الثلاثاء، 25 يناير 2011

السادة الأشراف في البحرين (الحلقة الرابعة)

(القرن التاسع)
نقابة الأشراف في البحرين
اللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلنا معهم ، في هذه الحلقة نتحدث عن نقابة للأشراف في البحرين ورصد تاريخها ومحاولة لإستكشاف بعض خفاياها نسأله تعالى المدد والعون إنه لطيف خبير ، والبحث في ضمن محاور عدة نتعرض لها بالتسلسل وهي :

المحور الأول : بدايات التكوين وأسبابه :

وقد حكمت الظروف نظراً لكثرة السادة والأشراف في البحرين سواء للبحرين بمعناها الأعم أو الأخص ، وسواء للأشراف من السنة أو الشيعة ، أن تكون لهم نقابة ، ولا أمتلك تفاصيل لهذا الأمر بشكل دقي إلا أن تواجد النقباء في البحرين _ بالمعنى الأعم _ كان من القرن السابع الهجري من خلال إقامات بعض النقباء ونزولهم وربما تشكيل تجمع هاشمي في بيئة تحتضن الكثير منهم ، فلو جمعنا القرائن التالية نرى أن وجود نقابة للأشراف والسادة هي تكوين طبيعي وحق إجتماعي فمن هذه القرائن :

1- قدم التشيع في البحرين ومحبتهم للمنتسبين للذرية العلوية ، حيث يمتد التشيع للقرون الهجرية الأولى على انه أقدم المذاهب في أوال بلا نزاع .
2- أدبيات تلك الفترة للمنطقة من مؤلفات وأشعار تنم عن المحبة القوية للذرية الطاهرة وهي باقية لليوم ‘ فيما ترى في المقابل على خارطة الإسلام نزعة عصبية ضد أهل البيت والأشراف حيث قتلوا وشرّدوا .
3- ماذكرناه سالفاً من تواجد للسلالات العلوية في البحرين ، بمعنى أنها أخذت بالنمو عبر قرون حتى القرن التاسع الهجري مما شكلت تركيبة لا يستهان بها من الناس في معدل النمو الطبيعي للإنسان .
4- الإهتمام الكبير لدى العرب بالأنساب سيما من هم في منطقة البحرين ، وهذا الأمر ملموس ليومنا هذا بين القبائل والعرب وحتى الشيعة في تلك الفترة بحسب بعض المنقولات والمؤلفات .

المصدر الذي اعتمدت عليه المعلومة :

ماجاء في كتاب (دوحة السلطان في النسب والنسب القاسمي ) من تأليف السيد حسين الحسيني الزرباطي _ معاصر _ وهو يعدد النسابين عبر القرون حين وصل للقرن التاسع فذكر مانصّه : [ تحت رقم / 196 : السيد علي أبو الحسن ، نقيب البحرين ابن السيد ماجد بن محمد العبدلي الرفاعي البحراني المتوفى سنة 848 للهجرة ] ، وقد قرأت في بعض المصادر أن له تأليفات في أنساب السادة الأشراف وهم ثلاثة كتب ، لم أظفر ، ولم أطلع على شئ منها إلا مجرد المعرفة بوجودها ، ولو أتيح لنا النظر فيها لربما وضعت الكثير من النقاط على الحروف في بحث مثل هذا البحث الذي نحن فيه عن تاريخ السادة الأشراف في البحرين ولربما فتحت معارف جديدة على التاريخ في المنطقة وبهذه السلالة المنتجبة . أما أسماء كتب الشريف العبدلي أو النقيب هذا فهي كالتالي :
1-(الزبدة فيما عليه من ذراري السبطين ) ، وكتاب 2-( العمدة أوعمدة الأحباب في الأنساب ) ، وكتاب 3- ( العدّة في المختار من الزبدة والعمدة ) ، ولا يخفى على المطلع على كتب الأنساب وبالذات العلوي والهاشمي منها هو اعتياد المؤلفين على تسطير أشجار أنسابهم والإعتناء بها لاتصالها بالشجرة المحمدية الكوثرية المباركة ، وبالتالي فأهمية هذا الكتاب على فرض وجوده تكمن في معرفة أصول السادة في البحرين . وهي مايشمل أوال ، القطيف ، الأحساء ، قطر ، وإن كانت البحرين في القرن التاسع أكثر ماتطلق على جزيرة أوال ، بل هناك مصادر أطلقت مسمى البحرين على أوال خاصة من قبل القرن التاسع ولربما كانت هذه قرينة يستفاد بها في بحثنا هنا والله تعالى العالم .على أننا نرى أن العلماء من القطيف أو الأحساء قل أن يستخدموا لقب البحراني بل أكثر استخدامهم لألقاب مناطقهم مثل الخطي أو القطيفي أو الحساوي و الأحسائي أو الهجري ، وغيرها ...ويكتفي الأوالي منهم إما بلقب الأوالي أو بإطلاق البحراني لينصرف الذهن للأوالي دون غيره وهو شائع في مصطلحات القرن التاسع والعاشر فما فوق ، وهذا بحث آخر نبحثه في مكان آخر إن شاء الله تعالى .
معنى النقابة والنقيب :
لكلمة نقيب معنيان لغوي واصطلاحي وبينهما رابط على أساسه انتقل المعنى إلى الإصطلاح ، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى :[ولقد أخذ الله ميثاق بني اسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً ] ، المائدة :12 ، والتي فسرت عند غالب المفسرين بالوجهاء ، والنخبة من القوم الذين لهم رأي وعلى هذا الأساس تم اختيارهم ، وقد اختار النبي من الأنصار إثني عشر نقيباً من قبيلتي الأوس والخزرج كانوا الصلة بينه وبين الأنصار عامة في إدارة شؤون الناس ، إلا أنه في أواخر زمن الدولة العباسية _ حوالي القرن الرابع الهجري _ قد أصبحت مسألة النقابة أو النقيب العلوي مصطلحاً رسمياً معترف به من قبل الدولة فالنقيب هو الزعيم الذي يعيّنه الخليفة لتولي نفقات قومه وإدارة أمورهم إدارياً ، وهو الوجه الذي يمثل تلك القبيلة من الناس والذي يحتكمون إليه فيهم فيكون أمره مسموع ومطاع رأيه ، والخلاصة كما تفهم من كتب التاريخ أن النقابة التي تكون عند الأشراف والسادة هي : [ نوع من الزعامة والرئاسة للأكفاء من الهاشميين حيث يتم تعينهم بشكل انتخابي أو نخبوي ، من عامة أبناء الذرية الهاشمية ، أو يعينهم السلطان ، ليكونوا وجهاءهم _ أي وجهاء الأشراف _ ومقدميهم ومتولي شؤونهم أمام الحكومات وغيرها مما يطلب فيه التمثيل والتقديم ] ، وتكون هذه السلطة الممنوحة في قبال سلطة رؤساء القبائل وشيوخ العشائر عند عامة الناس.
ويمكن أن نحدد هذا اللقب من الناحية التاريخية أنه كان زمن والد الشريف الرضي وهو السيد حسين بن موسى الموسوي من أعلام القرن الرابع الهجري ، وأخذها عنه ولداه الشريفان الرضي المتوفى في العام 406هـ والمرتضى المتوفى 436هـ .
هذا من ناحية اللقب كـ(مصطلح ) وإلا فإن وجاهة العلويين والهاشميين وتعيين المسؤول عنهم من قبل الحكومات كانت موجودة في القرن الهجري الأول فكان الخلفاء في الصدر الأول يواجهون علياً وبنيه خاصة الحسن والحسين فلا حاجة للمنصب هذا ، لكن بعد واقعة الطف وانتشار ذرية الإمام الحسن عليه السلام وذرية جعفر الطيار وبني العباس وذراري الهاشميين ، وذرية علي صار هناك من يتولى صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله من بني هاشم وعطاءهم وتقسيمه بين الخليفة وبينهم ، وإدارة شؤون أوقافهم التي توقف لهم من الخلفاء وأغنياء الهاشميين لتغنيهم عن ما في أيدي الناس لكون الصدقة عليهم حراماً ، فكان الخليفة يعين من يقوم بهذا الدور ، ومن أبرز الشخصيات التي برزت في ذلك الوقت هو زيد بن الحسن السبط ، وقد ذرف على التسعين كما في بعض المصادر ، ومن بعده ابنه الحسن بن زيد بن الحسن السبط والذي ولاه المنصور الدوانيقي على المدينة ، وغير ذلك من الشواهد التي تعبر عن امتداد هذه الوجاهة حتى أصبحت تعطى لقب النقابة ، في القرن الرابع الهجري . على أنني قرأت ماجاء في مقدمة من قدّم أو حقق لكتاب ( ابن طباطبا ) والموسوم بأبناء الإمام في مصر والشام جاء في المقدمة التي كتبها محمد بن نصار المقدسي ، أقوالاً أخرى نوجزها ، ويقال أن أول من تولى نقابة الأشراف هو النسابة الحسين بن أحمد المحدث من ذرية زيد الشهيد ، وقيل أول من تولاها هو إسماعيل بن الحسين بن أحمد والذي يلقب بالعفيف ، تولى نقابة الأشراف بالشام ولاه عليها الخليفة العباسي المقتدر بالله ، والله العالم بالصواب .
ماهي وظائف النقيب ؟
للنقيب عدة وظائف وهي بحسب الصلاحيات المعطاة إليه من قبل الخليفة أو الحاكم وهي مختلفة باختلاف الأزمنة وسعة هذه الصلاحية ، فقد كان الشريف الرضي له صلاحية في إقامة الحدود على خصوص السادة الأشراف حتى نقل أنه كان يضاعف التعزير عليهم لإنتهاكهم وعدم حفظهم قربهم من النبي صلى الله عليه وآله ، فيما تكون أحياناً النقابة مجرد وظيفة تشريفية لا يكون معها سلطة أو شئ من التنفيذ أو التشريع ، وباعتبار أن مسألة النقابة شئ مستحدث بعد زمن النص والتشريع فلذلك لم يتكلم الفقهاء في وظيفة النقيب أو واجباته إلا بالمقدار الذي يمس الفقه من جهة كيفية تحديد النسب وقبوله أو رفضه وفق الميزان الفقهي ، ومن خلال تتبع الكتب التي لها عناية بهذه الأمور نجد أن للنقيب مهام منها :

1- تولي شؤون الأشراف من أوقاف أُوقفت عليهم ، وإدارتها وغير ذلك ،
2- تمثيلهم أمام السلطات
3- رعاية شؤونهم بشكل عام
4- تسجيلهم _ الأشراف _ وإحصاؤهم في البلد التي يكون فيها النقيب مسلطاً ، ولذلك نجد أن أكثر النقباء هم من الناسبة لأن مادونوه إنما هو في دائرة وحدود بلدانهم . ثم أصبحت بعد ذلك مرجعاً للنسابين .
من هنا نعرف إن لقب ( نقيب ) معناه وجود تنظيم للسادة الأشراف وتتبع لمشجراتهم وأنسابهم في البحرين ، وهذه المعلومات توجد عند النقيب الذي ينقب عن أنساب الأشراف وربما ينفي أيضاً لمعرفته وإطلاعه ، وعلى هذا الأساس فوجود نقيب للسادة الأشراف في البحرين معناه وجود حصيلة معتد بها للسادة الأشراف في البحرين في ذلك القرن .

المحور الثاني : التعرف على شخصية النقيب وهويته :

حينما حاولت البحث عن شخصية نقيب الأشراف البحراني هذا وبدأت أفتح كتب الأنساب المعاصرة والقريبة حتى بحثت فيما يقارب من خمسة عشر مصدراً تعنى بهذا اللون من التراجم فإنني لم أفلح في الوقوف على ما يكشف لنا شخصية هذا النقيب فعمدت لمسألة جمع القرائن التي لا تكشف عن الأمر مطلقاً ولكن بشكل كبير ، على أنني آمل في يوم ما أن أوفق للوقوف على مصدر آخر أو قد يقوم باحث آخر باستكشاف هذه الحقيقة بشكل أكبر فتتكامل المعرفة التي نرجوها . وكانت المعطيات التي بين يدي هي : [السيد علي أبو الحسن ، نقيب البحرين ابن السيد ماجد بن محمد العبدلي الرفاعي البحراني المتوفى سنة 848 للهجرة ] وفيما يدور ضمن حدسي حول هذه الشخصية هو :
1- أن هذا السيد الجليل هو عالم دين لأن عادة التأليف للكتب لا تكون إلا من هذا الصنف من الناس ، سيما وأنه شئ تخصصي ، وانصراف عوام الناس عن الكتابة والتأليف في هذه الأزمنة فضلاً عن تلك الأزمنة .
2- كلمة (العبدلي) كلمة جديرة بالوقوف والتأمل لو نظرنا لها في علمي النسب ، والجغرافيا ، لأن اللقب يحتمل أن يأتي من هذين المدخلين ، ولأنها أطلقت على بعض المناطق كما هو الحال في الكويت ، والأردن في عمان ، وربما في بعض مناطق المملكة العربية السعودية ، إلا أن شيئاً من هذه التسميات المكانية لايخدم بحثنا لأن التاريخ الذي دون مع إسم هذه الشخصية متقدم على عبدلي الكويت ، وعبدلي الأردن ، وبعد التقصي هو متقدم على عبدلي ( السعودية ) فهنا نطمئن إلى أن لقب العبدلي الوارد مع إسم هذه الشخصية لا يشير إلى إسم مكان لوفور القرائن على ذلك . بقي النسب ، ومما نلاحظ أن العبدلي أطلقت على غير الهاشميين وهم خارجون عن بحثنا ولا يفيدنا التقصي كثيراً لأننا لا نريد أن يتشعب البحث ولذلك سنقتصر على الهاشميين الذين لقبوا بالعبدلي . وهي تنطبق على غصنين هاشميين :
الأول : العبادلة الذين ينتهون إلى الشريف عبد الله _ وهو سبب تسميتهم بالعبادلة _ الحسني الذي ينتهي نسبه إلى موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ، كان أمير مكة في العام 1040هـ ، وتمم بناء الكعبة ، ثم عزل نفسة من الإمرة لولده محمد وتوفي في العاشر من جمادى 1041هـ ، من عقبه تسعة أولاد ، والمعقبون منهم ستة ، وذراريهم المنتشرون في مكة ، والطائف ، ومصر ، والأردن ، والشام ، والعراق ، ومنهم ملوك العراق سابقاً ، وملوك الأردن حالياً . وبلا شك فإن صاحب الترجمة لا ينتمي لهذه السلالة لأنه متقدم ، ولقب العبدلي متأخر ، فكيف يأخذ المتقدم لقب المتأخر فلا شك في عدم انتمائه لهذه السلالة .
وللحديث بقية
بشار العالي البحراني