الاثنين، 18 أكتوبر 2010

السادة الأشراف في البحرين (الحلقة الثانية)

السادة والأشراف في الحقل المذهبي
في مقدمة الحلقة السابقة تحدثنا عن أهل البيت عليهم السلام وكونهم قد تفرقوا إلى العالم من منطقتين هما مكة زادها الله شرفاً ، والمدينة المنورة ، ثم تعرضنا بعد ذلك لأقدم الشخصيات من السادة الأشراف في البحرين ، وحيث إن البحث أمامنا ممتد ومتشعب لشعب ربما يتعبنا توضيحها في محلها فلا بأس أن نفرد لها هذه الحلقة ، ومنها إشكالية ماهو مذهب السادة الأشراف وأئمة أهل البيت عليهم السلام خصوصاً بأننا سنجد البعد المذهبي وتوضيحه مهم في أكثر من شخصية .
وهنا عدة محاور :
المحور الأول : أهل البيت أئمة الشيعة
يرجع الشيعة في الفقه والعقيدة لعلي بن أبي طالب (ع) والأئمة من ولده ، وعلي هو ابن عم النبي صلى الله عليه وآله ، وأخوه كما في حديث المؤاخاة ، وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، وأبو الذرية النبوية ، وقد تواترت الروايات بحادثة الغدير التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله لعلي أمام الناس والحجّاج ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ) الذي اعتبره الشيعة أحد أكبر الأدلة على إمامة علي دون غيره من الناس ، إضافة للآيات القرآنية التي بين فيها الله فضل علي وولده كقوله تعالى : (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) آل عمران : 61 ، والتي يجمع المفسرون أنها نزلت في النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وقوله تعالى : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) المائدة : 55، فلهذه الأدلة وغيرها من الآيات والروايات ، إلتزم الشيعة بعلي والأئمة من ولده وعددهم أحد عشر إماماً فيكون المجموع بعلي وولده إثني عشر إماماً وهو عين ما رواه المسلمون سنة وشيعة حول الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه وآله ، فقد أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يكون اثنا عشر أميرا ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش ) ، قال البغوي : هذا حديث متفق على صحته ، وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فسمعته يقول : ( إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة . قال : ثم تكلم بكلام خفي علي . قال : فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش) وأخرج مسلم أيضا - واللفظ له - وأحمد عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلا . ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كلهم من قريش ) .وأخرج مسلم أيضا وأحمد والطيالسي وابن حبان والخطيب التبريزي وغيرهم عن جابر بن سمرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة . ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال : كلهم من قريش ). إلى غير ذلك ، وقد تميّز أهل البيت علي والحسنان وعلي بن الحسين ، وابنه الباقر محمد ، وابنه جعفر بن محمد الصادق ، وابن الصادق موسى بن جعفر ، وابنه علي بن موسى الرضا ، وابن الرضا محمد بن علي الجواد ، وعلي بن محمد الهادي ، والحسن بن علي العسكري ، ومحمد بن الحسن القائم ( ذرية بعضها من بعض ) قد تميزوا بفقه مختلف ، وعقيدة مختلفة في مسائل التوحيد ونفي الرؤوية والتجسيم ونفي التشبيه بخلاف الحنابلة والمشبهة والمجسمة ولهم في ذلك أقوال مأثورة ، حتى بنوا الهيكلة التامة للمذهب وفق مبان ومناهج وأسس قوية ورصينة حفلت بها الكتب المدونة عند شيعتهم الذين أودعوا عندهم الكثير الكثير من معارفهم وعلومهم ، وإن لم تكن ترضي الكثير من الناس إلا أنها استقلت وكونت مذهباً يختلف عن الآخرين وهو المذهب الشيعي ، يقول ابن خلدون في مقدمته : [ وشذّ أهل البيت بمذاهب ابتدعوها، وفقه انفردوا به. وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح، وعلى قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم. وهي كلها أصول واهية. وشذّ بمثل ذلك الخوارج. ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الإنكار والقدح، فلا نعرف شيئاً من مذاهبهم، ولا نروي كتبهم، ولا أثر لشيء منها إلا في مواطنهم. فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم قائمة ] ، على أن جماعة من أصحاب الجرح والتعديل قد ذموا جعفر بن محمد ووالده محمد بن علي الباقر عليهما السلام ولم يأخذوا بما رووه عن آبائهم عن النبي صلى الله عليه وآله .
المحور الثاني : إنحصار الذرية النبوية في أولاد علي وفاطمة
ومن ناحية أخرى فإن الله سبحانه جعل ذرية النبي المصطفى محصورة في أولاد علي من فاطمة عليهم السلام ، فهم نالوا شرف الإتصال بالنبي دون أولاد علي من غير فاطمة عليها السلام ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : ( إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه ، وان الله جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ) الذي قال عنه الشوكاني في نيل الأوطار : أنه صالح للحجّة ، وفي أمالي الصدوق عن النبي صلى الله عليه وآله يخاطب علياً : ( ياعلي ، إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه ، وجعل ذريتي من صلبك ) إلى غير ذلك من الروايات التي استفاد منها جمع من المفسرين ومنهم المفسّر الكبيرالفخر الرازي الذي ذهب إلى أن المراد من ( الكوثر ) في قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر ، المراد منها فاطمة الزهراء عليها السلام ، خصوصاً لو لاحظنا ذيل السورة وهو قوله تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر ) فالكوثر على وزن الفوعل وهو الشئ المتكثّر . وعلى أية حال فقد وهبَ اللهُ الذرية للنبي عبر علي وفاطمة سلام الله عليهما دون غيرهما من الخلق .
وضعيفٌ مانُقل من أكثر من مصدر أن عمراً (رض) قد تزوج بأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فقد ضعّفه كبار علماء الشيعة كالمفيد والشريف المرتضى ، ولا يلتفت إلى مانُقل من روايات ضعيفة في ذلك ، وفي ثنايا هذه الحكاية المختلقة التي تقول أن عمراً (رض) قد تزوج من أم كلثوم وأولدها زيداً ، فزيد هذا _ وهو شخصية مختلقة _ لم يُعقب بل مات هو وأمه في يوم واحد والروايات لو نظرت لها فكلها متضاربة مع بعضها ، ويُفترض أن تسقط لتعارضها وليس البحث هاهنا مقامه فقد رد على هذا الأمر كبار العلماء .
فالمتحصل أن أبناء علي من فاطمة هم ذرية النبي بنص الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله بحسب المصادر ، وهم الذرية النبوية التي نشير لها هنا في بحوثنا حول السادة والأشراف . ونقل السيوطي في كتابه الثغور الباسمة (طبعة الهند) قوله : قال العلماء انقرض نسب رسول الله (ص)إلا من فاطمة لأن أمامة بنت بنته زينب تزوجت بعلي ثم بعده بالمغيرة بن نوفل وجاءها منهما أولاد قال الزبير بن بكار ، انقرض عقب زينب .
المحور الثالث : الذرية النبوية فيهم السنة والشيعة
إذا بعد كل ما قدمنا نستطيع أن نجزم بأن المذهب الأساس لذرية علي بن أبي طالب هو مذهب العلويين أو التشيع ، وهو ماعليه الأئمة الإثني عشر من أهل البيت عليهم السلام ، إلا أننا نجد بعد تعاقب القرون فقد تحول جماعة من السادة للمذاهب الإسلامية الأخرى ، فمنهم الشافعية ومنهم المالكية ومنهم الأشاعرة ومنهم الصوفية ومنهم الإسماعيلية ومنهم الزيدية ، ومنهم غير ذلك بل ومنهم من هرب لبلاد الهند في سنوات التتبع والملاحقات من قبل الحكومات حتى استقر متخفياً لا يظهر مذهبه ودرج أهله على عقيدة أهل الهند حتى أصبحوا من الهندوس ، فلا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، وحينما نلاحظ فإن من عاش في المذهب من السادة الحسنيين قد اتخذوا المذاهب السنية معتقداً لهم ، فكانوا على أحد المذاهب الأربعة ، كالسادة في الأردن ، ومصر ، والمغرب ، وبعض أشراف الهند على المذهب الحنفي ، وفي أفريقيا .
إلا أننا لو رجعنا لأصل الشجرة وأصل المنبت كالإمام الحسن عليه السلام ، أو الإمام الصادق ، والإمام موسى بن جعفر عليهم السلام فهم على مذهب التشيّع ، ثم وبسبب بعض الظروف السياسية والبعد الجغرافي والتعايش والهجرات التي سبقت غيروا مذهبهم الفقهي والعقدي .
وكونهم قد اتخذوا مذهباً غير مذهب أهل البيت عليهم السلام لا يعني إلغاؤهم من هذه الشجرة المباركة فهذا شأنهم ولهم أن يختاروا ، وكذلك بعض الأشراف في البحرين الذين وفدوا بعد قدوم آل خليفة فإنهم لا يتدينون بمذهب أهل البيت ، وهم مع ذلك محترمون ولهم مكانتهم واحترامهم من الجميع ، إلا أن الغالب على السادة في العراق وإيران والبحرين وجبل عامل ،هو المذهب الإثناعشري ، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المتمسكين بدينه والحمد لله رب العالمين . _ وللحديث بقية _
وكتب بيمينه
بشار العالي البحراني
في 9 من ذي القعدة 1431هـ