المشهورة [ صدقت به رؤيا رأته أمه ]
6-         غاية المراد في مولد السجاد / مطبوع
7-         الإيعاز في حل الأحاجي والألغاز / مطبوع
8-         موسوعة الأمثال الشعبية في الخليج / مطبوع
9-         تنفيه الخاطر وسلوة القاطن والمسافر / مطبوع ج1- ج3
10-  قصة السيد إبراهيم المجاب / مطبوع
11-  قصة الزهراء / مطبوع
12-  قصة الإمام الرضا / مطبوع
13-  قصة الشيخ عزيز / مطبوع
14-  قصة الشيخ عمير المعلم / مطبوع
15-  قصة النبيه صالح / مطبوع
16-  ديوان خطباء البحرين / مطبوع
17-  ديوان نصرة الناصري / مطبوع
18-  الغديريات / مطبوع
19-  الجلوات / مطبوع

تحقيقاته :

1-         ديوان ملا عبدالله البلغة / مطبوع
2-         ديوان سيد عبد / مطبوع
3-         ديوان ملا منصور العكري / مخطوط
4-         ديوان ملا علي بن فايز ( ماصحت روايته ) / لم يطبع
5-         ديوان ملا سلمان بن سليم / مطبوع


كما ساهم في إخراج الكثير من تراث الشعر الشعبي التراثي


مخطوطات لم تطبع :
له مجموعة من الكتب المخطوطة التي لم تطبع بعد لعدة أسباب وهي :
1-         رباعيات الناصري
2-         القواقع والأصداف على ساحل الخليج
3-         معجم قرى ومدن أوال وتوابعها / يقع في ثلاثة أجزاء وللأسف لم يطبع لحد الآن
4-         شرح قصيدة أحرم الحجاج
5-         ديوان خواطر الناصري
6-         سلوة الأديب
7-         هكذا عرفتهم
8-         موسوعة الأمثال الشعبية في الخليج ج2 وج3
9-         تنفيه الخاطر ج4

رثائه :
وقد رثى صاحب الترجمة جماعة من الشعراء في حفل تأبيني حاشد أقيم في مأتم وحسينية الصفافير في المنامة بعد مرور أربعين يوماً على وفاته ، حضرها حشد من العلماء والخطباء ومحبي الإمام الحسين عليه السلام ، وألقيت الكلمات والقصائد في هذا الحفل وقد كنت حاضراً فيه وأذكر من القصائد التي ألقيت ، قصيدة للشاعر الملا محمد جعفر العرب الجمري ، وقصيدة لشاعر المنبر الكبير السيد محمد صالح السيد عدنان ، وقصيدة للخطيب الكبير الشيخ  عبد المحسن بن ملا عطية الجمري أشادوا فيها بشخصية المترجم له وأثنوا عليه بالغ الثناء وهو قليل في حقه . وحاولت ان أجمع هذه القصائد وريثما يكتمل جمعها سنقوم بنشرها كاملة إن شاء الله تعالى  
ومما قلته في رثائه رحمة الله عليه وكنت أود ان اقرأها في تأبينه إلا أنه لطول البرنامج وكثرة ما ألقي من شعر لم أجد مجالاً لإلقائها فاحتفظت بها وهذه الأبيات منها :

مضى لربٍ راحمٍ غافرِ * طوبى بهذا الفوز يا ناصري
قضيت عمراً خادماً مخلصاً * لآل بيت المصطفى الطاهر
وصنت في فن الرثا مذهباً * أحييته في الزمن الغابر
إذ فزت والله بمدح الألى * مولاهم ماكان بالخاسر
نظمت فيهم مدحهم والرثا * وكنت حقاً قدوة الشاعر
قد كنت للعشاق مايمموا * ورداً هنيئاً ساغ للناظر
يامفعماً بالروح لا تنتهي * آياته تترى على الظاهر
ياجامعاً فينا شتاتاً مضى * خلدته نوراً إلى الناظر 


مصادر البحث :
1-         مقابلة مع الشيخ محمد باقر الناصري
2-  نشرة : قبسات من حياة الخطيب الشيخ محمد علي الناصري / صندوق الماحوز الخيري
3-         أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين / ج2
4-         ذاكرة الماحوز / عبد الله حسن عمران
5-         ديوان خطباء البحرين / ملا محمد علي الناصري
6-         ديوان نصرة الناصري / ملا محمد علي الناصري ج1 ، 2 ، 3

7-         نشرة صوت المنبر الحسيني : يصدرها مجلس الخطباء العدد السابع ، 18 / 12 / 2009م . 



كتبه بشار العالي في
31 ديسمبر 2014 الموافق 8 ربيع الأول 1436 ه 

الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

وفاة مريم العذراء وأهل البحرين

البحارنة وإحياء ذكرى وفاة مريم




يحيي البحارنة من سكان جزيرة أوال في كل عام ذكرى وفاة السيدة مريم بنت عمران عليها السلام ويخصصون لها يوم الخامس والعشرين من شهر صفر فتفتح المآتم الرجالية والنسائية على حد سواء لتقرأ فيها وفاتها .
أما مآتم النساء فيقرأون من كتاب النسخة خبر وفاتها وبعض هذه النسخ من كتب مخطوطة متداولة منذ مئات السنين ، ثم يقرأون أبيات معدة خصيصاً لهذه المناسبة تذكر شيئاً من مناقبها وطريقة وفاتها وحزن نبي الله عيسى عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام وبعض القصائد تقارن بينها وبين السيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها ، وقدد تفننت الكثير من شاعرات المآتم  النسائية بسرد مراثي هذه السيدة ، كما كانت العادة المتبعة في هذه المآتم النسوية أن يقوموا بتوزيع بعض الأطعمة مع البقول والخضروات في إشارة للزهد الذي كانت تعيشه هذه المرأة في حياتها هي وابنها المسيح عليهما السلام
وبالنسبة للمآتم الرجالية فإنهم قديماً يقرأون من كتاب ( النسخة ) وهو كراس عُد خصيصاً لهذه المناسبة يجمع بعض أخبارها من خلال الكتب والمصادر الإسلامية التي تحدثت عن شخصية مريم ثم يختمون بأبيات رثائية لها . وبالنسبة للشعراء الرجال فلم يكتبوا عنها إلا القليل منهم مثل المرحوم الملا محمد علي الناصري والمرحوم ملا عبد الرسول السهلاوي بينما تخلو دواوين عميد شعراء المنبر ملا عطية الجمري  من أي رثاء لها .
على مستوى التأليف حول وفاة السيدة مريم فهناك كتيب قليل الأوراق متداول بين المآتم وتمت طباعته في البحرين مرات عديدة يذكر خبر وفاتها وفي بدايته نقل من كتاب البحار وفيه خبر عن كعب الأحبار أو وهب بن منبه وهو مجهول الكاتب ، وقد ذكر الشيخ علي البلادي صاحب أنوار البدرين إن للشيخ محمد بن أحمد المقابي البحراني كتاب بإسم ( وفاة مريم ابنة عمران ) ولا أعلم هل هو نفس هذا المتداول الذي يخلو من اسم المؤلف أم غيره والله العالم .  
إن الإهتمام بشخصية كشخصية مريم عليها السلام لاشك أنه راجح شرعاً خصوصاً وأن القرآن الكريم قد اهتم بها وخصص لها سورة كاملة بإسمها وذكر فضلها واصطفائها ومقامها عند الله تعالى وكذلك كان ذكر ولادتها وجزء من أحوالها في سورة آل عمران مما ينبئ عن مكانتها عند الله وأما الأحاديث النبوية فقد تكلمت عنها وجعلتها من خيرة نساء الأرض وهذا لا غبار عليه .
إنما الكلام حول سبب إهتمام أهل البحرين وأوال بهذه المناسبة وإحيائها على وجه الخصوص فقد ذكرت له عدة توجيهات منها :-
1-           أن البحارنة كانوا يحيون المجالس الدينية طوال العام ولذلك فكانوا يبحثون عن المناسبات المهملة والتي قل أن تذكر فيقيمون لها شعائر ووزنا وربما قاموا بوضعها ضمن سلسلة النذور ودرجوا عليها ومنها وفاة آدم ووفاة حواء ومقتل زكريا (ع) إلا أنها اندثرت وما تبقى من هذه المناسبات هو مريم ووفاة يحيى عليهما السلام .
2-           ان هذه المناسبة كان يتعاهدها البحارنة باعتبار أنهم كانوا على المسيحية قبل الإسلام ولذلك استمروا في الاعتناء بها إلى مابعد الإسلام خصوصاً أن الدين الاسلامي قد اهتم بهذه الشخصية وأحاطها بشيء من القدسية
3-           ان هذه المناسبة أدخلها الإستعمار البريطاني الذي حكم البحرين لسنوات طويلة ، وقد ذكر هذا الإحتمال بعض الباحثين ولكن لايمكن قبوله بأي وجه لعدة أمور أهمها ، أن البحارنة كانوا يحيون هذه المناسبة قبل الاستعمار البريطاني لأرضهم ، كما ثبت أن الشيخ  محمد المقابي قد كتب حول وفاتها ولا شك فالشيخ محمد المقابي زمانه أقدم من زمن الاستعمار البريطاني .


وقد بحثت كثيراً في الكتب والمصادر الإسلامية التي تحدثت عن تواريخ الأنبياء فلم أجد من حدد تاريخاً لوفاة مريم ابنة عمران عليها السلام وكتبنا المعتبرة تخلو من تحديد هذه المناسبة تماماً خصوصاً وهي المناسبات التي كانت قبل بزوغ التاريخ الهجري واستخدامه .

في حين وقع تضارب فيما نقله لنا الإخباريون حول وفاتها عليها السلام هل كانت قبل رفع المسيح أم بعد رفعه عليه السلام  
ففي مستدرك الوسائل نقل المحدث النوري خبراً مفاده أن وفاتها كانت قبل الرفع يقول : في حديث وفاة مريم ، أن عيسى ( عليهما السلام ) ، ناداها بعد ما دفنت فقال : يا أماه ، هل تريدين أن ترجعي إلى الدنيا ؟ قالت : نعم ، لأصلي لله في ليلة شديدة البرد ، وأصوم يوما شديد الحر ، يا بني ، فإن الطريق مخوف . [ مستدرك الوسائل ج7 ص: 505 ]
وذكر المؤرخ الكبير ابن الجوزي في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم [ ج 2 : 41 ] وقد ذكر فيه  [ ومن الأحداث بعد رفع عيسى ابن مريم عليهما السلام  وفاة مريم عليها السلام : فإنّها بقيت بعد رفعه ست سنين ، وكان جميع عمرها نيفا وخمسين سنة]

وذكر النويري صاحب كتاب نهاية الإرب في فنون الأدب [ ج14 ص : 248 ] مانصه : [ قال الكسائىّ قال كعب : ماتت مريم ابنة عمران أمّ عيسى عليهما السلام قبل رفعه ، فدفنها في مشاريق بيت المقدس ] .
وفي نفس كتاب نهاية الإرب أيضاً مانصه [ وحكى الثعلبىّ رحمه اللَّه أنها ماتت بعد رفع عيسى عليهما السلام . وقال في خبره : إنه لمّا صلب المشبّه بعيسى جاءت مريم ابنة عمران وامرأة كان عيسى دعا لها فأبرأها اللَّه من الجنون يبكيان عند المصلوب ، فجاءهما عيسى عليه السلام فقال لهما : على ما ذا تبكيان ؟ فقالتا عليك . فقال : إن اللَّه تعالى رفعني فلم يصبني إلا خير ، وإنّ هذا شئ شبّه لهم . ثم قال أيضا في قصة وفاة مريم عن وهب : لمّا أراد اللَّه تعالى أن يرفع عيسى عليه السلام آخى بين الحواريّين وأمر رجلين منهما وهما شمعون ويوحنّا أن يلزما أمّه ولا يفارقانها ، فانطلقا ومعهما مريم إلى نيرون ملك الروم يدعوانه إلى اللَّه عز وجل ، وقد بعث اللَّه اليه قبل ذلك بولس. فلمّا أتوه أمر بشمعون وبولس فقتلا وصلبا منكَّسين ، وهربت مريم ويوحنّا ، حتى إذا كانا في بعض الطريق لحقهما الطلب ، فخافا فانشقت لهما الأرض فغابا فيها ، فأقبل نيرون ملك الروم وأصحابه فحفروا ذلك الموضع فلم يجدوا شيئا فردّوا التراب على حاله ، وعلموا أنه أمر من اللَّه عز وجل . فسأل ملك الروم عن حال عيسى فأخبر به فأسلم . وقد قيل في إسلامه غير هذا ، على ما نذكره إن شاء اللَّه تعالى ]

وهذه المرويات التي تشير لكون مريم (ع) توفيت مابعد الرفع فيها تقارب مع المرويات المسيحية ، على أننا لو نظرنا وتفحصنا رواية الوفاة المتداولة والتي تقرأ في المآتم لوجدناها تشير لكون الوفاة قبل الرفع على أنها لاتستند على مرويات منقحة وثابتة الأسانيد والله تعالى العالم بحقيقة الحال .


بقلم بشار العالي
25 صفر 1436ه

السبت، 13 ديسمبر 2014

في رثاء الشيخ الجمري






ورحل الجمري



قصيدة رثاء في حق أستاذي ومعلمي الكبير العلامة الشيخ عبدالأمير منصور الجمري قدس الله نفسه والذي طالما تعلمت منه ونهلت من أدبه وصبره فسلام على روحه الطاهرة





ترجّل فارسٌ وقضى هزبرُ* فأعولَ عندَهُ بيضٌ وسمرُ
وما انفردت عيوني في بكاها* وهذي أعين الباكين كثْرُ
قضى الجمريُّ يابحرينُ فاْبكي* فما بعدَ الفراقِ يُعزُّ صبرُ
قضى شيخُ الصمودِ فأي كسرٍ* له من بعد هذا اليوم جبرُ
فوا أسفا عليك أبا جميلٍ* رحلت وأنت في النبضات ذكرُ
رحلت فأعولتْ حزناً أوالٌ* وأنت لأرضها الإبنُ الأبرُّ
غدت تبكي النخيلُ وأنت فيها* عروقُ الصبرِ والسعفاتُ صفرُ
بكاكَ البحرُ والأمواجُ تنعى* وما ألهاهُما  مدٌ وجزْرُ
وأنت بقعره صدفٌ تخفّى* بكامن روحه للشعب درُّ
وروحُك نورسٌ قد صفّ  يرنو* شواطئنا وفي عينيه فجرُ
وأنت الشاعر الغرّيدُ تروي* حكاياتِ الهوى والقلبُ جمرُ
هما بحران في البحرين لكن* بكفّك سال للأمجاد بحرُ
فلا واللهِ لاتنساكَ أرضٌ* طُبعت بها ونهجُكَ مستمرُّ
ولاتنساك آلامُ الثكالى* وشعبٌ مسّـهُ ظلمٌ وقهرُ
وما السبعُ العجافُ عليكَ تُنسى* وسجّانٌ غشومٌ مكفهرُّ
وماكان العزيزُ بها عزيزاً* ولكن غرّهُ تيهٌ وكِبْرُ
ومن جدران سجنك قافياتٌ* تلقننا الحياةَ فأنتَ حرُّ
أضأت الدربَ ياجمريُّ فينا* فكلُّ لسانِنا مولايَ شُكرُ
وداعاً أيها الشيخ المفدّى* طواها صفحة الأمجاد عمْرُ
فأنت بنا مع الأجيال تبقى* عظيماً  كل ما نحكيه فخرُ
أراد الله بالإنسان أمراً * ولايعصى لرب الناس أمرُ
      


ألقيتها في أيام وفاته قدس الله سره

في ذكرى أربعين الحسين عليه السلام



سافرتُ إليك


الماءُ حولَكَ يامولايَ عطشانُ*والزاحفونَ إلى مثواكَ ألوانُ
يا أنتَ حيرتَ أفكاري وقافيتي*قلْ ليْ أهلْ مَلَكٌ أم أنتَ إنسانُ
أبدعتَ في فنكَ السامي لتمنحَنَا*نوراً ومعرفةً بالحبِّ تزدانُ
ياقارعاً كل أبوابِ القلوبِ وفي*عينيهِ ترجمةٌ تترى وأحزانُ
خذني بقبركَ فالأشواقُ تغمرني*تطوفُ بي وخيالي فيكَ أكوانُ
حتّى لعرشكَ في أرضِ الطفوفِ سعى*عمري وأنتَ بذاكَ العرشِ سلطانُ
وعندَ أعتابكَ العليا انطوى زمنٌ*خرّتْ عروشٌ وطغيانٌ وتيجانُ
هذا لأنكَ نورُ الله جلَّ وفي* أنفاسِ عمركَ آياتٌ وقرآنُ
أصغتْ إليكَ دهورٌ في تقلبِها*وأنتَ للحقِ إنصافٌ وبرهانُ
أصغى لكَ الكونُ يامولايَ حينَ رقى* شمرٌ على الصدرِ والأفلاكُ آذانُ
وعادَ دمكَ يسقي الأرضَ من ضمأٍ* وللحقيقةِ توضيحٌ وتبيانُ
لن يطفؤوكَ ومهما حاولوا خسؤوا* فأنتَ نصرٌ وهمْ ضعفٌ وخسرانُ
سفينةٌ لنجاتي جئتُ اركبَها*ودونَ حبكَ يامولايَ طوفانُ
هذي جنانُكَ في أقداسِ زخرفِها* يحفُّها من بهاءِ اللهِ رضوانُ
الحورُ تسرحُ في أفياء بهجتِها*والمؤنسانِ بها رّوحٌ وريحانُ
لم يكتبْ اللهُ إسمي في الزيارةِ يا*مولايَ والقلبُ بالآلامِ ولهانُ
لكنكَ اليومَ قدْ أصبحتْ لي وطناً *وكلُّ شبرٍ بهِ ذكراكَ أوطانُ







بشار العالي 
20 صفر 1436 ه