الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015


مقدمة لديوان ملا محمد ملا سعيد العرب
 
هذه مقدمة كتبتها لديوان ( زفرات الشجا ) للخطيب البارع الشاعر ملا سعيد العرب جزاه الله خيراً ووفقه الله لخدمة المنبر ، وحيث اشتملت على بعض الفوائد التاريخية فأحببت اثباتها هنا
 
تقديم الديوان
 
 
 

 

بين أيدينا تجربة شعرية لشاعر بحراني وهو صاحب الديوان هو الشاعر الخطيب ملا محمد بن ملا سعيد بن الشيخ عبدالله بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد العرب ، ولد في العام 1951م  ونشأ في بيئة علمية وأدبية تعشق الشعر وخدمة المنبر الحسيني ،  وفي أسرة لها إمتداد في خدمة أهل البيت عليهم السلام رجالاً ونساءاً .

 

فوالده المرحوم الورع المؤمن ملا سعيد العرب [ 1320 ه _  1421ه] أحد الخطباء والأدباء البارعين والمعدودين في قراءة التعزية في البحرين نشأ عليها منذ نعومة أظافره وتعاطاها ،  وله حضوره المؤثر في مجالس العزاء ، بجانب كونه أحد الأدباء والشعراء باللسانين الفصيح والدارج ، إلا أنه برع في الشعر الدارج او العامي وخصوصاً في مجال الرثاء وخلاصة تجربته أودعها في ديوانه ( ينبوعُ الشجاء وإسعاف الخطباء في رثاء محمد وآله النجباء ) المطبوع في جزئين ، ويعتبر الملا سعيد هو المنبع الأول الذي نهل منه خطيبنا وشاعرنا صاحب هذا الديوان . ولعل هذه النشأة في كنف الخطابة والأدب الرثائي والحسينيات كانت كفيلة أن تصقل شخصية شاعرنا الأدبية وترتفع بذوقه وجودة انتقائه للمفردات وهي إحدى مميزاته .

وهذا الإرث انتقل للملا سعيد من والده الخطيب الكبير الشهيد الشيخ عبد الله العرب _ جد شاعرنا _ الذي لازم المنبر حتى استشهاده وكان له صيت واسع في الخطابه ، وكانت له اهتمامات بالتاريخ والأدب والشعر إلا أن أكثر نتاجه قد ضاع للأسف منها مجموع فيه قصائد عدة استفاد منه المرحوم ملا عطية الجمري ،  وقد رأيت له مخطوطاً في مقتل الحسين عليه السلام ، ومما نظمه الشيخ عبدالله العرب هذه المقطوعة من مرثيته على مولاه الحسين عليه السلام  نقلنها للإفادة يقول فيها :

 

أفديهِ مبتعداً عن قعر منزلهِ   * من غير ماسببٍ منه ولاجُرمِ

أفديهِ ينتزعُ السهمَ المثلثَ من  * صدرٍ تقدّسَ من القلبُ في ضرمِ

أفديهِ يرنو إلى فسطاط نسوتهِ   * بالحزنِ خوفاً على الأيتامِ والحرمِ

أفديهِ والشمرُ جاثٍ فوقَ منكبهِ *  يحزُّ منهُ محيا المجدِ والكرمِ

فأظلمتْ بعدَهُ الأكوانُ وانصدعتْ  * شواهقُ المجدِ في حزنٍ وفي غممِ

وناحتْ الجنُ والأطيارُ في أسفٍ  * عليهِ وانسجمتْ عينُ الهدى بدمِ

والوحشُ طلّقت المرعى لمصرعهِ  * إذْ قد دهاها البلا بالفادحِ العممِ

لهفي له ثاوياً ملقى ملابسهُ *  في ثائرِ النقعِ أبرادٌ بلا لحمِ

لهفي لنسوتهِ الغراءِ إذ هجمت * أهلُ الضلالِ عليها داخلَ الخيمِ

فبينَ حاسرةٍ في المشي عاثرةٍ  * وبين من هي تلحى في سياطهم

وبين مثقلةٍ بالكربِ معولةٍ  * وجسمها قد بلي بالسقمِ والألمِ

تدعو بهِ وهو ملقىً لاحراكَ لهُ  * موزعُ الجسمِ بالهنديةِ الخذمِ

 

 

 

 كما انتجت هذه الأسرة أحد أعلام الفقه والفضيلة والأدب وهو العالم الكبير المقدس الشيخ محسن بن الشيخ عبد الله بن أحمد العرب [ 1306 ه_ 1356ه ] الذي أفاض بعلمه على جمع من طلبة العلوم الدينية في البحرين منهم المرحوم خطيب البحرين الأكبر وشاعرها الماهر الملا عطية بن علي الجمري ، والخطيب الملا سعيد العرب ، و العلامة المقدس الشيخ عبد المحسن الشهابي صاحب شرح السداد . كما نبغ من هذه الأسرة الخطيب والشاعر والباحث الأستاذ محمد جعفر بن الشيخ محسن العرب  [ 1932 _ 2012 ] .

كانت هذه النشأة في كنف الخطباء والعلماء كفيلة أن تُنبت في شخصية شاعرنا الملا محمد بن ملا سعيد نبتة الولاء والعشق للحسين وخدمة الحسين عليه السلام بجانب كونها أكسبته ذوقاً خاصاً ظهر في شعره ومفرداته وطفح في أخلاقياته الكريمة . فكان أول علاقة الملا محمد بالحسين عليه السلام أنه كان منشداً ورادوداً يقرأ القصائد الرثائية في مواكب العزاء ، ثم تدرج حتى بدأ بحفظ القصائد وارتقاء المنبر في حدود الثمانينات من القرن العشرين الميلادي . ويجدر بنا أن نشير أن هذه الأسرة انتجت عدداً من خطيبات المآتم الحسينية مازلن يمارسن هذه الخدمة في ربوع البحرين ونظمن الشعر والمراثي ، كما أن أبناء صاحب الديوان مالوا بفطرتهم لهذه الخدمة الحسينية وخدمة أهل البيت عليهم السلام وهم ، المرحوم الخطيب ملا حسن وكان لي صديقاً يطلب العلم ويرتقي المنبر وله اهتمام بجمع تراث آبائه وتراث المنبر الحسيني إلا أن يد المنون لم تمهله فوفد على ربه في عمر مبكر ، والشيخ الفاضل ميرزا وهو أحد طلبة العلوم الدينية في قم المقدسة ، والفاضل الخطيب الشيخ حسين وهو جامع ديوان أبيه وهو منشغل بطلب العلوم الدينية في البحرين وله ديوان شعر تحت الطبع ويتميز بخطابته وإجادته لأطوار التعزية البحرانية الحسينية وفقه الله تعالى ، والملا سعيد وهو مازال مبتدئاً في سلك المنبر الحسيني يرتقي المنبر وفقهم الله لمراضيه .

 

وأما عن مميزات شعره فيلاحظ من يتصفح ديوانه عدة أمور :

 

1-           إن شاعرنا هو خطيب ، وهذه ميزة تكفل حسن اختيار موضوع الأبيات وجودتها فالشاعر إذا كان خطيباً يكون اختياره أكثر دقة وأكثر اشباعاً لتطلعات الخطباء

2-           سلاسة العبائر وعدم التكلف في نظم الحوادث ، فتراه مسترسلاً بسجيته الفياضة ينتقل من صورة لصورة

3-           حفاظه على الطابع الرثائي البحراني المتوارث وتجد ذلك واضحاً في اختياره للكلمات التي يتداولها عامة أهل القرى البحرانية

4-           إهتمامه ببعض الجوانب والزوايا التي أهملها ولم ينظم فيها عمالقة الرثاء المنبري

ولذلك نجد الخطباء يحفظون من كتابه الذي طُبِعَ سابقاً لشعره واسمه ( نبذة من الأشعار )  ، وكذلك الرواديد الذين قرأوا من قصائده فوجدوها عذبةً بحب آل محمد صلى الله عليه وآله ، وشجيةً بنغمة الحزن الحسيني ، إلا أن القصائد قد أضاف عليها شاعرنا مقطوعات لم تنشر فكبُرَ حجم الديوان وصار لزاماً أن يُصاغ صياغة جديدة ويظهر في حلته القشيبة مع تغيير العنوان فصارَ بين أيدينا هذا الديوان ( زفرات الشجا ) وهو خلاصة تجربة الملا محمد بن ملا سعيد العرب ليكون له ذخراً إن شاء الله تعالى ، ويكون للخطباء ومحبي الأدب الحسيني منهلاً عذباً وشجياً . وأختمُ هنا بأبيات من العرفان بصاحب الشجا قلتها في الديوان وصاحبه الذي طالما نهلتُ منه أنا وغيري من الخطباء

 

طوبى لقلبٍ ضمَّ حبَّ محمدٍ   *  والآلِ لاحَ الوجدُ في جنباتهِ

وبكى وأبكى حيثُ فاضَ شعورهُ   * وزها بروعتهِ على نفحاتِهِ

كالجمرِ يلهبُ حزنهُ لمصيبةٍ  * تركت صداها المرَّ في آهاتهِ

وبدا الشجا ألمٌ يبوحُ بشعرهِ  * فلذاكَ صاغَ الشعرَ في زفراتهِ

 

 

بقلم

المتشرف بخدمة الحسين

بشار بن عبدالهادي العالي البحراني

في 5 ذي القعدة 1435 ه