الاثنين، 20 يوليو 2009

الإنشاد في الحسين عليه السلام

الإنشاد في الحسين عليه السلام

محاضرة في مجلس فاتحة خطيب المنبر الكبير
السيد جعفر الكربابادي
مقدمة
عن مولانا الصادق صلوات الله عليه : ( من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة ... ) كامل الزيارات لإبن قولويه .
اهتمت روايات أهل البيت كثيراً بمسألة البكاء على الحسين عليه السلام وهو نوع من الآليات المستخدمة لحفظ قضية هذا الإمام المعصوم ، لأسرار وأهداف إلهية كثيرة . ومن هنا جاء دور الشرع الذي تحدث عن الشعائر الحسينية حيث أعطاها صبغة العبادة وجعل لها أجراً وثواباً كما لأي واحدة من العبادات المعروفة وهذا طبعاً مما تميز به المذهب العظيم لأهل بيت العصمة صلوات الله عليهم ومن خلال هذه المقدمة يمكن أن نتحدث عن الشعائر في نقطتين .
النقطة الأولى : الشعائر المنصوصة والشعائر غير المنصوصة
والمراد من الشعائر المنصوصة هي تلك التي ورد عن أهل بيت العصمة نص بخصوصها كشعيرة الزيارة للنبي وأهل البيت صلوات الله عليهم فقد روى المفيد في المقنعة عن الصادق عليه السلام أنه قال [ من زار الحسين بن علي عليهما السلام لا أشراً ولابطراً ولا رياءً ولا سمعة مُحّصت ذنوبه كما يمحص الثوب في الماء ، فلا يبقى عليه دنس ويكتب له بكل خطوة حجة ، وكلما رفع قدمه عمرة ] حيث نجد النصوص كثيرة حتى قام أحد المحدثين بجمعها وهو ابن قولويه في كتابه كامل الزيارات وغيره فهي نصوص عن الأئمة وجدهم الأقدس حول فضل الزيارة وثوابها ، وكذلك مسألة البكاء على مصيبة الحسين عليه السلام فقد عقد في كامل الزيارات باباً خاصاً في ثواب من بكى على الحسين جاء فيه مثلاً :عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) أنه قال كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول : [ أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقابا ... إلى آخر الحديث ]. وورد في نفس المصدر أيضاً على سبيل المثال ما عن أبي عبد الله (ع) : [ إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ماجزع ماخلا البكاء والجزع على الحسين بن علي فإنه فيه مأجور] . وإلى غير ذلك الكثير من الروايات التي تدل على هذه الشعائر بشكل صريح

نعم هناك بعض أنواع الشعائر ربما لم يتم الإستدلال عليها وعلى كونها من الشعائر بشكل مباشر بل هي متصيدة من خلال روايات كثيرة وقرائن يفهم منها أن هذا الأمر مرغوب فيه ومن هذه الأمور على سبيل المثال لا الحصر :
1- المشي إلى زيارة الحسين بخصوصه
2- لبس السواد على مصاب الحسين صلوات الله عليه
وهناك أمور اعتبرها العرف وحتى المتشرعة من الشعائر الحسينية وهي ليست بمنصوص عليها وربما هذه النقطة التي أدخلتنا في الكثير من الجدليات في شأنها سواء على المستوى الفقهي أو المستوى الفكري العام للمذهب الشيعي ، كمسألة التطبير أو مسألة ضرب الظهور بالسلاسل وهو المعروف (بموكب الزنجيل ) أو حتى مواكب لطم الصدور فهي من القسم الغير المنصوص ويمكن معالجة هذه المسألة فقهياً عبر سعة قاعدة الإحياء ( أحيوا أمرنا ) وكون إحياء أمرهم عليهم السلام ذا سعة بحيث يمكن إدراج الكثير من العناوين مالم تكن مخالفة للمبادئ العامة وفقهيات المذهب والكلام هنا ليس محله .
نعود للمنصوص من الشعائر حيث يتصدر الشعر كما هو الحديث الذي بدأنا به . فالشعر من الشعائر المنصوص عليها من زمن النبي وحتى آخر الأئمة صلوات الله عليهم .

النقطة الثانية : هناك نمطان في شعيرة ( الشعر ) الحسيني ومن خلال النص الذي بدأنا به الحديث نلاحظ هذه المسألة وهما :

النمط الأول : الإنشاء : كما عن عيون أخبار الرضا يرويه الصدوق عن مولانا ثامن الحجج يقول : [ من قال فينا بيت شعر بنى الله تعالى له بيتاً في الجنة ] وإن كان القول أعم إلا أن إنشاء الشعر من أبرز مصاديقه كما لا يخفى . وفي نفس المصدر عن أبي عبد الله (ع) أنه قال : [ ما قال فينا قائل بيتاً من الشعر حتى يؤيد بروح القدس ] وفي نفس المصدر أيضاً عن الرضا (ع) : [ ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلا بنى الله له مدينة في الجنة أوسع من الدنيا سبع مرات يزوره كل ملك مقرب وكل نبي مرسل .... إلى آخر الحديث ] . وكما جاء في بعض المصادر أيضاً عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله [ أنه دعا للنابغة الجعدي لما قال فيه :
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى ويتلو كتـاباً كالمجرة نيـّرا
فقال فيه رسول الله لا يفضض الله فاك فأغبر مائة سنة لم تنغص له سن ] ، وكذلك حسان بن ثابت ، لما أن أخبره النبي بقوله مازلت مؤيداً بالروح القدس مادمت ناصرنا بلسانك ... إلى غير ذلك الكثير من الشواهد .
النمط الثاني : هو الإنشاد وهو أن يقوم المنشد للشعر بقراءته وإلقائه وهذا الأمر لا يقل أهمية عن سابقه ولذلك نصّت الروايات عليه لما له من مكانة فكم من قصيدة كانت مندثرة ومنسية أحياها لسان منشدها وأعطاها روحاً في طريقة ترنمه بها وكيفية إنشادها
وهو الدور الذي يقوم به الخطباء اليوم والرواديد حفظهم الله في إحياء أمر مولانا الحسين وأهل بيته الطاهرين .
وفي هذا النمط نشاهد بعض الروايات نأخذ منها على سبيل المثال مارواه المحدث الأقدم ابن قولويه قدس سره في كامل زياراته عن أبي عبد الله (ع) : من انشد في الحسين بيت شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيت شعر فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : من أنشد في الحسين بيتاً فبكى _ وأظنه قال : أو تباكى فله الجنة ] وفي رواية أخرى عن كامل الزيارات أيضاً مارواه بإسناده عن أبي هارون المكفوف قال دخلت على أبي عبد الله (ع) فقال لي أنشدني فأنشدته فقال :لا كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره قال فأنشدته :
امرر على جدث الحسين وقـل لأعظمه الزكيـة
_ أقول يظهر من هذا الخبر أن الإمام طلب من أبي هارون أن ينشده بطريقة غير التي كان ينشدها وفي خبر آخر يظهر أنه نفس الخبر ونفس موقف أبي هارون قال له الإمام [ – أنشدني كما تنشدون _ يعني بالرقة ] ولعل التوضيح من الراوي إلا أنه يتضح أن الإمام طلب نمطاً أو مايتعارف لدى الخطباء اليوم بالأطوار التي هي كيفية معينة من قراءة الأبيات والقصيد أو ما يعرف في العرف اليوم باللحن .
وهذه إحدى ميزات الخطابة الحسينية الأصيلة التي هي أساساً إنشاد الشعر ونظمه في حق أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم وأنت ترى الروايات كيف وضعت لها هذا المقدار الكبير من الوزن والثواب ليحفل التشيع بعد ذلك بمدارس في فن الإنشاد استقت أسسها من كلام الأئمة والذين شجعوا على إقامتها والحث عليها وتعاهدها .

النقطة الثالثة : وقفة مع السيد الكربابادي قدس سره
السيد جعفر رحمة الله عليه أحد الخطباء القلة في البحرين الذين عرفوا بالتميّز من مميزات خطابته رحمه الله :
1- في أداء الشعر كان له رحمه الله دور كبير في الحفاظ على الشعر التراثي البحراني للشعراء البحرانيين كالمرحوم ملا عطية الجمري والمرحوم ملا علي بن فايز رحمهما الله فهذه ميزة فيه وهي الحفاظ على تراث البحرين الأدبي والشعري .
2- الجرأة في الأداء واللحن وهي صفة يبرز جوهرها شجاعة الخطيب وثقته في نفسه وهي ملكة إن صح التعبير تصقلها سنوات الممارسة الطويلة ولا ضير فقد كان رحمه الله قد قضى سني عمره وزهرة شبابه في خدمة المنبر الحسيني .
3- الإبتكار في الأطوار الحسينية وقد سألت الفقيد رحمه الله عن الطور الذي يتميز به فقال لقد أجراه الله على لساني وأخبرني قصته وهي أنه كان يوماً ما جالساً مع صديق دربه وقريبه الخطيب الكبير المتميز الشيخ ميرزا الأسود قدس سره في ليلة شتاء عند ما يعرف بـ( الدوّة ) وهي مايوضع فيه الجمر للتدفئة عادة حيث وجد نفسه يترنم بأبيات على نمط معين مما جعل الشيخ ميرزا الأسود يتساءل من أين تعلمت هذا الطور فقال له السيد جعفر الآن أنا انشده هكذا فقال الشيخ ميرزا إنه طور متميز فأخذا يكررانه معاً حتى أصبح هذا الطور ملازماً لهما إلا أن الناس والخطباء في البحرين يطلقون عليه طور السيد جعفر الكربابادي وهو معروف عند من يتعاطى الخطابة في البحرين ومشهور لديهم ، فهو خطيب صاحب مدرسة في الخطابة والإنشاد الحسيني
فما تحسب هذه الهبة الحسينية إلا أنها مما نطق به الروح القدس على لسان هذا الخطيب المخلص حيث أبكى الناس طوال حياته على مصيبة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه ومازال صدى صوته يتردد في مآتم البحرين ومحافلها وحسينياتها حتى ظهور الحجة إن شاء الله تعالى فرحمك الله أيها السيد الجليل وحشرك مع الحسين وأحبته وجعلك معه في ظله يوم لا ظل إلا ذالك الظل الظليل والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .

مصادر البحث :
1- عيون أخبار الرضا (ع) الشيخ الصدوق
2- كامل الزيارات لإبن قولويه
3- مقابلة مع الفقيد رحمه الله