الأحد، 14 سبتمبر 2008

شذرات من الأدب المهدوي : الحلقة الأولى

الحلقة الأولى :

شذرات من الأدب المهدوي

كثيرة هي الأقلام التي كتبت عن قضية الإمام المهدي وعن عقيدة الشيعة فيه منتقدة مسألة ولادته ، أو عمره الطويل تارة ، وتارة تستهزئ بالشيعة وهم يندبونه وينتظرونه مع توالي القرون وتتابع السنوات وقد تصدى لهؤلاء ثلة من علماء الشيعة وحماة الشريعة بالرد على مثل هذه الإتهامات وتفنيدها ، وتعدت المسألة حدود النقاش العلمي لتصل للأدب والشعر فهو مرآة يعكس ثقافات الناس وأفكارهم وتوجهاتهم وكان لهم بالمرصاد فحول الشعراء الشيعة الذين تصدوا لهذه الظاهرة وكانوا في الطليعة .
ومن بين هذه الأقلام الحاقدة ، مانقله ابن حجر صاحب كتاب الصواعق المحرقة من استهزاء بعقيدة الشيعة في هذا الجانب فقال :

ما آن للسرداب أن يلد الذي صيرتموه بزعمكم انسانا
فعلى عقولكم العفا لأنكم ثلثتم العنقاء والغيلانا
لم يكن هذا الكلام إلا تفريغاً لشحنات ضد أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فهو ينتقد مسألة انتظار الشيعة لمهديهم الموعود ويلخص انتقاداته في نقطتين رئيستين هما :

1- أنهم ينتظرون خروجه من السرداب الذي هو جزء من بيت الإمام الحسن العسكري (ع) في سامراء ومازال مزاراً يقصده الشيعة عند زيارتهم لعتبات سامراء المقدسة وزيارة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ، و يذكر الشهيد الأول عليه الرحمة في كتاب الدروس : أنه يستحب زيارة المهدي عليه السلام في كل مكان وكل زمان والدعاء بتعجيل الفرج عند زيارته ، وتتأكد زيارته في السرداب بسر من رأى . كما أن الشيخ المحدث عباس القمي أعلى الله درجته قد خصص له في كتاب مفاتيح الجنان ضمن أعمال سامراء قسماً سماه ( آداب السرداب الطاهر ) وجاء فيه :
وعلينا أن نصدّر المقصد بالتّنبيه على أمر تحدّثنا عنه في كتاب الهدية نقلاً عن كتاب التحيّة وهو أن هذا السّرداب الطّاهر هو قسم من دارهما (عليهما السلام) ، وقبلما يشيد هذا البناء الحديث (الصّحن والحرم والقبّة) كان المدخل إلى السّرداب خلف القبر عند مرقد السّيدة نرجس (نرجس خاتون) ولعلّه الآن واقع في الرّواق ، فكان ينحدر إلى مسلك مظلم طويل ينتهي بباب يفتح وسط سرداب الغيبة، والسّرداب في عصرنا الحاضر مزخرف بالمرايا وله في جانب القبلة نافذة إلى صحن العسكريّين (عليهما السلام)، وموضع الباب السّابق معلّم بصورة المحراب منقوشة بالقاشاني ، فكانت الزّيارات وغيرها لهؤلاء الأئمة الثّلاث تؤدّي كلّها من حرم واحد ولذلك نجد الشهيد الأول في المزار يعقب زيارة العسكريّين (عليهما السلام) بزيارة السّرداب ثمّ يذكر زيارة السّيدة نرجس، ومنذ مائة وبضعة سنين تأهّب للبناء المؤيّد المُسدّد احمد خان الدّنبلي وافرز بما أنفقه من المبلغ الخطير صحن الإمامين (عليهما السلام) كما هو الآن، وشيّد الرّوضة والرّواق والقبّة الشّامخة وأسس للسّرداب الطّاهر الصّحن الخاص والإيوان والمدخل والدّهليز، كما شيّد للنّساء سرداباً خاصّاً كما هو قائم الآن، فطمست معالم ما كان من قبل المدخل والدّرج والباب وانمحى جميع آثاره ، فزال بذلك مورد بعض الآداب المأثورة، ولكن أصل السّرداب الشّريف وهو موضِع جملة من الزّيارات باق لم يتغيّر ، وأمّا الاستئذان لدخول السّرداب فلم يسقط بانسداد المدخل السّابق فلكلّ زيارة استئذان كما دلّ عليه الاستقراء ، ونجد العلماء كذلك يصرحون بلزوم الاستئذان تأدّباً للدّخول من أيّ باب أعتيد الدّخول منه إلى حرم إمام من الائمة (عليهم السلام ) .

والسرداب هو المكان الذي اختفى منه صاحب الزمان وليس في عقيدة الشيعة انه يخرج من هذا السرداب بل في عقيدتهم أنه يخرج من مكة المشرفة زادها الله شرفاً عند البيت الحرام فقد روى النعماني في الغيبة : عن الباقر (ع) : ( والله لكأني أنظر إليه وقد أسند ظهره إلى الحجر فينشد الله حقه ) وروى الشيخ الصدوق في كمال الدين وعيون أخبار الرضا عن الإمام الجواد (ع) عن جده النبي صلى الله عليه وآله قوله : ( يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات ) ، وروي أنه يخرج من المدينة كما نقل الأمين في الأعيان ، كما أن في البحار رواية أنه يخرج من اليمن . وليس في واحدة من المرويات عن أهل البيت انه يخرج من السرداب ، وإنما يدعون عند هذا المكان لما له من علاقة خاصة مع هذا المعشوق الغائب فهي مشاعر صادقة في كل موطئ قدم لهذا الحبيب .


2- ويواصل الناقد نقده فيقول : ( صيرتموه بزعمكم إنسانا ) ... حيث يجعل فكرة الإنتظار لهذا الغائب ضرباً من الخيال والخرافة فكأنه يقول : كيف لكم أن تعتقدوا بوجود إنسان يعيش كل هذه السنوات !؟

ولعمري أهل يعتقد بأن هذا الأمر عزيز على الله عز وجل وهو القادر على كل شئ مع أن التاريخ حافل بنماذج كتب الله لها طول العمر كنوح النبي (ع) وكعيسى (ع) . أو الخضر (ع) . فلو جاء لك مجادل يقول لك : هل من المعقول أن يعيش عيسى هذه السنوات الطويلة وأنت مؤمن ببقائه كما شهدت لك بذلك النصوص والأخبار التي لا مجال لنقاشها وثبوتها لديك فما هو ردك عليه ؟ .
ولكن هذا المعاند يصف الشيعة لكونهم اعتقدوا ببقاء المهدي وبغيبته أنهم ليسوا بذوي عقول وأنهم ثلثوا أسطورة ( العنقاء والغول ) التي هي أمثلة لضروب الخيال .
فالعرب تعتقد أن العنقاء هو طائر عظيم معروف الإسم مجهول الجسم كما عن مختارالصحاح ، والغول بالضم من السعالي والجمع أغوال وغيلان . وكلا الإسمين تستخدمهما العرب لبعض الأغراض التي تدخل فيها الخيالات بحسب ثقافة ذلك العصر وجذور ثقافته .

وظل هذان البيتان يتداولان عند الكثير من الناس بين المؤيد والمعارض وقد انبرى جماعة من شعراء الشيعة الإثني عشرية بالرد على هذين البيتين فبعضهم رد على المفردات وعلى الأفكار الواردة فيهما وهو السيد مهدي الطالقاني النجفي رحمة الله عليه ونحن نختار بعض الابيات من قصيدته التي مطلعها :

أتخال حيث بدا الصدى انسانا لم تدر أن لكل صوت شانا
إلى أن يقول :

إن يخفَ سرُّغيابه عنّا فكم لله من سرٍ خفي كانا
يقضي ويفعل ما يشاءُ وما نرى فيما قضاه لنا سوى الإحسانا
قل كيفَ يظهرُ والطغاةُ لحربهِ متأهبون متى عياناً بانا
لا تعجبن من عُمره فلكم ترى في الخلق إنساً مثله أو جانا
يكفي بقا خضرٍ وإلياسِ لنا بل وابن مريم ان ترى برهانا
أنكرتَ طولَ حياته يا أيها الـ ـشيطان لم لَم تنكر الشيطانا
أيكون للرجس البقاء ولم يكن لفتى له الباري برى الأكوانا
إن تجحدوه فمن إمام زمانكم إذ ليس تخلو الأرض منه زمانا
لا غرو أن تنكرْه عُمشُ عُيونكم وتراه أعيننا الصحاح عيانا
فلقد رأتُه عُيونُنا من بعدِ ما ملأ الإله بنوره أحشانا
ولكم لكُم في الدّين يا عجباً لكم من مضحكات تضحك الثكلانا
قومٌ عزوا للدين شرَّ فعالهم هم سننّوا لك ويلك الهذيانا
والزاعمونَ بأن يروهُ جهرةً هم ثلّثوا العنقاء والغيلانا
إلى أن يقول :
قُلْ للذي أعمى المُهيمنُ قلبه فغدا يزخرف في الورى عميانا
قد زدتَ طيشكَ بالذي لفقته فأبان فيك مزيده نقصانا
فلسوف تلقى سوء ما لفَّقته يوم التغابن إذ ترى الخسرانا


ومن الشعراء الذين ردوا على هذه المقالة الشامتة بإسلوب أدبي رائع وسبك يتعجب له المتذوق للفن والأدب ماقاله السيد عبد المطلب الحلي في البابليات حيث شطر البيتين فجعل لكل صدر عجز من عنده ولكل عجز صدر من عنده فكلام الشامت لم يتغير منه حرف ولكن بفن الشاعر السيد عبد المطلب الحلي قلب الموازين على عقبها في رد يطفح ببريق الولاء للإمام المهدي عجل الله فرجه وهو من الروائع حيث أنشأ :

( ما آن للسرداب أن يلد الذي ) فـيه تغيّب عنـكم كتمانـا
هو نور رب العرش إلا أنـكم (صيرتموه بزعمكم إنـسانا)
( فعلى عقولكم العفا لأنـكم ) أنكرتمُ بجحوده الـقرآنا
لو لم تثنوا العجل ما قلـتم لنا ( ثلـثتم العنقاء والغـيلانا )

****
وفي هذا الرد أثار نقاط مهمة منها :

1- إن أحد أسباب غيبة الإمام الحجة هم أولئك الطغاة الذين افسدوا البلاد وشردوا العباد وطغت شرورهم على العالم حتى أصبح الإنسان لا يأمن على نفسه وقد نقل الرواة ماتعرض له بيت الإمام الحسن العسكري من مداهمات وتفتيش حتى أن أم الإمام أخذت الى قصر ذلك الطاغية بحسب بعض المرويات .

2- إن هذا الإنسان مختلف عن الناس بما حباه الله من نعم وأيده بتاييدات كثيرة حتى جعل خلاص الأرض على يديه فهو إنسان ولكن مختلف عن بقية الناس بخصوصيات شتى ولكن هؤلاء بجهلهم حسبوه انسانا عادياً غير محاط برعاية خاصة ومهيأ لميعاد خاص ومحفوظ طول هذه السنين برعاية الله

3- قال لو لم تثنوا العجل إشارة لطيفة منه لما جرى بعد نبي الله موسى (ع) وأن قومه اتبعوا السامري وجعلهم يعبدون العجل بضلال ذلك السامري وأن هذه الأمة أيضاً كان فيها سامري وعجل وهما سبب مهم لإنكار قضية الإمام المهدي عليه السلام بهذه الطريقة التي وردت في البيتين فهو بحث في جذور قضية الإيمان بعقيدة المهدي المنتظر عليه السلام .


وقد نقل الشيخ الآغا بزرك الطهراني في الذريعة أسماء جمع من الشعراء ممن كانت لهم ردود على هذين البيتين . ولسنا بصدد الحصر وإلا لوجدت قائمة كبيرة بأسماء الرادين على هذه الترهات نسأل الله أن يعصمنا من تكذيب ماورد من أحاديث عن النبي وآله الطاهرين .

ويبقى المهدي وتبقى عقيدة المهدوية عقيدة صلبة بكل ما لها من جذور وثوابت قرآنية وما ورد عن لسان النبي وأهل بيته وما نحن إلا من المتمسكين بالثقلين .

( اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلا .......... )
والحمد لله اولاً وآخراً .

_____________

* مصادر البحث :
1- الصواعق المحرقة لابن حجر
2- الغيبة للشيخ النعماني
3- عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق
4- كمال الدين وتمام النعمة لشيخ الصدوق
5- كتاب الذريعة للشيخ آغا بزرك الطهراني
6- أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين
7- بحار الأنوار لشيخ المجلسي
8- ديوان السيد مهدي الطالقاني
9 – كتاب الدروس للشهيد الأول
10 – مختار الصحاح لمحمد بن أبي بكر الرازي
11- مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي